التقسيم الأول باعتبار محلها : تقسم الإجارة على الأشخاص باعتبار محلها إلى نوعين هما : الإجارة على منفعة شخص يختص بالمستأجر ، والإجارة على عمل شخص ليس مختصاً بالمستأجر فقط .
النوع الأول : الإجارة على شخص خاص : وهي الإجارة التي يقتضي تنفيذها تسليم الأجير نفسه للمستأجر ليعمل عنده مدة من الزمن ، وذلك مثل أن يتم العقد بينهما على أن يعمل له الخياطة ، أو التجارة ، او السباكة ، أو الخدمة ، أو الإدارة لمدة شهر مثلاً .
فالعقد هنا يحدد أجيراً بذاته فيسلم نفسه إلى صاحب العمل ( المستأجر ) فيعمل لديه لأي عمل مشروع خلال زمن محدد ، وهو ما يسمى الأجير الخاص الذي لا يعمل إلاّ للمستأجر ، كالخادم والموظف ، وأنه يستحق الأجرة بمضي المدة بعد تسليم نفسه إليه .
النوع الثاني : الإجارة الواردة على عمل شخص ليس مختصاً بالمستأجر : وهذا ما يسمى الأجير المشترك أو الأجير العام ، لأنه ليس خاصاً بصاحب العمل ، حيث إن التزامه ينحصر في إكمال العمل الذي طلب منه على الوجه المطلوب ، فهو لا يسلم نفسه إلى المستأجر ، بل يبقى في محله ، كما أنه يتقبل الأعمال من الآخرين[1] .
فالمعيار الممّيز في الأجير الخاص والعام هو أن الأجير الخاص عليه أن يسلم نفسه لصاحب العمل ( فرداً أو جماعة أو مؤسسة أو شركة ) ، وأن يحدد له مدة معينة يكون لصاحب العمل الحق في الانتفاع به دون غيره ، وأنه إذا لم يكلف بعمل ، أو لم ينجز العمل دون تقصير فإنه يستحق الأجر المتفق عليه ، فالعقد وارد على الشخص نفسه أصلاً ليقوم بعمل ما ، فيكون العمل تبعاً ، ولكن على الأجير أن لا يصرف من وقته المحدد في عقد الإجارة إلى غير المستأجر .
وأما الأجير المشترك فالمعيار فيه هو إتمام العمل المطلوب دون تسليم نفسه إلى صاحب العمل ، وأن صاحب العمل لا يختص به ، فالعقد وارد أصلاً على العمل وليس على الشخص مباشرة ، ولذلك لا يستحق الأجرة إلاّ باتمام العمل وتسليمه إلى صاحب العمل .
التقسيم الثاني باعتبار التعيين ، أو ما في الذمة حيث تقسم الإجارة على الأشخاص إلى نوعين :
النوع الأول : الإجارة الواردة على شخص معين ، وهي التي يلتزم فيها العاقدان بان يكون محل العقد منفعة شخص معين مثل أن يقول المستأجر في الإجارة الخاصة : أجرت زيداً لعمل كذا لمدة كذا ، وكقصة سيدنا موسى عليه السلام ، وفي الإجارة المشتركة يقول : أجرتك أيها الخياط لخياطة هذا الثوب ، قال النووي : ( وكمن استأجر شخصاً بعينه لخياطة ثوب)[2] .
النوع الثاني : الإجارة الواردة على الذمة وهي ما يكون محل العقد منفعة موصوفة في الذمة ، وصفاً تنتفى به الجهالة ، وذلك بأن يقول في الإجارة الخاصة ، لزيد ـ مثلاً ـ اتفقت معك على أن تقوم بتخصيص شخص مواصفاته كذا ليقوم بخدمتي أو تطبيبي لمدة سنة بمبلغ كذا ، أو لإجراء عملية جراحية ، أو لتعليم شخص في تخصص كذا ، يكون الأجرة لكل فصل ، أو سنة كذا ، وهكذا : وحينئذ يجوز أن يقوم زيد بهذا الواجب ، أو أي شخص آخر تتوافر فيه المواصفات المطلوبة ، قال النووي : ( وواردة على الذمة كمن استأجر دابة موصوفة للركوب ، أو الحمل ، أو قال : ألزمت ذمتك خياطة هذا الثوب ، او بناء الحائط….. )[3] .
والمثال للإجارة المشتركة أن يقول المستأجر : ألزمت ذمتك خياطة هذا الثوب ، أو أن يقول لزيد ـ مثلاً ـ : اتفقت معك على خياطة هذا الثوب ، حسب المواصفات المبينة.
فالمعيار في التفرقة بين النوعين هو أن النوع الأول وارد على معين ، ولذلك لا يستبدل بشخص آخر كما أنه يبطل بموت الأجير ، أو فقدانه الأهلية ، في حين أن النوع الثاني وارد على شيء موصوف في الذمة ، فكيفما يتحقق العمل المطلوب حسب المواصفات فقد برأت ذمة الأجير ( خاصاً كان أو عاماً )[4] كما أنه لا يبطل بموته ، ولا بفقدان أهليته .
أحكام الإجارة الواردة على الذمة :
لم يفصل الفقهاء في هذا النوع ، ولذلك نحاول جمع شتاته بقدر الإمكان بادئين بذكر بعض نصوص الفقهاء ، يقول الإمام العمراني الشافعي : ( وما عقد من الإجارة على منفعة في الذمة ،، فيجوز أن تكون المنفعة حالّة ، …………… ، مثل : أن يقول : استأجرتك على تعجيل خياطة هذا الثوب حالاً ، ويجوز أن تكون المنفعة مؤجلة مثل أن يقول : استأجرتك على تحصيل خياطة هذا الثوب إلى أول شهر كذا ، لأن المنفعة في الذمة كالمسلَم فيه ، والمسلَم فيه يصح أن يكون حالاً ومؤجلاً ، وإن أطلق ذلك اقتضى الحلول ، كما قلنا في السلم إذا لم يذكره مؤجلاً .
وتنعقد هذه الإجارة بلفظ السلَم ، فيقول : أسلمت إليك ديناراً في ذمتي ، أو هذا الدينار بمنفعة ظَهْر ، من صفته كذا وكذا ، لأركبه إلى بلد كذا وكذا ،وتنعقد بلفظ الإجارة ، بأن يقول : أجّرني ظهراً من صفته كذا وكذا ، لأركبه إلى موضع كذا .
وسئل الشيخ أبو حامد عمّن قال : استأجرت منك ظهراً في ذمتك ، من صفته كذا وكذا ، لأركبه شهراً ، أتسلّمه إلى أول الشهر الفلاني غير متصل بالعقد ؟ فتوقف ، وقال : أنا أنظر فيه ، فقال بعض أصحابه : عندي أنه يجوز ، لأن المنفعة في هذه الإجارة يصح أن تقدّر بالمدة والعمل ، فلما جاز أن تتقدر بالعمل ، جاز أن تتقدر بالمدة ، ولا يجوز أن تكون الأجرة هاهنا مؤجلة ؛ لـ : (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الكالئ بالكالئ) و( الكالئُ بالكالئِ ) : هو بيع النسيئة بالنسيئة ، ولأن هذه الإجارة في معنى المسلم فيه ، ورأس مال السلم لا يصح أن يكون مؤجلاً ، وهل يشترط هاهنا قبض الأجرة في المجلس قبل أن يتفرقا ؟ ينظر فيه : فإن عَقدَ الإجارة بلفظ السلم … اشترط قبض الأجرة قبل أن يتفرقا ، كما قلنا في السلم .
وإن عقد بلفظ الإجارة .. فيه وجهان :
أحدهما : لا يشترط قبضه في المجلس قبل التفرق اعتباراً باللفظ .
والثاني : يشترط قبضه قبل التفرق ، وهو اختيار الشيخ أبي اسحاق اعتباراً بالمعنى ، ومثل هذين الوجهين الوجهان في قبض رأس مال السلم في المجلس إذا عقد السلم بلفظ البيع ، وقد مضى ذكرهما )[5] .
ويقول ابن قدامة : ( ولا يجب تسليم أجرة العمل في الذمة حتى يتسلمه إذا استؤجر على عمل ) وجاء في الانصاف النص على أنها تملك بالعقد أيضاً ، ولكن لا يستحق تسلمها إلاّ بفراغ العمل ، وتسليمه لمالكه على الصحيح من المذهب ، وعليه جماهير الأصحاب[6].
وقال ابن مفلح : ( والإجارة أقسام : … إجارة عين موصوفة في الذمة فيشترط صفات السلم ، ومتى غصبت أو تلفت أو تعبت لزمه بدلها ، فإن تعذر فللمشتري الفسخ ….. وعقد على منفعة في الذمة في شيء معين ، أو موصوف كخياطة ، ويشترط ضبطه بما لا يختلف …. )[7] .
وقد فصل المنهاجي الأسيوطي الشافعي تفصيلاً جيداً ، ورتب له صورة عقد حسب ما كان الشائع في عصره ، فقال : ( ويشترط في الإجارة في الذمة تسليم الأجرة في المجلس ، كتسليم رأس مال السلم في المجلس ، وفي إجارة العين لا يشترط ، ويجوز في الأجرة التعجيل والتأجيل إن كانت في الذمة )[8] .
وقال : ( وفي الإجارة في الذمة لا بدّ من ذكر الجنس والنوع ، والذكورة والأنوثة ، وتبيين قدر السير في كل يوم …….. ولا يشترط معرفة جنس الدابة وصفتها ، إن كانت الإجارة في الذمة ، إلاّ إذا كان المحمول زجاجاً ونحوه ، ولا يجوز الاستئجار للعبادات التي لا تنعقد إلاّ بالنية ، ويستثنى الحج وتفرقة الزكاة ، وكذا الجهاد ، ويجوز لتجهيز الميت ودفنه ، وتعليم القرآن )[9] .
ثم ذكر التفاصيل الجيدة فقال : ( وفي إجارة الذمة لا تنفسخ بالتلف ، ولا يثبت فيها الخيار بالعيب ، ولكن على المكري الابدال …… )[10] .
صورة الإجارة الموصوفة في الذمة :
ثم ذكر صورة الإجارة الواردة على الذمة بتأجيل المنفعة وتعجيل الأجرة : ( وصورة الاجارة الواردة على الذمة بتأجيل المنفعة وتعجيل الاجرة: استأجر فلان من فلان.فأجره نفسه على أن يحمل المستأجر المذكور وزوجته فلانة في زوج محاير عجمي ملبد مغطى بثوب جوخ – ويصف ما يحمله لهما من الاحمال والحوائج خاناه والمواهي والزوامل، وما فيها من القماش والاثاث والزاد والماء، ويضبط كل شئ منها بالوزن، ويذكر الخيمة وآلة الطبخ والكراريز، والدست والصاغرة، والمنصب الحديد والتعاليق، وما فيها من الادهان.وقماش البدن، وما يقيهما من الحر والبرد. ويستوفي الكلام في ذكر ما يحتاج إليه الحاج – ثم يقول: من مدينة كذا، إلى مدينة كذا، ثم إلى مكة المشرفة، ثم إلى عرفات، ثم إلى منى، ثم إلى مكة المشرفة، ثم إلى المدينة الشريفة النبوية، على الحال بها أفضل الصلاة والسلام، ثم إلى الينبوع، ثم إلى العقبة، ثم إلى القاهرة المحروسة، على جمال يقيمها من ماله وصلب حاله، صحبة الركب الشريف السلطاني الشامي – أو المصري، أو الحلبي، أو الكوفي، أو الغزاوي – ذهابا وإيابا، وعلى أن يحمل له في الرجعة من التمر والجوز والشاشات، والازر البيارم، والانطاع والجلود الطائفي وغير ذلك من أنواع الهدية المعتادة كذا وكذا – ويضبط كل نوع منها بتقدير وزن معلوم – إجارة صحيحة شرعية بأجرة مبلغها كذا على حكم الحلول، دفعها المستأجر المذكور إلى المؤجر المذكور بحضرة شهوده. فقبضها منه قبضا شرعيا. وهذه الاجرة يجوز تعجيلها وتأجيلها. ولا بد فيها من اعتراف المؤجر بمعرفة ما عاقد عليه المعرفة الشرعية النافية للجهالة. ثم يقول: وعليه الشروع في السفر من استقبال كذا صحبة الركب الشريف المشار إليه مصحوبا بالسلامة.ويكمل على نحو ما سبق)[11] .
ويقول الأسيوطي : ( الإجارة الواردة على الذمة لا يجوز فيها تأجيل الأجرة ، ولا الاستبدال عنها ، ولا الحوالة بها ، ولا الحوالة عليها ، ولا الابراء ، بل يجب التسليم في المجلس … ، والأولى أن يورد الإجارة على الذمة في البناء والخياطة ، وتعليم الخط والقراءة والحج ، ويكتب : الزم فلان ذمته أن يخيط لفلان كذا …. )[12] .
شروط الإجارة الموصوفة في الذمة :
بالاضافة إلى الشروط العامة للإجارة ، هناك شروط للإجارة الموصوفة في الذمة ، وهي:
ذكر الأوصاف التي يتم بها ضبط المنفعة ، وبعبارة الفقهاء استيفاء صفات السلم بحيث ينتفى معها الغرر والجهالة .
أن يتم تسليم الأجرة في المجلس إن تم العقد بلفظ السلم ، أما إذا تم بلفظ الإجارة أو نحوها فلا يشترط على وجه للشافعية[13] ، ووجه راجح للحنابلة[14] ، وقد ذكرنا ما نص العمراني الشافعي عليه ، وجاء في المنهاج مع شرح المحلى للنووي : ( ويشترط في إجارة الذمة تسليم الأجرة في المجلس كرأس مال السلم ، لأنها سلم في المنافع ….. ، ويجوز في الإجارة التعجيل والتأجيل إن كانت في الذمة )[15] حيث يفهم من هذا النص أن الإجارة إن كانت بلفظ السلم فيجب تعجيل الثمن في مجلس العقد ، وإن كانت بلفظ الإجارة فلا يجب ذلك ، ومثل ذلك نجده في المذهب الحنبلي ، حيث جاء في شرح منتهى الارادات : (وشرط استقصاء صفات السلم في موصوفة بذمة ، لاختلاف الأغراض باختلاف الصفات … وإن جرت إجارة موصوفة في الذمة بلفظ ” سلم كأسلمتك هذا الدينار في منفعة عبد صفته كذا وكذا لبناء حائط مثلاً وقبل المؤجر اعتبر قبض أجرة بمجلس عقد لئلا يصير بيع دين بدين واعتبر تأجيل نفع إلى أجل معلوم كالسلم ، فدل على أن السلم يكون في المنافع كالأعيان ، فإن لم تكن بلفظ سلم ولا سلف لم يعتبر ذلك …)[16] وجاء في الكافي : ( وإن شرطا تأجيلها ـ أي الأجرة ـ جاز إلاّ أن يكون العقد على منفعة في الذمة ، ففيه وجهان : أحدهما يجوز لأنه عوض في الإجارة ، فجاز تأجيله ، كما لو كان على عين …. ، والثاني : لا يجوز ، لأنه عقد على ما في الذمة فلم يجز تأجيل عوضه كالسلم )[17] .
أن تحدد المنفعة المراد تقديمها إلى الطرف الآخر بمدة معلومة مثل الشهر ، أو السنة ، أو ثلاثين يوماً [18].
ومن الحنابلة فصل الشويكي (ت929هـ) في الإجارة الموصوفة في الذمة ، فقال : (والضرب الثاني : عقد على منفعة في الذمة :
مضبوطة بما لا يختلف ، كسَلَم .
ويلزمه الشروع عقب العقد ، ولا يكون الأجير فيها إلاّ آدمياً ، ويسمى مشتركاً .
ولا يصح جمعه بين عمل ومدة ، كقوله : استأجرتك اليوم لعمل معلوم )[19] .
وقال : ( ومن استؤجر لعمل شيء في الذمة ، ولم تشترط عليه مباشرة بنفسه ، فمرض ، أقيم مقامه / من يعمله ، والأجرة عليه ، إلاّ ما يختلف فيه القصد ، كنسخ ونحوه فلا ، وإن كانت الإجارة على عينه في مدة أو غيرها ، او شرط عليه مباشرته فيه بنفسه ، لم يقم غيره مقامه ، وإن وجد العين معيبة ، أو حدث بها عيب يظهر به تفاوت الأجرة ، فله الفسخ إن لم يزل بلا ضرر يلحقه والامضاء مجاناً ) ، وقال أيضاً : ( وإن عقد على موصوف ، ذَكَر نوعه وكبره وصغره ) ، وقال : ( وتجب أجرة بنفس عقد ، سواء كانت إجارة عين او ذمة ، وستحتق كاملة بتسليم عين لمستأجر أو بذلها له ، وبفراغ عمل بيد مستأجر ، وبدفعه إليه بعد عمله ، وتستقر بمضي المدة وبفراغ العمل ، إلاّ أن يتفقا على تأخير تسليمها )[20] .
تأجير المنفعة المؤجرة إلى الغير بعد تسلمها :
وعلى الرغم من أن الإجارة الموصوفة في الذمة لا تنفسخ بتلف العين المؤجرة المسلمة إلى المستأجر ، فإن المستأجر يحق له تأجير العين المسلمة إليه بناءً على ثبوت ملكية الاختصاص له ، يقول الإمام النووي : ( وإن كانت الإجارة على الذمة ، وسلم دابة وتلفت لم ينفسخ العقد وإن وجد بها عيباً لم يكن له الخيار في فسخ العقد ولكن على المؤجر إبدالها ثم الدابة المسلمة عن الإجارة في الذمة وإن لم ينفسخ العقد بتلفها فإنه ثبت للمستأجر فيها حق الاختصاص حتى يجوز له إجارتها ولو أراد المؤجر إبدالها فهل له ذلك دون إذن المستأجر وجهان أصحهما عند الجمهور المنع لما فيها من حق المستأجر والثاني قاله أبو محمد واختاره الغزالي إن اعتمد باللفظ الدابة بأن قال أجرتك دابة صفتها كذا لم يجز الإبدال وإن لم يعتمدها بل قال التزمت إركابك دابة صفتها كذا جاز. ويتفرع على الوجهين ما إذا أفلس المؤجر بعد تعيين عن إجارة الذمة هل يتقدم المستأجر بمنفعتها على الغرماء وقد ذكرناه في التفليس والأصح التقدم. ولو أراد المستأجر أن يعتاض عن حقه في إجارة الذمة فإن كان قبل أن يتسلم دابة لم يجز لأنه اعتياض عن المسلم فيه وإن كان بعد التسليم جاز لأن هذا الاعتياض عن حق في عين هكذا قاله الأئمة. وفيه دليل على أن القبض يفيد تعلق حق المستأجر بالعين ، فيمتنع الابدال دون رضاه )[21] .
الفروق الجوهرية بين الإجارة المعينة في المنافع ، والموصوفة في الذمة :
من خلال النصوص التي ذكرناها يتبين لنا الفروق الآتية بين الإجارة المعينة ، والإجارة الموصوفة في الذمة :
إن الإجارة الموصوفة تقع على منفعة (خدمة) موصوفة في الذمة دون تحديد الشخص الذي يقدمها بعينه ، في حين أن الإجارة المعينة تقع على منفعة محددة لشخص معين .
إذا مات الأجير الطبيعي ، فإن الإجارة المعينة تنفسخ مطلقاً سواء كان بعد الانتفاع ببعض خدماته أم قبله ، وأما الإجارة الموصوفة في الذمة فلا تنفسخ بموته ، بل على المؤجر أن يقدم الخدمة الموصوفة من خلال شخص آخر .
وإذا تعيب الأجير فإن للمستأجر الحق في فسخ العقد في الإجارة المعينة ، وحق الاستبدال في الإجارة الموصوفة في الذمة .
وإذا كان الأجير شخصاً معنوياً مثل المستشفى ، أو الجامعة ، أو الطيران ، فإن الحكم السابق المفصل يطبق عليه في حالة الهلاك ، او عدم القدرة ، وفي حالة التعيب والنقص .
إن خيار العيب ثابت في الإجارة المعينة ، وغير وارد في الإجارة الموصوفة في الذمة لأن المنفعة تستبدل عند العيب ، لأنها ليست معينة .
وجوب تقديم المنفعة ( الخدمة) الموصوفة في الذمة بالشكل الذي يتمكن المستأ<ر من الاستفادة منها ، وهذا يستلزم تقديم التوابع الضرورية ، والحاجية التي لا يمكن الانتفاع بالمنفعة إلاّ بعد تحققها ، في حين أن الإجارة المعينة لا تستدعي ذلك إلاّ إذا اشترط .
إن الإجارة الموصوفة في الذمة يجوز فيها تأجيلها إلى المستقبل وهو الغالب ( أي الإضافة إلى المستقبل ) في حين أن الإجارة المعينة لا تجوز فيها الاضافة إلى المستقبل ، وهذا عند الشافعية ، أما غيرهم فقد أجازوها .
لا يشترط في الإجارة الموصوفة في الذمة وجو الخدمة الموصوفة في الذمة وقت العقد ، ولا وجود الشخص المقدم للخدمة ، حيث تستطيع المؤسسة المالية تقيدمها حسب المواصفات ، في حين أن الإجارة المعينة لا بدّ من وجود الشخص الذي يقدم الخدمة أثناء العقد [22].
التقسيم الثالث باعتبار صيغتها : حيث تقسم الإجارة بهذا الاعتبار إلى إجارة منجزة ، وإجارة مضافة إلى زمن مستقبل ، وإضافة معلقة :
النوع الأول : الإجارة المنجزة : هي التي يعبر فيها بصيغة دالة على إنجاز العقد دون تعليق ولا تأقيت ، مثل أن يقول : أجرتك لمدة عام بمبلغ كذا ، حيث تبدأ الإجارة من وقت العقد .
وهذا هو الأصل ، إذا لم يوجد في العقد ما يصرف الصيغة عن التنجيز ، أو لم ينص على بداية العقد ، فإن الإجارة تكون منجزة ، فتبدأ من وقت العقد[23] .
النوع الثاني : الإجارة المضافة إلى زمن مستقبل ، مثل أن يقول : أجرتك لمدة عام بدءاً من شهر كذا ، أو أجرتك من يوم كذا إلى كذا ، وذلك بأن يتم التعاقد ، ولكن يؤخر البدء بالإجارة إلى زمن لاحق ، وهكذا .
والإضافة في الإجارة صحيحة بالاجماع في الإجارة الواردة في الذمة ، أما الواردة على الأعيان المعينة فجماهير الفقهاء على صحة الإضافة فيها إلى مستقبل ، وخالفهم أكثرية الشافعية إلاّ في بعض صور مستثناة أجازوا فيها الإضافة مثل أن تكون المدة يسيرة ، أو الاستعداد قائماً ، أو نحو ذلك[24] ، لكن الشيخين ( الرافعي والنووي ) قالا : ان التفرقة بين إجارة الذمة ، وإجارة العين لفظية في هذا النطاق لأن كلتيهما واردة على العين أي على منفعتها[25] .
وذهب محمد بن الحسن الشيباني في إحدى الروايتين عنه إلى أن الإجارة إذا أضيفت إلى زمن زالت عنها صفة اللزوم ، وأصبحت غير لازمة بحيث يجوز لأحد الطرفين فسخها قبل حلول بدء مدتها[26] .
والراجح جواز إضافة الإجارة إلى المستقبل ، حيث ترجم البخاري باباً لهذا سماه : باب إذا استأجر أجيراً ليعمل له بعد ثلاثة أيام ، أو بعد شهر ، أو بعد سنة جاز ، وهما على شرطهما الذي اشترطاه إذا جاء الأجل ، ثم أورد حديث عائشة رضي الله عنها قالت : (واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوبكر رجلاً من بني الدّيل هادياً خريتاً وهو على دين كفار قريش ، فدفعا إله راحلتيهما ، ووعداه غار ثور بعد ثلاث ليال ، فأتاها براحلتيهما صبح ثلاث)[27] قال الحافظ ابن حجر : (والذي ترجم به هو ظاهر القصة ، ومن قال ببطلان الإجارة إذا لم يشرع في العمل من حين الإجارة هو المحتاج إلى دليل …..واستنبط من هذه القصة جواز إجارة الدار مدة معلومة قبل مجيء أول المدة)[28].