الاقتراض من ريع الوقف لإعمار أوقاف أخرى :
الأصل أن يصرف ريع كل وقف على من اشترط له
الواقف ، ولكن عند الضرورة ، أو الحاجة العامة ، أو الملحة يجوز التصرف فيه حسب ما
يحقق المصالح الضرورية أو الحاجية العامة أو الملحة للوقف ، وذلك بأن يتوقف إعمار وقف
خاص بالمسجد ـ مثلاً ـ على مبلغ من المال لا يستطيع الناظر ، أو المتولي توفير
المال اللازم لهذا الاعمار بطرق أخرى سوى الاقتراض من ريع وقف آخر خاص بغير المسجد
ـ مثلاً ـ ففي هذه الحالة أرى جواز ذلك على أن يعيد الناظر مبلغ الاقتراض إلى
الجهة المقرضة بعد فترة زمنية مناسبة .
وبما أن هذه
المسألة تدخل في باب الاستدانة للوقف ، وعليه نذكر بإيجاز آراء الفقهاء ، حيث ذهب
الحنفية إلى أنه لا يجوز الاستدانة على الوقف إلاّ للمصلحة وبإذن القاضي ، وعند
عدم إمكان وسيلة أخرى بحيث لا توجد غلة كافية ، ثم يسترد من غلته[1]
، في حين أجاز الحنابلة الاستدانة على الوقف عند الحاجة[2]
، وأما الشافعية فأجازوها عند المصلحة ولكن بإذن القاضي[3]
.
الترجيح مع الضوابط :
الذي نرى رجحانه هو
جواز الاستدانة على الوقف ، إذا أذن فيه الحاكم ، أو أذن فيه الواقف في صك الوقف ،
ويقاس على ذلك إذا أدخلت الاستدانة ضمن أهداف الوقف وأعماله أو وسائله في النظام
الأساسي ، والعقد التأسيسي لنظام الوقف .
وذلك ؛ لأن الاستدانة
للوقف قد تحقق مصالح معتبرة للوقف ، بل قد تقع مفاسد كبيرة إذا لم يقم الناظر ، أو
القيم على الوقف بالاستدانة في حالات كثيرة يكون الوقف مهدداً بالضياع ، أو النقص
أو الإضرار ، وقد ثبت أن النبي صلى
الله عليه وسلم استسلف واقترض لبيت المال كثيراً [4]
وأن الخلفاء الراشدين قد استدانوا لبيت المال ، وعليه لمصلحته[5]
ويمكن أن يقاس على الاستدانة لبيت المال : الاستدانة للوقف بجامع كونهما من الجهات
العامة .
ولذلك فضوابط الاستدانة هي
:
1- موافقة القاضي ، أو وجود
شرط الواقف الذي أذن فيه للاستدانة أو صك الوقف الذي فيه الموافقة ، أو أن ينص
النظام الأساسي مع العقد التأسيسي على حق الاستدانة ،ولا يجوز مخالفة هذا الشرط
إلاّ في حالة الضرورة ، أو يتحقق ضرر عظيم للوقف في حالة الانتظار لموافقة القاضي
.
2- أن تكون هناك حاجة لهذه
الاستدانة ، وأن يترتب على هذه الاستدانة مصلحة للوقف ، أو درء مضرة ومفسدة عنه ،
وبعبارة أخرى ان تكون الاستدانة محققة لمصلحة ، بحيث يكون الوقف بالاستدانة قادراً
على الاستمرارية،أو التطور والتنمية،أما لو كانت الاستدانة لا تؤثر في ذلك بحيث
يبقى الوقف في أضراره حتى مع الاستدانة،فإنها غير جائزة آنذاك.
والدليل على ذلك :
القاعدة الفقهية المعروفة القاضية بان التصرف في الأموال العامة ونحوها منوط
بالمصلحة[6]
ويدل عليها عموم قوله تعالى في وجوب حفظ جميع الأمانات وردها إلى أهلها : ( إن
الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل
…….)[7]
ولذلك قال القرافي استنباطاً من هذه الآية : (يقدم في كل موطن وكل آية من هو
أقوم بمصالحها)[8]
وذلك لأن رد الأمانة إلى أهلها يتطلب أن يكون المتولى قادراً على حفظها ورعايتها
ودرء المضرة والمفسـدة عنها.
وقد ذكر ابن الهمام أنه يجوز
أن يستدين لزراعة الوقف وبزره بأمر القاضي[9].
3- أن يقوم متولى الوقف ، أو
إدارة الوقف بترتيب آلية لرد الديون سواء كان هذا الرد من الغلة أو الريع ، أو عن
طريق التأجير ، أو أي طريق آخر مشروع .