لا يمكن أن تـتحقق تنمية الموارد الوقفية إلاّ إذا سبقتها أو صاحبتها تنمية الموارد البشرية وبالأخص تنمية القائمين ، ونحن في هذا البحث لا نخوض في تفاصيل هذه المسألة وإنما نوجز القول في أهم متطلبات تنمية الموارد البشرية وهي

1. اختيار العناصر الفعالة المتقية المتعاونة المتماسكة القادرة على التطوير ، والجامعة بين الإخلاص والاختصاص ( إنّ خير مَن استأجرت القوي الأمين )[1]، وهذا يتعلق بعمليات الاختيار وإدراة الترقيات والتنقلات .

2. الحفاظ على صحة القائمين على الوقف بكل الوسائل المتاحة ، إذ الدراسات العلمية أثبتت أن المرض يمكن أن يخفض الإنتاجية إلى الثلث[2]، وأن الخدمات الصحية والاجتماعية لها دور كبير في الإنتاجية وتطويرها ، لذلك فعلى المؤسسات الوقفية العناية بصحة موظفيها والعاملين فيها ، وتهيئة التأمين الصحي وبرنامج الصيانة البشرية ، وما يرتبط به من تحسين بيئة وظروف العمل وتقديم الخدمات الاجتماعية والصحية وخدمات الأمن والسلامة[3].

3. تحقيق اليسر المادي للعاملين في الوقف ، أو بعبارة الفقه الإسلامي : الكفاية ، والغنى ، كما عبّر عنه الخليفة الراشد علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ حيث قال : (… أباح الله لهم ـ أي للمتقين ـ الدنيا ما كفاهم به ، وأغناهم … )[4]، فالغرض من التنمية الاقتصادية هو تحقيق الكفاية والغنى لأفراد المجتمع ، وهي نفسها لا تحقق بصورتها الشاملة الكاملة إلاّ بأفراد قادرين على ذلك .

4.   التخطيط الدقيق بحيث تكون جميع أعمال القائمين تسير حسب اللوائح والخطط والبرامج .

5. الارتقاء بالقائمين على الوقف والعاملين فيه ارتقاءً شاملاً للجوانب الروحية والنفسية والفكرية والعلمية وذلك من خلال التعويد على التطوير الذاتي بالقراءة ، والاستماع ، والمشاهدة ، ومن خلال الدورات التدريبية في المجالات التي تحقق الهدف المنشود ، والدراسات المتخصصة في مجالات الإدارة وعلم النفس ، والاجتماع ، والتنمية ونظم المعلومات ونحوها ، ومن خلال الزيارات للمؤسسات المشابهة داخل البلاد وخارجها.

6. العناية القصوى بالمتابعة وتقييم الأداء على موازيين دقيقة ومعايير منضبطة وبالتالي تطبيق قاعدة الثواب والعقاب ، وكذلك العناية بتقييم النظم المطبقة في المؤسسة ، فعلى المؤسسات الوقفية إن أرادت التنمية الشاملة أن تولي عنايتها القصوى بهؤلاء العاملين من شتّى الجوانب المذكورة. وبالأنظمة والبرامج واللوائح ، وإعادة النظر فيها للارتقاء بها على سبيل الدوام هذا ما أردنا هنا التنويه دون الخوض في تفاصيل الموضوع

 

العـلاقة بين الوقف والتنمية :

  وأما الوقف نفسه فكان ـ ولا يزال ـ له دور عظيم اقتصادياً واجتماعياً وعلمياً في التنمية بل الوقف نفسه تنمية بشرية ، وتنمية اجتماعية وتنمية اقتصادية حتى يمكن القول بسهولة إن حضارتنا الإسلامية هي حضارة الوقف ، وقد كان له دوره في توفير الحدّ الأدنى من الطيبات العامة للفقراء من خلال الأوقاف الخاصة بالفقراء لإطعامهم ، وكسوتهم ، بل وتعليمهم ، وتقليل الفروق بينهم وبين الأغنياء ، وزيادة مساحة القاعدة الوسطية بين الفقراء والأغنياء ، إضافة إلى الأوقاف الخاصة بالمستشفيات ( بيمارستان ) ونحوها ، لذلك يمكن تلخيص هذه الأدوار فيما يأتي :

1.توفير الأمن الغذائي،وتحقيق الحاجيات الأساسية ، بل حتى بعض المحسِّنات للفقراء :

 فقد ساعد الوقف على مرّ العصور على توفير الحاجيات الأساسية ، بل حتى بعض المحسنات للفقراء والمحتاجين من خلال الوقف الخيري الخاص بهم ، ومن خلال التكايا والخانقاهات التي كانت تقدم لمن يسكنها من الفقراء ما يحتاجونه من الملبس والمأكل والمشرب والمنام ، ومن المعلوم بداهة أن الفقر والعوز والحاجة من أهم معوقات التنمية ، والنهضة الشاملة المنشودة .

2.توزيع الثروة وتقليل الفجوة بين طبقات المجتمع :

 للوقف دور مهم في هذا المجال حيث يقدم الأغنياء بعض أموالهم للوقف على هؤلاء المحتاجين والمستحقين ، وبالتالي ينـتقص في الظاهر جزء من أموالهم ، ويضم إلى أموال المحتاجين بما يرفع مستوى معيشتهم ، ومن هنا فإن الوقف ( مع بقية الوسائل الأخرى للتوزيع ) يؤدي إلى توسيع القاعدة الوسطية وتقليل الفجوة بين طبقات المجتمع ، ويخفف من غلوائها .

3.توفير التعليم المجاني للفقراء من خلال المدارس والجامعات التي وقفها المسلمون ، ووقفوا لها أموالاً ضخمة للإنفاق عليها ، وبذلك يتوافر التعليم المجاني للفقراء والمحتاجين ولأبنائهم وبناتهم ، وهذا بلا شك يؤدي إلى التنمية البشرية الحقيقية ، ويكفي للاستدلال على ذلك تلك الجامعات التي بناها الوقف مثل جامعات الأزهر ، والزيتونة ، والمدارس النظامية ، وغيرها التي لا تـزال آثارها باقية إلى اليوم .

وللتعليم دور في تنمية الإنسان نفسه ، وفي تنمية الموارد ، إذ به ترتقي الأمة سلّم الحضارة والتقدم والرفاهية ، وأما الجهل والأمية فمن أخطر الأمراض والمعوقات على الإطلاق .

4.توفير الأمن الصحي للفقراء والمحتاجين من خلال المستشفيات ( بيمارستان ) التي بناها الواقفون والتي تفتخر بها حضارتنا إلى اليوم بعظمتها وخدماتها وأنظمتها ، وللصحة دور كبير حتى في تنمية الموارد ، إذ الأمراض تكلف المجتمع مبالغ كبيرة إضافة إلى تأثر الإنتاج بها تأثراً كبيراً

5.رعاية الأيتام وكفالتهم وتربيتهم من خلال الوقف الخاص بهم ، أو الوقف العام للفقراء والمحتاجين ، حيث ساعد ذلك على الحفاظ على ثروة كبيرة للأمة لا يستهان بها تحولت إلى طاقات نافعة ومنتجة بدل أن تتبعثر فتتعثر ، بل تتحول إلى طاقات هدم وفساد .

6.توفير عدد من الوظائف من خلال النظار والموظفين والمشرفين ونحوهم في المؤسسات الوقفية والمساجد ، ونحوها ، وهو عدد كبير لا يستهان به ، يتخصصون في تلك المجالات ويتطورون .

7.المساهمة في تطوير العمل الخيري في المجتمع الإسلامي من خلال العمل المؤسسي للجمعيات والمؤسسات الوقفية ، وزيادة عدد قنوات العون وزيادة فاعليته[5].

8.المساهمة في عملية التنمية الاقتصادية ، وزيادة عوامل الإنتاج كمّاً ونوعاً ، واستيعاب التقنية الحديثة ، وزيادة الموارد من خلال الاستثمار[6] .

 


 

  (1) سورة القصص / الآية ( 26 )

(2) مقدمة د . محمد عزيز علي ، د . والتر إيلكان : مقدمة في التنمية الاقتصادية ، ط . جامعة قار يونس 1983 ( ص 10)

(3)سليمان بن علي العلي : تنمية الموارد البشرية والمالية ، ط . مؤسسة أمانة ( ص 45 )

(4) نهج البلاغة ، ط . دار المعرفة بيروت مع شرح الشيخ محمد  عبده ( 3/26 ـ 28 ) ، ويراجع د . يوسف إبراهيم : ” استراتيجية وتكتيك التنمية الاقتصادية في الإسلام ، ط . الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية بالقاهرة 1421هـ (ص 155)

(5) د . معبد الجارحي : ورقته المقدمة المنشورة ضمن أبحاث ندوة الوقف الخيري المنعقدة في أبو ظبي ( ص120 )

(6) المرجع السابق ( 122 ـ 123 )