وعلى عكس ذلك بدأت معظم دول العالم الثالث بالرفاهيات ، ونقل أحدث ما تصنعه التكنولوجيا الحديثة ، ولذلك صرفت مئات المليارات ، بل التريليونات ولم تتحقق التنمية ، ولا الصناعة ولا الرفاهية ( ناهيك عن الفساد الاداري ) وبعبارة علماء الأصول : إن الدول الغربية بدأت بالضروريات ، والحاجيات ثم المحسنات والكماليات ، ونحن بدأنا بالمحسنات والكماليات وتركنا الضروريات والحاجيات الأساسية للنهضة الشاملة والصناعات النافعة ، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية……..

 ولذلك يقول الإمام الشاطبي محدداً أهمية  هذا المجال : أن الضروري أصل لما سواه من الحاجي والتكميلي .

أن اختلال الضروري يلزم منه اختلال الباقيين باطلاق

أنه لا يلزم من اختلال الحاجي والتحسيني اختلال الضروري

أنه قد يلزم من اختلال التحسيني باطلاق اختلال الحاجي بوجه ما ، ومن اختلال الحاجي باطلاق اختلال الضروري بوجه ما .

 

أنه ينبغي المحافظة على الحاجي ، وعلى التحسيني للضروري

 ثم قال : ( إن مصالح الدين والدنيا مبنية على المحافظة على الأمور الخمسة ، وكذلك الأمور الاخروية لا قيام لها إلاّ بذلك …. )[1] .

   وهذا يدل بوضوح على أهمية هذه المراتب الثلاث التي هي في حقيقتها متواصلة ومرتبطة ، لا تتكامل ، ولا تترابط إلاّ بالحفاظ عليها جميعاً ، وهذا ان دل على شيء فإنما يدل على النظرة الشمولية .  ومن هذا المنطلق أستطيع القول بأن دولة قطر على حق حينما نبهت منذ السنوات الأخيرة إلى أهمية البنية التحتية وخصصت لها مبالغ كبيرة قد تصل إلى أكثر من 130 مليار دولار للسنوات المقبلة .

  فالبنية التحتية في الاصطلاح الاقتصادي عرفها معجم أوكسفورد بأنها : ” المواد الأساسية والهياكل التنظيمية (مثل المباني والطرق والتجهيزات الكهربائية) اللازمة لتشغيل مشروع أو مجتمع”[2].

 وعرفها معجم wiktionary بأنها [3]: ” المرافق والخدمات والتجهيزات الأساسية اللازمة لعمل وحدة أو مجتمع”وعرفتها موسوعة Wikipedia  :” بأنها مجموعه مترابطة من العناصر الهيكلية التي توفر إطار دعم هيكلي كامل .

  وهذا المفهوم هو الأكثر انتشارا للبنية التحتية في الوقت الحاضر ، حيث يشمل البنية الأساسية ، وتكنولوجيا المعلومات ، وقنوات الاتصال الرسمية وغير الرسمية ،  وبرامج التنمية ، والشبكات السياسية والاجتماعية والمعتقدات المشتركة التي  يعتقدها أعضاء من مجموعات خاصة.”[4]
   والذي يظهر لنا رجحانه هو أن البنية التحتية : تشمل كل ما نحن نسميه في علم الأصول : بالضروري أو الحاجيّ حاجة ماسة للنهضة العمرانية والاقتصادية والاجتماعية ، ولذلك فهي تشمل المنشآت والخدمات والتجهيزات الأساسية التي يحتاجها المجتمع مثل : وسائل المواصلات كالطرق والمطارات وسكك الحديد ووسائل الاتصالات كشبكة الهاتف ، والجوال والإنترنت والبرق والبريد بالإضافة لنظام الصرف الصحي وتمديدات المياه، بل تشمل كل ما يتعلق بالبنية الفكرية والتوعوية ، والتعليمية والتربوية ، ونحوها .فالبنية التحتية لها نوعان أساسيان :

1ـ البنية الصلبة ، وهي تشمل : المباني والطرق والجسور والمنشآت ونحوها .

2ـ البنية المرنة ، وهي تشمل : الخدمات والأنظمة الأساسية وتكنولوجيا المعلومات ، وبرامج التنمية ، والتدريب والتوعية والتعليم الاساسي ، والقوانين والأنظمة التي تساعد على تحقيق ما سبق . أدوات التمويل الإسلامي لمشاريع البنية التحتية :   إن تمويل مشايع البنية التحتية متفق تماماً مع الاقتصاد الإسلامي من حيث رعاية فقه الأولويات ، ومن حيث مطابقته للملكية والشراكة اللتين تقوم عليهما فلسفة الاقتصاد الإسلامي ، ومن حيث أهمية هذه المشاريع لأكبر قدر ممكن .  وأما أدوات التمويل الإسلامي فهي كثيرة نذكرها بإيجاز ـ تاركين التفصيل لمراجعة بحثنا الذي قدمناه إلى : المؤتمر الإسلامي العالمي حول تمويل البنية التحتية بالدوحة في الفترة 5-6نوفمبر 2006م ـ وهي :   صيغ تمويل البنية التحتية الصلبة : أولاً ـ يمكن تمويل مشاريع البنية التحتية الصلبة من الطرق والجسور ونحوهما بالصيغ المباشرة الآتية :عقد الاستصناع.

عقد البوت (البناء والتشغيل والنقل Build, Own, and Transfer BOT ).

عقد المرابحة والمساومة للمواد التي تحتاج إليها هذه المنشآت .

عقد الإجارة الموصوفة في الذمة .

الإجارة المنتهية بالتمليك.

ثانياً ـ التمويل عن طريق الصكوك ( السندات المشروعة ) ، مثل صكوك الاستسصناع ، والإجارة بنوعيها ، وصكوك المشاركة . صيغ تمويل البنية التحتية المرنة :   من خلال مجموعة من العقود وبخاصة عقود الإجارة بأنواعها ، وبالأخص إجارة المنافع والخدمات .وكذلك من خلال صكوك الإجارة ونحوها .  وهناك صيغ أخرى في غاية من الأهمية منها : المحافظ الاستثمارية بجميع أنوعها المشروعة ومنها التمويل المصرفي المجمع الذي يمكن فيه تعاون البنوك التقليدية الكبرى مع البنوك الإسلامية .  والله أسأل أن يوفقنا جميعاً لتحقيق العبودية لله تعالى ، وتحقيق رسالة الإنسان في هذه الأرض من التعمير والاستخلاف ، فهو مولانا وحسبنا فنعم المولى ونعم النصير .                                                                                                                  كتبه الفقير إلى ربهعلي محيى الدين القره داغي 

الدوحة / شوال 1427هـ

 

 

——————————————————————————–

([1]) الموافقات للشاطبي ط. دار المعرفة ببيروت  (2/331) مع تعديل طفيف على فقرة (4)

([2]) http://www.askoxford.com

([3]) http://en.wiktionary.org/wiki/infrastructure

([4]) http://en.wikipedia.org/wiki/Infrastructure