بعدما تعرفنا على الجانب القانوني للتأمين نتحدث الآن عن أحكامه الشرعية لأنواعه الأساسية وهي :

 

أولاً : التأمين التجاري ( التأمين بقسط ثابت)

ثانياً : التأمين التبادلي أو التعاوني

ثالثاً : التأمين الإسلامي كما هو المعمول به في الشركات الإسلامية للتأمين( البديل الإسلامي المتكامل)

رابعاً : التأمين التكافلي البديل عن التأمين على الحياة

 

وذلك في أربعة فصول  :

 

تمهيد :

 قبل أن أخوض في غمار الأحكام الفقهية للتأمين ، وآراء الفقهاء أود أن أذكر التميز بين التأمين كنظرية ، وبين التامين من خلال عقوده .

 

 

التمييز بين التأمين كفكرة ونظرية ، والتأمين من حيث تنظيمه في العقود الحالية :

 

التأمين كفكرة ونظرية :

 

  أما التأمين كفكرة ونظرية فمقبول لأنه كما يقول الأستاذ السنهوري : ( ليس إلاّ تعاوناً منظماً بين مجموعة من الناس لدفع الأخطار وتفتيتها بحيث إذا تعرض بعضهم لخطر تعاون الجميع في مواجهته بتضحية قليلة يبذلها كل منهم يتلافون بها أضراراً جسيمة تحقيق بمن نزل الخطر منهم لولا هذا التعاون)[1] .

 

 يقول الأستاذ الجليل مصطفى الزرقا : ( أن المفهوم الماثل في أذهان علماء القانون لنظام التأمين أنه نظام تعاوني تضامني يؤدي إلى تفتيت أجزاء المخاطر والمصائب وتوزيعها على مجموع المستأمنين عن طريق التعويض الذي يدفع للمصاب من المال المجموع من حصيلة أقساطهم بدلاً من أن يبقى الضرر على عاتق المصاب وحده ، ويقولون إن الإسلام في جميع تشريعاته المتعلقة بتنظيم الحياة الاجتماعية والاقتصادية يهدف إلى إقامة مجتمع على أساس التعاون والتكافل المطلق في الحقوق والواجبات[2] .

 

 وعلى هذا الأساس فهذه فكرة لا شك أنها مقبولة شرعاً ومتفقة مع مقاصد الشريعة في التعاون على البر والاحسان والتقوى ولا خلاف في مشروعية ذلك بل إنه مطلب إسلامي تقوم عليه معظم أحكام الشريعة حيث دعت إلى التعاون والتكافل الاجتماعي والتضامني والأخوة والإيثار بل إن الإسلام لم يقف عند حدود الدعوة الخلقية ، والحث والتشجيع وإنما فرض عدة فرائض تنصب على هذا المصب التعاوني ، التكافلي مثل نظام الزكاة وجعل الفقراء والغارمين وابن السبيل ضمن مصارف الزكاة ومثل نظام النفقة للأقارب ونظام الصدقة الزائدة على الزكاة عند الضرورة والحاجة ومثل نظام العواقل ، إضافة إلى واجب الدولة في توفير الحياة الكريمة للأفراد ، وتحمل خزينتها (بيت المال) لدفع الديون إذا مات صاحبها ولم يترك لأدائها مالاً وتحملها تحقيق التكافل الاجتماعي .

 

 

الجانب النظري ، والجانب التطبيقي :

 

 إن نظام التأمين يتضمن جانبين : أحدهما نظري يعتبر أساساً له ، والثاني : الجانب التطبيقي المتمثل في العقود التي نظمتها القوانين الوضعية وطبقت في العالم الغربي بل في عالمنا الإسلامي . 

 

فالجانب الأول يقوم على عدة أسس فنية وهي :

 

أ ـ التعاون حيث لا يستطيع الإنسان أن يواجه بمفرده الكوارث والمصائب والخسائر الكبيرة فينظم إلى مجموعة يشتركون في تحمل نتائجها فتتوزع نتائج تلك الأخطار عليهم وبذلك يذوب أثرها على المصاب ، ولهذا التعاون في التأمين صورتان :

1. التعاون الشخصي الذي يتم بين أشخاص .

2. التعاون المادي الذي لا يكون أساساً بين الأشخاص وإنما بين مخاطر متعددة وهذا ما تقوم به الشركات الكبرى التي تقوم بنشاط معقد كشركات النقل والبترول والمناجم .  

 

ب ـ المقاصة بين المخاطر من خلال توزيع دقيق لعبء المخاطر على مجموع المؤمن لهم عن طريق دفع كل منهم قسطاً معيناً حيث تجري المقاصة بين ما تحقق من المخاطر وما لم يتحقق حين توزع نتائجها على المؤمن لهم جميعاً ولذلك لا بدّ من وجود قدر من التشابه بين تلك المخاطر من حيث طبيعة المخاطر كالحريق مثلاً فلا يضم إليه الوفاة بل يقسم حتى إخطار التأمين على الحياة على أقسام فرعية منضبطة كالتأمين لحال الحياة، والتأمين على الوفاة،ومن حيث موضوع المخاطر ومحلها ومن قيمة المخاطر ومدة التأمين .

 

ج ـ عوامل الإحصاء من خلال الاعتماد على قانون الأعداد الكبيرة الذي يؤدي إلى نتيجة متقاربة للواقع وكذلك الاعتماد على صفات المؤمن ضده من حيث الزمن المختلف وانتشار الخطر واتساعه[3] .

 

 فهذه الأسس الفنية كلها مقبولة شرعاً ، بل هي من مقاصد الشريعة الغراء وكذلك الأمر لو نظرنا إلى فوائد التأمين ومنافعه التي تتحقق :

 

للأفراد : حيث يجلب لهم الأمان للفرد ، حيث يطمئن على أن الأخطار التي تقع عليه في المستقبل أن يتحملها وحده وإنما تتفتت من خلال الشركة وحينئذٍ يقدم على المشروعات الاقتصادية المفيدة بشيء من الجرأة والثقة والاطمئنان . 

 

للمجتمع : فإن التأمين يؤدي إلى ازدهار المجتمع اقتصادياً واجتماعياً :

  1. حيث لا يصبح الفرد عالة على المجتمع في حالة اصابته وإنما يجد في مبلغ التأمين الذي يعطى له (في التأمين على الأشخاص) مورداً لرزقه .
  2. وكذلك لا تفلس الشركة ان أصابت تجارتها أو أعمالها أو مبانيها بجوائح بل تكون في مأمن من الحفاظ على رؤوس أموالها[4] .

 

 وهذه المنافع أيضاً مشروعة في الإسلام بل هو يدعو إلى تحقيقها بكل الوسائل المشروعة فهو : رحمة كله ، خير كله ، مصلحة كله ، منفعة جميعه .

 

 

الجانب التطبيقي :

 

 وإنما الاشكال في الجانب التطبيقي المتمثل في صياغة عقود التامين على ضوء ما صاغها الفكر الرأسمالي اليهودي حيث لم ينظر فيها بالتأكيد ، إلى الضوابط الشرعية بل ولا إلى الضوابط الدينية بصورة عامة وإنما كان همّ الشركات التي تبنت هذه الفكرة هي تحقيق الربح بأية وسيلة ممكنة وهذا يدفعنا إلى قبول فكرة وتغيير تلك العقود والوسائل إلى العقود التي تنعدم فيها المخالفات الشرعية وهذا ما تتجه إلى شركات التأمين الإسلامية.

 

 

 

الفصل الأول : التأمين التجاري ( التأمين بقسط ثابت)

الفصل الثاني: التأمين التبادلي أو التعاوني

الفصل الثالث: التأمين الإسلامي كما هو المعمول به في الشركات الإسلامية للتأمين( البديل الإسلامي المتكامل)

الفصل الرابع : التأمين التكافلي البديل عن التأمين على الحياة