وقد حاولت الجالية المسلمة في الدنمارك أن تعتذر الصحيفة المذكورة ، وتقدم بعض السفراء المسلمين أيضاً إلى الحكومة بأن تعالج الموضوع بالحكمة ، والاعتذار من الصحيفة ، ولكنها رفضت ذلك بحجة الحرية .

  وللمرء أن يتساءل عن أية حرية يتحدث هؤلاء ؟ هل هذه الحرية تشمل الحرية لنقد ما يتعلق بالمحرقة اليهودية ( هولوكوست ) ؟ هل يجرأ أحد منهم ان يناقش هذا الموضوع حتى بالموضوعية ، فهذا هو الفيلسوف المسلم جارودي لم ينكر المحرقة ، وإنما أنكر المبالغة في عدد المحروقين ، فحوكم على ذلك وصدر عليه الحكم بالسجن في بلد النور والحرية ـ كما يسمون ـ فرنسا .

  ثم إن الحرية هل تعني الاستهزاء والكذب والافتراء على الآخرين فالحرية حتى في الغرب تنتهي عندما تمس حرية الآخر .

  والغريب أن هذه الصور المستهزئة بالرسول صلى الله عليه وسلم تأتي بعد ما ألف كوري بلوتيكن كتابه ( القرآن وحياة محمد ) يحمل بين صفحاته إساءة للإسلام ، ثم طلب من الرسامين رسم صور مسيئة للإسلام لنشرها داخل كتابه هذا ، ولكن معظمهم رفضوا ذلك ، فتوجه المؤلف إلى الصحيفة المذكورة ، فعرضت عليهم فقبل 12 رساماً فنشروا صورهم هذه في الصحيفة المذكورة ، وحدثت هذه الإثارة .

  وهذا الكتاب انتقى مواقف من السيرة النبوية بصورة مشوهة ، ثم وظفها بطريقة تخدم غايته الذميمة في الطعن بالرسول صلى الله عليه وسلم ، منها على سبيل المثال أن المحرقة اليهودية حدثت أولاً في عصر محمد صلى الله عليه وسلم الذي قتل اليهود في المدينة ، وأنها كانت تفوق المحرقة النازية ( هولوكوست ) .

  ثم نشرت الصحيفة نفسها مقالاً لمؤلف الكتاب المذكور بعنوان العنصرية القديمة والحديثة ، ونشر صورة لرجل ملتح يرتدي عمامة مكتوب عليها ( قرآن مجيد ) وعيناه معصوبتان بعصابة مكتوب عليها كلمة ( العنصرية ) في 23/1/2006 .

  وذكر الأستاذ رائد حليحل رئيس الرابطة الأوربية لنصرة خير البرية ـ كما في موقع إسلام أون لاين ـ أن الاساءة للرسول صلى الله عليه وسلم بدأت بطريقة اعتباطية ، ولكنها الآن تسير بشكل ممنهج ومخطط له جيداً ، فبدأت تجد صدى في الأوساط الغربية ، ويدل  على ذلك أن شركة ألمانية للملابس القطنية طبعت أحد الرسوم المسيئة على بعض منتجاتها ، وخصصت أرباحها لنصرة حرية الرأي بالدنمارك ، وكذلك نشرت ست صحف في ألمانيا وايطاليا ، واسبانيا الرسوم المسيئة تضامناً مع الصحيفة الدنماركية ، وفي فرنسا نشرتها صحيفة فرانس سوار ، ولكن مالكها المسلم رامي لكح أقال رئيس تحريرها مع الاعتذار .

  وقد تفاعل العالم الإسلامي تفاعلاً كبيراً على مستوى منظمة المؤتمر الإسلامي ، وجامعة الدول العربية من حيث مطالبة الأمم المتحدة بإصدار قرار مقرون بعقوبات تجعل الاساءة للأديان جريمة ، أما معظم الحكومات العربية والإسلامية فلم يكن تفاعلها على المستوى المطلوب ، ولم يكن أبداً مسنجماً مع تفاعل شعوبها ، فلم تتحرك حسبما يقتضيها دينها والثأر لكرامة نبيها الذي هو أولى من النفس ، في عقيدة الإسلام ، إلاّ أن بعض هذه الدول تحركت بالمقاطعة الدبلوماسية وهذا عمل طيب .

  وعلى الرغم من أن الصحيفة الدنماركية اعتذرت في 31/1/2006 عن نشرها الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم ولكنها بعد فوات الأوان ، ومن هنا لم يرتض الكثيرون بذلك ، ودعوا باستمرار المقاطعة إلى أن تعتذر الحكومة ، وتنشر الصحيفة ما يدل على خطئها.

  وقد صدرت فتاوى وبيانات من معظم الجهات الإسلامية المتخصصة ، فقد أصدر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين برئاسة فضيلة العلامة الشيخ يوسف القرضاوي ، في 21/1/2006 بياناً دعا فيه المسلمين إلى مقاطعة المنتجات والبضائع الدنماركية والنرويجية في حالة عدم قيام المسؤولين في البلدين باتخاذ موقف قوي إزاء هذه الاساءات المتكررة ….. ، ثم دعا يوم الجمعة 14/1/1427هـ يوم غضب في العالم الإسلامي وقد استجابت فعلاً معظم المدن الإسلامية .
  وكذلك طالب مفتي المملكة العربية السعودية فضيلة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ في بيان له المسؤولين في الدنمارك بمحاسبة الصحيفة وايقاع الجزاء المناسب عليها مع الاعتذار للمسلمين.

  وتفاعلت الشعوب المسلمة في كل مكان بالمقاطعة الاقتصادية ، والمظاهرات المنددة بهذه الجريمة الشنعاء حتى تم حرق سفارتي الدنمارك والنرويج في دمشق .

  ومهما فعلنا أمام هذه الاهانة والاستهزاء فهو قليل ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعزّ وأحبّ على المؤمن من نفسه وماله وأهله وولده والناس أجمعين ، بل لا يتم إيمانه إلاّ بذلك ، فهو أولى به من نفسه فقال تعالى : ( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ….) سورة الأحزاب / الآية 6 وقد أوجب الله تعالى علينا نصرته وحبه واحترامه والثأر له إضافة إلى طاعته واتباع سنته ، وعلى ذلك من الأدلة من القرآن والسنة ما لا يحصى هنا .

التمهيد لحرب صهيونية صليبية كونية ضد العالم الإسلامي :
  والذي أريد أن أقوله هنا هو أن كل ما يحدث الان في العالم الغربي ( أمريكا وأوروبا ) منذ وصول اليمين المسيحي المتصهين بقيادة جورج دبليو بوش ، وبالأخص بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، إذا قرأته قراءة متأنية لا يمكن تفسيره إلاّ بأنه الأعداد الشامل لحرب صليبية صهيونية عالمية ثالثة ضد الإسلام والمسلمين ، بل هذا ما أعلنه الرئيس الأمريكي الحالي ، حيث سماها في البداية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر بالحرب المقدسة ، ثم اختار حرب العدالة ، وكلاهما من المصطلحات الصليبية ، فعدل عنهما بعد توجيه النصح إليه من إدارته فاختار اسم الحرب الكونية على الارهاب ، وقسم العالم إلى قسمين : أن من يقف مع أمريكا ضد الارهاب فهو من عالم الأخيار ، وأن من لا يكون معها فهو ضدها ،  وانه من الاشرار ، وهذا هو نفس التقسيم الذي كانت أمريكا تصر عليه في حربها الباردة ضد الاتحاد السوفيتي السابق حيث كانت تسميه بامبراطورية الشرّ، وجهزت للقضاء عليه كل أسلحتها الإعلامية والاقتصادية ، وهي تقيس الإسلام والمسلمين اليوم على العالم السوفيتي في جميع الجهات ، من حيث الشرّ والارهاب ، ومن حيث الانتصار عليه ، وحتى الزمن حيث ان الحرب الباردة كانت في حدود أربعين عاماً ، وهاهي أمريكا خصصت خلال هذا الاسبوع ميزانية قوامها سبعون مليار دولار لمحارية الارهاب أربعين سنة .

  وأمريكا اليوم نسيت ان الاتحاد السوفيتي انهزم في أفغانستان على أيدي المجاهدين    ـ كما اعترف بذلك الكثيرون حتى من الأمريكين أمثال بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأسبق ـ  .

  إن إدارة بوش تمثل المحافظين الجدد  ، وهم وراءهم اليمين المسيحي المتصهين الذي يقف مع الصهاينة فكرياً وأيدلوجياً وعملياً وسياسياً في خندق واحد ، وهو يؤمن بصراع الحضارات ، ويعمل جاهداً ـ كما عبر عنه صموئيل هنتجتون ـ للقضاء على جميع الحضارات الأخرى سوى الحضارة الغربية ، وبالأحرى الحضارة الأمريكية ـ بل لا بدّ ان تنتهي كل الحضارات بالحضارة المعاصرة ـ كما عبر عنها فوكومايا ـ في مقالته نهاية الحضارات .

  ان الحضارة الإسلامية تمثل قيماً تتعارض مع قيم الحضارة الأمريكية في نظرهم ، مع ان الإسلام يحمل قيم الأخلاق قيم الرحمة والسلام والرحمة للعالمين ، والخير للناس أجمعين ، ولكنه يقف ضد قيم الشذوذ والانحلال الأخلاقي ، والانصهار في بوتقة الرذيلة والزواج المثلي ، والتفكك الأسري ، وضد الألحاد والاستهزاء ، فحقاً ان الإسلام لا يقبل بهذه القيم ، بل يقف ضدها ، ويبذل جهده لتغييرها إلى قيم الإيمان والأمن والأخلاق والسامية .

  وقد أشار القرآن الكريم إلى أن بعض أهل الكتاب لا يعيبون على المسلمين إلاّ انهم يؤمنون بالله وحده ، ويؤمنون بجميع الكتب المنزلة والرسل والأنبياء فقال تعالى : ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ) سورة المائدة / الآية 59   . وهذا ما قاله صمويل بأن جميع الأديان قد تغيرت ودخلتها العلمانية إلاّ الإسلام بقي محافظاً على قيمه ، إذن لا بدّ من تغييره .

  وعلى الرغم من كل المحاولات التي بذلتها إدارة بوش لم تستطع أن تخضع أوروبا    ـ ما عدا الإدارة البريطانية ونحوها ـ لما تريده ، كما شاهدنا في حربها ضد العراق حيث وقفت غالب الشعوب الأوروبية ضد ساسية بوش ، وحتى الحكومات فقد وقفت فرنسا وألمانيا وغيرها ضد ذلك ومن الجانب الشعبي فكانت المظاهرات الكبيرة تنذر بفشل السياسية الأمريكية في أوروبا .

  ومن الجانب النفسي فقد تبين من خلال عدة استبيانات ـ قامت بها معاهد محترمة ومحترفة ـ ان نسبة تتراوح بين 65% إلى 70% تكره اسرائيل وسياستها ، وأن اكثر من 80% لا تتفق مع سياسية بوش .

  إذن كيف العلاج فجلس المخططون الصهاينة واليمين المتصهين الأمريكي للتخطيط بتحويل الكراهية من اليهود إلى المسلمين ، ولمصداقية سياسة بوش ، ومعهم المال والإعلام ، واليهود يسيطرون على معظم القنوات الفضائية ، والصحف والمجلات بل على الإعلام المقروء والمشاهد والمرئي والمكتوب فحركوا هذه الأجهزة لتحقيق ثلاثة أهداف مرحلية :

1)تشويه صورة الإسلام والمسلمين

2)اثارة النعرات الدينية

3)اثارة المسلمين للقيام بالأعمال التي تترب عليها كراهية الشعوب الأوربية لهم زيادة على ما حدث من أحداث الحادي عشر من سبتمبر و أحداث 7/7/2005 في بريطانيا وأحداث القطار الاسباني .

  أما الهدف الاستراتيجي فهو إثارة الفوضى العارمة في العالم العربي ومس مصالحه بشكل مباشر ، واحساس المواطن الغربي بالخوف وعدم الراحة في هذه الدنيا التي هي جنته الأولى والأخيرة ، ثم التركيز من خلال وسائل الإعلام بأن كل ذلك من الإسلام والمسلمين .
 
  وهذا يستدعي أن يركز الإعلام الغربي كله على إثارة الروح الصليبية من جديد في النفوس لأن هذه الروح هي التي تؤدي إلى صراع بين الحضارات .

وحينئذ لا يبقى إلاّ أن ينادى باب بوش أو غيره بنداء بابا الصليبية قبل عدة قرون .

  وإذا وقعت هذه الواقعة سوف تسود الفوضى كل العالم ويكون المستفيد الوحيد هو : الصهاينة واليمين المتطرف فهم استفادوا من الحرب العالمية الأولى وعد بلفور وهجرتهم الجماعية إلى فلسطين ، واستفادوا من الحرب العالمية الثانية تحقيق دولة صهيونية مدعومة من الغرب كله ، ومن أمريكا بشكل غريب .ويكون الخاسر هو أوروبا ، والمسلمين .

  لذلك لا بدّ من إرسال رسائل العقل والحكمة إلى عقلاء الغرب وبالأخص أوروبا بأن لا يكونوا جزءاً أساسياً من هذه المحرقة التي يريدها الصهاينة لكم ولنا جميعاً ثأراً من هولوكوست.

  ولا يمكن أن نقول للمسلمين : اصبروا ، لأنه ليس هناك شيء لديهم أقدس ـ بعد الله تعالى ـ من رسولهم محمد صلى الله عليه وسلم بنفسي وبأبي وأمي فداه ، وكذلك بقية الأنبياء عليهم السلام ، فكنا نثور أيضاً  لو أسيء إلى سيدنا موسى أو عيسى ، أو إبراهيم عليهم السلام .

  بل أقول : يجب علينا أن نفدى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكل ما نملك فنتبع سننه ، وننصره ، ومع ذلك لا بدّ أن يكون لدينا الوعي الكامل بهذه الخطة الجهنمية التي وصفها الله تعالى بمكر اليهود ( وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ) سورة ابراهيم / الآية 46 فنخطط بإفشالها وتحويلها إلى الخير كما قال تعالى : ( لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) سورة النور / الآية 11 وذلك بأن نستمر في المقاطعة الاقتصادية والدبلوماسية ، والمظاهرات المنددة إلى أن تحقق أهدافها ، ولكن الأهم هو أن نبدأ بالدفاع الايجابي من خلال ما يأتي :

1)احياء سنته صلى الله عليه وسلم في نفوسنا وفي تصرفاتنا وسلوكنا ، واحياء حبه في قلوبنا ، كما كان الصحابة الكرام ، كم كانوا يحبونه ؟ .

2)انشاء صندوق عالمي للدفاع عن خير البرية

3)فتح قنوات فضائية بجميع اللغات الحية لبيان سيرة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ورحمته للعالمين ، وخيره للناس أجمعين .

4)العناية القصوى بجميع وسائل الاعلام الأخرى من الاذاعات والمجلات والصحف بجميع اللغات الحية .

5)الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والحوار بالتي هي أحسن لبيان حقيقة الاسلام ، وجمال رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم .

  وحينئذ تحولت النقمة إلى النعمة ، وولدت المنح في بطون المحن ، ولذلك قدّم الله الأمر بإظهار الحق وعدم المبالاة بالمستهزئين حتى يكون نبراساً لنا فقال تعالى : ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) سورة الحجر / الآية 94.

  نحن نؤمن ايماناً جازماً بأن الله تعالى قد كفل بنصره فقال تعالى : ( إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ) سورة التوبة / الآية 40 وأنه تعالى يكفي المستهزئين فقال تعالى : ( إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ) سورة الحجر/ الآية 95 . فقد بين الله تعالى عاقبة هؤلاء بأنها الخسارة والندامة في الدنيا والآخرة ، والعذاب واللعنة في الآخرة فقال تعالى : ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) سورة التوبة / الآية61 وقال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً ) سورة الأحزاب / الآية 57

وأن الله تعالى قد قضى بأن مبغض الرسول مقطوع عنهم الخير والبركة ومكتوب عليهم الذل والندامة فقال : ( إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ) سورة الكوثر / الآية 3  قال شيخ الإسلام ابن تيمية :(إنَّ الله منتقمٌ لرسوله ممن طعن عليه وسَبَّه، ومُظْهِرٌ لِدِينِهِ ولِكَذِبِ الكاذب إذا لم يمكن الناس أن يقيموا عليه الحد، ونظير هذا ما حَدَّثَنَاه أعدادٌ من المسلمين العُدُول، أهل الفقه والخبرة، عمَّا جربوه مراتٍ متعددةٍ في حَصْرِ الحصون والمدائن التي بالسواحل الشامية، لما حصر المسلمون فيها بني الأصفر في زماننا، قالوا: كنا نحن نَحْصُرُ الحِصْنَ أو المدينة الشهر أو أكثر من الشهر وهو ممتنعٌ علينا حتى نكاد نيأس منه، حتى إذا تعرض أهلُهُ لِسَبِّ رسولِ الله والوقيعةِ في عرضِه تَعَجَّلنا فتحه وتيَسَّر، ولم يكد يتأخر إلا يوماً أو يومين أو نحو ذلك،ثم يفتح المكان عنوة، ويكون فيهم ملحمة عظيمة، قالوا: حتى إن كنا لَنَتَبَاشَرُ بتعجيل الفتح إذا سمعناهم يقعون فيه ، مع امتلاء القلوب غيظاً عليهم بما قالوا فيه ) ويقول :(من سُنة الله أن من لم يُمكن المؤمنين أن يعذبوه من الذين يؤذون الله ورسوله فإنَّ الله سبحانه ينتقم منه لرسوله ويكفيه إياه، كما قدمنا بعض ذلك في قصة الكتاب المفترى ،

وكما قال الله سبحانه :(فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ) سورة الحجر/ الآية 94و95 والقصة في إهلاك الله المستهزئين واحداً واحداً معروفة، قد ذكرها أهلُ السِّيَر والتفسير. وهذا والله أعلم تحقيق قوله تعالى: ( إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ ) سورة الكوثر/ الآية 3 ؛ فكُلُّ من شَنَأَهُ أو أبغضه وعاداه فإنَّ الله تعالى يقطع دابره، ويمحق عينه وأثره. وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: ” يقول الله تعالى: من عادى لي ولياً، فقد بارزني بالمحاربة ” فكيف بمن عادى الأنبياء؟ ومن حَارَبَ الله تعالى حُرِبَ. وإذا استقصيت قصص الأنبياء المذكورة في القرآن تجد أممهم إنما أُهلكوا حين آذوا الأنبياء وقابلوهم بقبيح القول، أو العمل. وهكذا بنو إسرائيل إنما ضربت عليهم الذِّلة وباؤوا بغضِبٍ من الله، ولم يكن لهم نصير ؛ لقتلهم الأنبياء بغير حق، مضموماً إلى كفرهم، كما ذكر الله ذلك في كتابه. ولعلك لا تجد أحداً آذى نبياً من الأنبياء ثم لم يَتُبْ إلا ولا بد أن يصيبه الله بقارعة).

هذا والله الموفق ،،،،،،