لذلك يكثر البحث والسؤال عن الحلال والحرام فآلاف التليفونات توجه إلى تليفوناتنا في المسكن والمكاتب كلها تحمل السؤال عن الحلال والحرام وبالأخص عن موضوع الأسهم.

  وفي بعض الأحيان يأتي السؤال في نصف الليل عن سهم شركة معينة ، فأقول للسائل : لماذا هذا الوقت ؟ فيقول : والله سمعت قبل قليل أن أسهم الشركة الفلانية حرام ، فماذا أفعل ؟

  وهذه الظاهرة ظاهرة جيدة تدل على صحوة المسلمين ووعيهم ، وعودتهم إلى الله تعالى ، وتوبتهم من المحرمات وبالأخص الربا الذي لا نرى في القرآن الكريم يعلن الحرب إلاّ على المرابين حيث يقول تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة: الآيات 278 ـ279  .

  ومما كثر السؤال عنه خلال هذه الأيام هو حكم سندات الدين ، وهل يكون لها تأثير إذا قامت شركة ناقلات الغاز بإصدار سندات الدين ؟ وهل هناك بديل إسلامي عنها ؟

للجواب عن ذلك نقول :

  إن سندات الدين هي في عرف الاقتصاد أوراق مالية متساوية القيمة ، قابلة للتداول تمثل ديناً في ذمة مصدرها مع الالتزام بضمان الدين وفائدته الربوية ، ولها أنواع كثيرة لا يسع المجال لذكرها .
  وقد اتفق القانونيون والاقتصاديون على أن السندات هي صكوك تمثل قرضاً بفائدة ، ولذلك اتفقت المجامع الفقهية على حرمتها .

الحكم الشرعي لهذه السندات :

  إذا كان هناك خلاف طفيف سابق من بعض انواعها ، حيث أباحها البعض فإن هذه الإباحة في نظري تعود إلى عدم فهم طبيعة هذه السندات في وقتها واعتبارها مضاربة ، او تكييفها على الضرورة  ، ولذلك لا داعي لمناقشة هؤلاء ، لأنه الآن قد ظهر بما لا يوجد أدنى شك أن السندات ـ حتى في نظر القانونيين  ـ : تكيف على أنها قروض بفوائد ، كما رأينا في جميع أنواعها وان صاحبها دائن للحكومة او الشركة يستحقها في وقتها إضافة إلى فوائدها دون النظر إلى خسارة الشركة وأرباحها وبذلك يظهر جلياً بُعدها     ـ بُعد المشرقين ـ عن المضاربة والمشاركة في الشريعة الإسلامية الغراء .

  وهذه الفوائد هي عين ربا النسيئة الذي لا خلاف في حرمته ، كما أنه لا توجد ضرورة في شراء هذه السندات أو تداولها ، بل إن بعض انواعها عبارة عن الربا والقمار كما في سندات اليانصيب  .
  هذه هو ما عليه واقع السندات اليوم بجميع أنواعها ، لكنها لو غير واقعها واطلقت على عقد مشروع مثل سندات المضاربة فالعبرة بالمضمون والمدلول وإن كان الأفضل تسميتها بغير السند لأنه اشتهر في الأعراف الاقتصادية إطلاق السند على القروض بالفوائد التي هي محرمة ، ولذلك فالأولى إطلاق لفظ الصكوك أو نحوها على أوراق مالية لو وجدت دفعاً للالتباس والغموض والاشتباه .

 وقد صدر قرار من المجمع الفقهي حول السندات ، وهذا نصه :

قرار رقم (62/11/6) بشأن السندات

  إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17ـ23 شعبان 1410هـ الموافق 14ـ20 مارس 1990م .

  بعد إطلاعه على الأبحاث والتوصيات والنتائج المقدمة في ندوة (الأسواق المالية)  المنعقدة في الرباط 20ـ24 ربيع الثاني 1410هـ الموافق 20ـ24 اكتوبر 1989م بالتعاون بين هذا المجمع والمعهد الإسلامي للبحوث والتدريب بالبنك الإسلامي للتنمية وباستضافة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمملكة المغربية .

  وبعد الاطلاع على أن السند شهادة يلتزم المصدر بموجبها أن يدفع لحاملها القيمة الاسمية عند الاستحقاق مع دفع فائدة متفق عليها منسوبة إلى القيمة الاسمية للسند أو ترتيب نفع مشروط سواء أكان جوائز توزع بالقرعة أم مبلغاً مقطوعاً أم خصمه .

(قرر)

1)أن السندات التي تمثل التزاماً بدفع مبلغها مع فائدة منسوبة إليه أو نفع مشروط : محرمة شرعاً ، من حيث الإصدار أو الشراء أم التداول ، أنها قروض ربوية سواء أكانت الجهة المصدرة لها خاصة ، أو عامة ترتبط بالدولة ، ولا أثر لتسميتها شهادات أو صكوكاً استثمارية أو ادخارية أو تسمية الفائدة الربوية الملتزم بها ربحاً أو ريعاً أو عمولة أو عائداً .

2)تحرم أيضاً السندات ذات الكوبون الصفري باعتبارها قروضاً يجري بيعها بأقل من قيمتها الاسمية ويستفيد أصحابها من الفروق باعتبارها خصماً لهذه السندات .

3)كما تحرم أيضاً السندات ذات الجوائز باعتبارها قروضاً اشترط فيها نفع أو زيادة بالنسبة لمجموع المقرضين أو لبعضهم لا على التعيين فضلاً عن شبهة القمار .

4)من البدائل للسندات المحرمة ـ إصداراً أو شراءاً او تداولاً ـ السندات أو الصكوك القائمة على أساس المضاربة لمشروع أو نشاط استثماري معين بحيث لا يكون لمالكيها فائدة أو نفع مقطوع وإنما تكون لهم نسبة من ربح هذا المشروع بقدر ما يملكون من هذه السندات أو الصكوك ولا ينالون هذا الربح إلاّ إذا تحقق فعلاً ، ويمكن الاستفادة في هذا من الصيغة التي تم اعتمادها بالقرار رقم (5) للدورة الرابعة لهذا المجمع بشأن سندات المقارضة) … انتهى قرار المجمع

البدائل الإسلامية للسندات :

  توجد لسندات الدين المحرمة عدة بدائل تصل إلى (14) بديلاً ذكرتها في بحوثي المقدمة إلى المجامع الفقهية ، والتي طبعت ضمن كتابي : بحوث في الاقتصاد الإسلامي ، ط. دار البشائر الإسلامية 1423هـ 2002م .

  ومن الناحية العملية قمنا بترتيب عدة صكوك إسلامية تعتبر بدائل جيدة عن السندات ، قدمناها إلى ماليزيا ، والبحرين ، ودبي وآخرها الصكوك التي قدمناها لوقف الملك عبدالعزيز .

  ولذلك أعرض على ناقلات الغاز هذه البدائل الإسلامية مع الاستعداد الكامل لصياغتها ، والتنسيق مع البنوك الإسلامية الكبيرة مثل بنك دبي الإسلامي ، وبنك قطر الوطني الإسلامي ، وبنك الدوحة الإسلامي للقيام بترتيب هذه الصكوك .
  واناشد المسؤولين الاستجابة لهذا النداء حرصاً على مشاعر الملتزمين الذين يريدون البقاء في شركة الناقلات في حين أن إصدار السندات قد يحول دون ذلك .

  ومن جانب آخر فإن إصدار هذه السندات سوف يدفع الملتزمين (وهم كثيرون والحمد لله) إلى بيع أسهمهم ، وبالتالي حرمانهم من هذا الخير ، وبالتالي اهتزاز سوق المال في الدوحة .

  وقبل ذلك وبعده الالتزام بأوامر الله تعالى ، وكلنا أمل ورجاء في الاستجابة لهذا النداء الذي يمثل نسبة كبيرة جداً من المساهمين الملتزمين ، وكلي ثقة باستجابة الإدارة لذلك .

والله الموفق