الوطن – الدوحة

دعا فضيلة الدكتور علي محي الدين القره داغي المسلمين إلى نصرة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ونعى فضيلته الضعف الذي وصلت إليه الأمة الإسلامية في الداخل والخارج قائلاً: في الخارج حالنا معروف، أما في الداخل فلننظر إلى اليمن وهم أصل العرب بالإضافة إلى الإسلام وإلى الحدود وانظر كيف كان رد فعلنا.. أبدا لا شيء! فقد وصل الحوثيون إلى القصر وعملوا الانقلاب وقتلوا وضربوا.
وكان هناك قبل يومين بيان تنديد من بعض الدول وانتهت المسألة مع أن كل الدول قامت لإسقاط الربيع العربي وخصصت 220 مليار دولار مع أن الربيع العربي يعبر عن ضمير الشعب ولماذا لا يخصص 20 مليارا أو قل 220 لإسقاط من يضر بالعرب ولإسقاط من يضر بالمسلمين؟.

وأضاف فضيلته في خطبة الجمعة، أمس، بجامع السيدة عائشة، رضي الله عنها بفريج كليب: علينا ألا ننسى كم أوذي الرسول في سبيل أن أوصل أمته إلى هذه الشهادة الربانية (كنتم خير أمة أخرجت للناس)، فلذلك حق علينا وحق لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، علينا أن نصلي عليه دائما وأن نذكره وأن نتبع سنته وأن ندافع عنه بكل ما أوتينا، ولكن في ضوء سنته وفي ضوء شريعته، لأننا نحن مأمورون باتباعه (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّه فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّه وَيَغْفِر لَكُمْ ذُنُوبكُمْ وَاَللَّه غَفُور رَحِيم)، فاتباع سنته دائما كانت بالحكمة والموعظة الحسنة وكانت بالدعوة والرد الجميل وكانت بمقابلة السيئة بالحسنة وهذا لا يعني السكوت، بل يعني الدفاع عنه كل في مكانه والحكام والمسؤولون عليهم أن يجتمعوا شرعا وأن يجتمعوا لرسول الله أولى أن يجتمع بعضهم في باريس، كان عليهم أن يجتمعوا ويعطوا مشروع قانون للأمم المتحدة بمنع الازدراء والاعتداء على ديننا وبقية الأديان.

نحن والغرب
 وقرر أنهم، أي الغرب، يدعون قيم الحرية ولكن لما لا يطبقونها إلا حينما يهاجم شخص هولوكوست، فالفيلسوف جارودي وفي فرنسا نفسها حينما شكك في المحرقة اليهودية حكم عليه بالسجن سنة، لأن عمره تجاوز 80 وإلا لكان يحاكم إلى 10 سنوات.. ونحن لا نلوم الغرب وإنما ألوم أمتنا وحكامنا، فنحن نملك كثيرا من الأوراق ومن البترول والمعادن والممرات وغير ذلك، ولكن هل نستطيع أن نستخدمه؟ يبدو أنه عدنا إلى ما قبل الإسلام، فيُستعمل بعض منا من قبل الامبراطورية الساسانية والبعض الآخر للامبراطورية الرومانية.
وقال فضيلته إن الأمة القوية لا يستطيع أحد أن ينال منها، فقد حدث نفس المشكلة في القرن 19 أن بعض الممثلين في فرنسا أرادوا أن يعملوا مسرحية مهينة للرسول، صلى الله عليه وسلم، فنادى السلطان عبدالحميد السفير الفرنسي آنذاك ولما دخل السفير على السلطان وجد السلطان بلباس عسكري والقوات معه فقال السفير: يا سلطان قد وصلت الرسالة.. فنحن إذا لم نحارب من أجل رسولنا، فمن أجل من نحارب، ولكن هذا لا يعني جواز الذهاب إلى الغرب وقتل الناس هناك فهذا غير جائز.. أما قوة الدولة شيء آخر.

لا للسلاح والشباب

 واعتبر الشباب التائهين وما يقومون به من تصرفات غير صحيحة، فمنهم من يهاجم الناس في دولهم بالأسلحة، فهذا ليس من شأنهم شرعا وإنما هذا من شأن الدول والحكومات ومن شأن العلماء أن يبينوا أن يظهروا (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) وشأن عامة الناس أن يحسوا بالألم، فلو وجهت هذه الإساءات إليك لا بد أن يكون قلبك يحس بهذه الآلام ولكن دون تصرف سيئ، كما فعل بعض الناس وأحرقوا بعض الكنائس ودور الأيتام، فهذا غير صحيح وإنما الشريعة تضبطنا وتضبط تصرفاتنا.

رحمة الرسول
 وكان فضيلته قد بدأ خطبته قائلا: حينما جاء رسول الرحمة، صلى الله عليه وسلم، إلى العالم أجمع، كان العالم يعيش في ظلام دامس وكان العرب في تفرق كبير وتمزق شديد وجاهلية جهلاء وعقائد غريبة لا يقبل بها أي شخص له مسكة من العقل يسجدون للأصنام التي قد تصنع من التمور في وقت الوفرة ثم يأكلون هذه الأصنام، حينما يحتاجون إليها.. وأما التفرق والتمزق فحدث ولا حرج حتى وصل التفرق إلى بني الأفخاذ قبيلة ضد قبيلة ومجموعة ضد مجموعة ونهب وغير ذلك، مما سجلها التاريخ ومما سجله القرآن الكريم في سورة الأنعام وفي سور أخرى.. وكانت العقلية العربية تعيش في ظل الأنانية الفردية أولا ثم العصبية القبلية ثانيا، والعصبية العمياء ولذلك لما سئل الرسول، صلى الله عليه وسلم، عن العصبية قال هي أن تعين أخاك أو قومك على ظلم الآخر.

مظالم جمة
 وقال هذه المظالم أدت إلى هذه العقلية الضيقة التي عادت بالأضرار الكبيرة في المجتمع العربي في ذلك الوقت فتمزق المجتمع سياسيا إلى أن يكون البعض اتباعا لإمبراطورية فارس وبعضها كانوا اتباعا لامبراطورية الروم وكانت الروم والفرس يلعبون بهذه القبائل ويضربون بعضهما ببعض، كما في الحروب التي حدثت بين الغساسنة والمناذرة وغير ذلك من الحروب بالإضافة إلى حروب جاهلية التي كانت تقع بسبب فرس أو نحو ذلك.. جاء الرسول بهذه الرحمة للعالمين وبهذه الرحمة خاصة للعرب ليهيئهم أن يكونوا خير أمة أخرجت للناس ليقودوا العالم ليصبحوا أمة إسلامية وأساسها العقيدة الصحيحة وأخوتها تبنى على أخوة الإيمان، فوفق الله سبحانه وتعالى هذا الرسول العظيم، صلى الله عليه وسلم، بصبره الكبير على إيذائهم واستهزائهم وعلى ما فعلوا حتى تحقق الغاية.
هذا التاريخ يذكر دائما ليس من باب التنقيص للعرب، لأن العرب أيضا كانت لهم مآثر طيبة من الشجاعة والجود والكرم، ولكن هذه العقليات وخاصة القيادات كان تقود العامة إلى هذه المسائل والمهاوي والتمزق الذي سجله التاريخ.

أمة واحدة
 وجاء الإسلام وجعل منهم ومن غيرهم أمة واحدة شهد الله سبحانه وتعالى لهم (كنتم خير أمة أخرجت للناس) وهذه الخيرية ليست بسبب عرقهم، لأن الله خلق كل الناس سواسية وإنما بسبب تغير حالهم إلى حال أحسن (تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)، فالإيمان والعقيدة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكل القيم الأساسية هي الأساس لهذه الخيرية وهي التي دفعت بالعرب المسلمين وإلا الذين لم يسلموا سجل الله سبحانه وتعالى عليهم هذا الهجوم العنيف (تبت يدا أبي لهب وتب) وهو عم لرسول الله صلى الله عليه وسلم.. يُذكر هذا في ظل ظروفنا الحالية التي تمر بأمتنا الإسلامية ولاسيما العرب الذين هم مادة الإسلام والشرق الأوسط على مر التاريخ مكان ملتقى الحضارات، فعليها التأثر العالمي واليوم وقبل اليوم، لما كانت الحروب الباردة بين أميركا والاتحاد السوفياتي كان الشرق الأوسط الوقود وسيظل الشرق الأوسط وشعوبه من العرب وغيرها من الأتراك والأكراد والفرس سيكونون وقودا إذا لم ينتبهوا إلى هذه المعركة.

تربية على العقيدة
 وأضاف قائلا: لقد ربى الرسول الأمة على العقيدة الصحيحة التي تربطهم بالله سبحانه وتعالى وحده ولا تربطهم بأي شخص لا بالقبيلة ولا العشيرة وهذا لا يعني إلغاءهم، بل تنظمنهم في إطار دائرة الإسلام لتسير جنبا إلى جنب لتحقيق الأهداف الأساسية من التماسك والتناصر والمحبة ونصرة المظلومين وليست نصرة الظالمين.. والأمر الآخر: بنى الرسول هذه الأمة على العقلية الجماعية القائمة على العقيدة وليس على العقلية الفردية الأنانية أو القبلية أو العصبية، كما كانت قبل الإسلام وهذا أهم تغيير فعله الرسول، صلى الله عليه وسلم، وسعى لها سعيا كبيرا جدا نظريا وعمليا وتربويا وتطبيقيا وحتى جرّب من ذلك على نفسه، فمثلا كانت من ضمن الأمور الأساسية أنه ما كانت لامرأة قريشية هاشمية النسب أن تتزوج عبدا ولكن الرسول زوّج ابنة عمته زينب لزيد وهو ابن عبد عند العرب وهو الذي تبناه الرسول ثم ألغى التبني ثم اعتقه قبل ذلك ومن ثم طلقها زيد بكامل رغبته زوّجها الله من الرسول من فوق سبع السماوات.

قضاء على العصبية
 وقال: اعتقد أن نزول سورة كاملة على عم الرسول، صلى الله عليه وسلم، ولم تنزل هذه السورة على أبي جهل وهو كان أخطر منه وذلك للقضاء على فكرة العصبية فهو كان عم النبي وهو الذي لما وصلت إليه البشارة بمولد الرسول اعتق الجارية وفعل ما فعل، ولكن الله سجّل هذه المسألة عليه، لأنه لم يقف ولم يسر في موقف الدعوة.. لذلك ربى الرسول أمته على العقلية الجماعية القائمة على العقيدة وعلى الشورى وعلى مصالح الأمة قبل مصلحة الفرد وقبل مصلحة القبيلة.. ولذلك قامت واستمرت الحضارة الإسلامية، لأن المسلمين ظلوا على هذه العقلية والمنهجية التي رباها الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك.. ونزلت آيات كثيرة وهناك أحاديث في ذم الأنانية والمصلحة القبلية وهناك آيات وأحاديث كثيرة في ضرورة أن يكون الإنسان مرتبطا بأمته وبمصالحها ويضحي بمصلحته في سبيل مصلحة الأمة.

الإيثار
 ودعا إلى الإيثار بقوله: من هنا يأتي الإيثار، فقد آخى الرسول بين المهاجرين والأنصار فتآخوا فيما بينهم وتنازل الأنصار كثيرا لأخوانهم المهاجرين وكل ذلك لتحقيق هذه الأخوة وهذه لمصلحتهم بالإضافة إلى أنها دين ولكنها أيضا مصلحة، لأن الأمة إذا انتشرت فيها العقلية الفردية أو العقلية المصلحية أو الأنانية سوف تتفرق وسوف تشترى سوف يُفعل فيها، كما فعل بهم في أيام الجاهلين
 ورباهم الرسول بعد العقيدة والعقلية الجماعية والأخوة الإيمانية كذلك رباهم على الشورى وعلمهم الشورى في كل شيء (وأمرهم شورى) حتى الزوج والزوجة عليهم ألا يفعل أحدهم فعلا إلا بالتشاور مع الآخر، كما قال الله سبحانه وتعالى في مسألة انتهاء فترة الرضاعة (عن تراضٍ منهما وتشاور فلا جناح عليهما).. هذه تربية الفرد لصناعة الدولة لصناعة الأمة المجاهدة العادلة والقادرة على أن تحكم وعلى ألا تُحكم وعلى أن تكون فاعلة ولا تكون مفعولاً بها.. الفرد والحاكم حينما يرتبطان بالله والعقلية الجماعية والأخوة الإيمانية والشورى لا يمكن أن يُشترى أحد منهم أو يتصرف تصرفا خاطئا يضر بأمته حتى ولو كان فيه منفعة.
حينما هجر الرسول والصحابة كعب حتى هجرته زوجته أصبح معزولا، فتأتيه رسالة من هرقل الروم ويبدي استعداده لكعب إن أتى إليه ليزوده بما يشاء، فبكى كعب وقال والله هذه هي الفتنة فأحرق الرسالة وقال أصبحت في مرحلة ضعف أن يطمع فيّ هرقل، فعكف إلى أن انزل الله آيات خاصة للعفو عنه من فوق سبع سماوات.

مشكلة اليوم
 ورأى فضيلته أن مشكلتنا اليوم في العالم الإسلامي والعالم العربي بالذات بدأت تتآكل يوما بعد يوم من بغداد إلى دمشق وإلى اليمن والشام ومصر، فقد عُمل في مصر ما لم يعمله أي إنسان عاقل الذي ينظر إلى الأخوة وإلى المشورة وإنما تآمروا ووصلت الحالة إلى هذه المرحلة بسبب هذه العقلية التي سوف ترتب على ذلك ما كان عند السابقين من يكون مع امبراطورية ومن يكون مع امبراطورية أخرى.