الدوحة – العرب
بعد أن عالج الشيخ علي محيي الدين القره داغي مواضيع الأمن الشامل في الإسلام، وتأصيل العمل الإنساني، ينتقل إلى موضوع مهم، هو: الإجارة في الإسلام.
يشرح فضيلة الشيخ علي محيي الدين القرة داغي حكم إضافة العقد إلى المستقبل في كتابه «إجارة الأعيان وتطبيقاتها المعاصرة، فيقول: وأما إضافة العقد إلى المستقبل فيختلف من إجارة واردة على العين إلى إجارة واردة على الذمة، فالإجارة الواردة على العين يجوز إضافتها إلى المستقبل بأن يقول: أجرتك هذه الدار في بداية الشهر القادم، فهذا جائز عند جماهير الفقهاء خلافاً للشافعية إلا إذا كانت يسيرة جداً كأن تعقد الإجارة ليلاً لمنفعة النهار التالي فيجوز عندهم أيضاً، أو كانت مستأجرة ممن هي في إجارته، على أحد القولين.
وأما الإجارة الواردة على الذمة فيجوز إضافتها إلى المستقبل حتى عند الشافعية.
جاء في روضة الطالبين: «أما إجارة العين فلا يصح إيرادها على المستقبل كإجارة الدار السنة المستقبلة، والشهر الآتي، وكذا إذا قال: أجرتك سنة أولها من غد، ولو قال: أجرتك سنة، فإذا انقضت أجرتك سنة أخرى فالعقد الثاني باطل على الصحيح كما لو قال: إذا جاء رأس الشهر فقد أجرتك شهراً.
وأما الواردة على الذمة فيحتمل فيها التأجيل والتأخير كما إذا قال: ألزمت ذمتك حملي إلى موضع كذا على دابة صفتها كذا غداً أو غرة شهر كذا… وإن أطلق كانت حالة».
وهذه التفرقة من الشافعية ليس لها ما يبررها؛ لأن إجارة الذمة أيضاً واردة على العين أي على منفعتها، فكلتا الإجارتين واردة على المنفعة.
وجاء في المغني: «ولا يشترط في مدة الإجارة أن تلي العقد، بل لو أجره سنة خمس وهما في سنة ثلاث، أو شهر رجب في المحرم صح».
ومنتهى دليل الشافعية القياس على البيع، وهو منقوض بجواز التأجيل في الإجارة الواردة على الذمة، كما أنه قياس مع الفارق حيث إن البيع نقل للملكية بالكامل في حين أن الإجارة لا تؤدي إلى ذلك بل تبقى الرقبة ملكاً للمؤجر فلا تقاس عليه.
واستدلّ الجمهور بقوله تعالى في قصة استئجار موسى عليه السلام: (عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ)، وشرع من قبلنا شرعٌ لنا ما لم يرد ناسخ، ولأن هذه مدة يجوز العقد عليها مع غيرها فجاز العقد عليها مفردة مع عموم الناس، كالتي تلي العقد، وإنما يشترط القدرة على التسليم عند وجوب التسليم كالمسلَم فيه.
وذلك لأن طبيعة عقد الإجارة تختلف عن البيع من حيث الآثار، كما ذكرنا، حيث هي مرتبة بزمن محدد، لذلك لا تتعارض مع تأخير بدء الاستيفاء عن إجراء العقد.
2 – موافقة القبول للإيجاب في جميع جزئياته بأن يقبل ما أوجبه الطرف الأول، وإلا فإن غيّر فيعتبر إيجاباً جديداً يحتاج إلى قبول الآخر، فلو قال: أجرتك شهرياً بألف، فقال المستأجر: قبلته بخمسمائة، لم ينعقد العقد إلا إذا كان داخلاً في قوله وراضياً به بطريق أولى، مثل أن يقول: أجرتك بألف فقال: قبلت بألف وخمسمائة أو نحو ذلك فهذا جائز؛ لأن الألف داخل في الألف وخمسمائة، ولأنه راضٍ به بطريق أولى.
3 – اتصال القبول بالإيجاب في مجلس العقد، لأنه جامع المتفرعات إذا كانا حاضرين، أو في مجلس العلم إن كانا غائبين، وهناك تفاصيل حول هذه المسالة تذكر في نظرية العقد.
والإجارة تنعقد بالكتابة، وبإشارة المعذور كما تنعقد باللفظ الدالّ على المطلوب، وكذلك تنعقد بالبذل والطاعة كالركوب في باخرة المسافرين، وسيارات الأجرة دون تلفظ من أحد العاقدين، فإن كانت الأجرة معلومة أعطيت، وإلا فأجرة المثل.
وكذلك تنعقد بالسكوت كأن يقول المؤجر: أجرتك داري بمائة فسكت المستأجر سكوتاً يفهم منه الموافقة أو قال: لا بل بثمانين ديناراً فسكت المؤجر تم العقد.
وتنعقد كذلك إجارة الفضولي عند من يجيز عقوده، موقوفة على إجازة من بيده حق التصرف.
الركن الثالث- المعقود عليه:
والمعقود عليه في عقد الإجارة هو: الأجرة بالاتفاق، والمنفعة عند جماهير الفقهاء، ولكن ورد عن بعض فقهاء الشافعية أن محل الإجارة: الأعيان المعينة، أو الموصوفة في الذمة أو الأشخاص، وذلك لبيان مرجع المنفعة وإلا فإن الإجارة لا تقع إلا على المنفعة، فهي هدفها الأساسي ومقصدها الأصلي، ولكن بما أن هذه المنفعة لابد لها من محل يتعلق بها من عين معينة، أو موصوفة في الذمة، أو الشخص فقد يعبر عنها بمحلها ومتعلقها، ولذلك فما يقال من أن محل الإجارة على الأشخاص العمل لا يتعارض مع ما ذكرنا؛ لأن العمل أيضاً هو المنفعة والأثر الناتج عن الشخص، ومن هنا فالمنفعة هي المقصود الأساسي من العقد، وهي مع الأجرة التي هي عوض عن المنفعة طرفا المعقود عليه، جاء في حاشية القليوبي تعليقاً على قول النووي: واردة على عين: أي على منفعة متعلقة بعين، قال الشيخان: «الخلاف لفظي..».
ويتبنى على هذا مسائل: منها: الأجرة تملك بنفس العقد عند الشافعي وأحمد، وعندنا لا تملك إلا بأحد معان ثلاث، أما شرط التعجيل من غير شرط، أو استيفاء المعقود عليه في العيون، أو بالتمكن من الاستيفاء. ومنها: إذا مات أحد المتعاقدين لم يبطل العقد عند الثلاثة.
ومنها: يجوز عندهم إجارة سكن دار بسكنى دار أخرى.
ومنها: إذا أجر عبداً ثم أعتقه بقي العقد عندهم : (ولا تصح حتى تكون المنافع معلومة)، ش: أي لا يصح عقد الإجارة حتى تكون المنافع معلومة: (والأجرة معلومة): وهذان لا خلاف فيهما لأن الأجرة ثمن المنفعة فتعتبر بثمن المبيع، وأن الإجارة بين المنفعة والأجرة ثمنها فيعتبر بالمبيع).;