الدوحة ـــ بوابة الشرق

كتاب “إستراتيجية التنمية الشاملة والسياسات الاقتصادية النقدية والمالية في ظل الربيع العربي ، يخص به فضيلة الشيخ د. علي محي الدين القره داغي الشرق في رمضان من هذا العام ليكون عونا لكل شعوب الأمة العربية والإسلامية في مسارها ونهضتها وإنقاذ البشرية مما يعتريها من ظلم وفقر وحرمان، إذ يقدم الكتاب عبر الفصول المختارة التي ننشرها تباعا استراتيجية التنمية الشاملة والسياسات الاقتصادية (النقدية والمالية) في ظل الربيع العربي وهي دراسة فقهية اقتصادية، ومحاولة لبديل إسلامي، مع حلول طارئة.. يقول فضيلته:

 أركان الرشوة في الفقه الاسلامي:

1 — الراشي: هو من يعطي الذي يعينه على الباطل.

2 — المرتشي: هو الذي يأخذ

3 — الرشوة هي ما يأخذه المرتشي سواء كان مادياً كالنقود والعقارات، أم معنوياً مثل الجاه.

4 — مقابل الرشوة: وهو ما يسعى إلى تحقيقه الراشي سواء كان مالاً، أم جاهاً، أو ترخيصاً وموافقة، أم نحو ذلك.

وقد يدخل بينهما الوسيط فيسمى الرائش، وهو أيضاً ملعون لأنه يتعاون على الاثم والعدوان.

حكم الرشوة:

لا خلاف بين الفقهاء في حرمة الرشوة وذلك للأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة والاجماع والمعقول.

أما الكتاب فمنه قوله تعالى: (وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) وقوله تعالى: (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) وروى شعبة عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن مسروق قال: سألت عبدالله بن مسعود عن السحت، فقال: الرشا.

ومن السنة النبوية ما وراه عبدالله بن عمر قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي) وفي رواية عن أبي هريرة بزيادة ” في الحكم ” وفي رواية ثوبان بزيادة ” والرائش “.

وأجمع العلماء على حرمة طلب الرشوة، وبذلها، وقبولها، والوساطة فيها.

الرشوة لدفع الضرر أو كسب الحق:

في حكم دفع الرشوة بالنسبة للراشي، للحصول على حق، أو لدفع ظلم، أو ضرر فالجمهور على عدم جوازه، وبعضهم أجاز ذلك للدافع فقط إذا كان لدفع ضرر محقق، أو لدفع مظلمة واقعة عليه، أما لكسب الحق فلا يجوز وفي جميع الأحوال فإن الآخذ المرتشي آثم ملعون.

والراجح الذي تؤيده الأدلة المعتبرة هو حرمة الرشوة مطلقاً، ووجوب الصبر، وعدم الرضوخ للابتزاز، بل الصدع بالحق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والرجوع إلى القضاء وديوان المظالم إن وجد وإلى المسؤولين الكبار لكشف الأمر، وإلاّ فلو وجد كل واحد لنفسه مبرراً لدفع الرشوة لازداد الفساد وعمت الفوضى وخربت البلاد والديار، فالساكت على الحق شيطان أخرس فما بالك بمن يشارك في الجريمة نفسها، ويتعاون على الاثم والعدوان بدفع المال، وقد قال تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبَرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).

أقسام الرشوة:

قسم بعض الفقهاء الرشوة إلى أربعة أقسام وهي:

1 — الرشوة على تقليد القضاء والامارة أو أي وظيفة أخرى، فهي حرام على الآخذ والمعطي.

2 — دفع الرشوة للقاضي ليحكم، أي أن القاضي كان يمكن أن يتأخر في إصدار الحكم فيعطى له رشوة، أو هدية حتى يستعجل، فهذا أيضاً حرام على الطرفين حتى ولو حكم بالحق، لأن سرعة الحكم والقضاء واجب بالشرع فلا يجوز أخذ الأجر عليها، فما بالك بالرشوة؟.

3 — أخذ المال لتسوية أمره عند السلطان دفعاً للضرر، أو جلباً للنفع، وهذا حرام أيضاً عند الجمهور.

4 — إعطاء القاضي، أو السلطان مالاً لتحصيل حقه، وهذا غير جائز عند جماهير الفقاء فهو أشد من الثالثة.

عقوبة الرشوة:

اتفق الفقهاء كما سبق على أن الرشوة حرام، وبما أن عقوبتها لم تحددها الشريعة، فتكون عقوبة تعزيرية تعود إلى اجتهاد الإمام، أو من ينوب عنه، وهي ترتبط شدة أو خفة أو تغليظاً أو تخفيفاً بحجم الرشوة، وآثارها، وظروفها وملابساتها المحيطة بها.

ولا مانع شرعاً من إصدار تقنين خاص بالرشوة تحدد فيها العقوبات وحدها الأدنى والأقصى، معتمدة على آراء أهل الشرع والقانون والخبرة.

انعزال السلطان والقاضي بالرشوة:

مما ذكره الفقهاء (أبو حنيفة، والشافعية في الأصح، والحنابلة، والخصاف، والطحاوي من الحنفية، وابن قصار من المالكية) أن الحاكم ينعزل بقبول الرشوة، دون الحاجة إلى العزل ممن ولاه، لأن من أهم شروط الولاة والقضاة العدل والأمانة، وان الرشوة فسق وخيانة، ولذلك لم يعد المرتشي صالحاً فانعزل بذاته، قال أبو حنيفة: (إذا ارتشى الحاكم انعزل في الوقت وان لم يعزل، وبطل كل حكم حكم به بعد ذلك )، وأما الآخرون فقالوا: لا ينعزل بذات الرشوة، ولكن يجب على من ولاه عزله.

حكم المال المأخوذ رشوة:

اتفق جماهير الفقهاء على وجوب رد المال المأخوذ رشوة، ولو كانت باسم الهدية إلى صاحبها، وقيل تؤخذ لبيت المال.

والذي نرى رجحانه هو التفرقة بين حالة ما إذا كان الراشي قد دفع المال مضطراً لدرء ظلم عنه، أو لإحقاق الحق، وإبطال الباطل، ففي هذه الحالة يجب ردها إليه لأنه مظلوم، ولم يندفع إلى دفع الرشوة إلاّ في ظل الضرورة أو الحاجة الملحة جداً، وبين حالة ما إذا كان الراشي هو الظالم أيضاً فقد دفع هذا المال رشوة في سبيل كسب مال أو جاه بدون حق، أو في سبيل ابطال الحق، واحقاق الباطل ففي هذه الحالة لا ترد عليه، بل تدفع لبيت المال عقوبة وجزاء لما اقترفه من اثم، وهذا ما يدل عليه حديث ابن اللّتبيّة الصحيح الآتي.

ثم إنما يرد المال في الحالة الأولى على صاحب الرشوة إذا كان معلوماً، إما إذا لم يعلم فيجب صرفه في وجوه الخير ومصالح المسلمين، وكذلك الحال إذا كان بيت المال في الحالة الثانية غير منضبط أو غير موجود، حيث يجب صرفه في مصالح المسلمين.

ثانياً: استغلال الوظيفة العامة للكسب غير المشروع، أو ما يسمى في القانون بالاثراء بلا سبب مشروع:

وقد أولت الشريعة الاسلامية عناية قصوى بضبط هذه التصرفات وفصلتها كتب الفقهاء للوصول إلى التمييز بين الحل والحرمة في الصور المتشابهة لسدّ ذريعة الفساد، والقضاء على كل ما يؤدي إلى أكل أموال الناس بالباطل، ولذلك صاغ الفقهاء من ذلك قاعدة تقضي بحرمة كل ما يستفيد الموظف من وظيفته، وبسببها من هدية، أو نحوها، ويدل على ذلك بوضوح ما رواه البخاري ومسلم بسندهما عن أبي حميد الساعدي قال: (استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأزد يقال له: ابن اللّتبيّة على الصدقة، فلما قدم، قال: هذا لكم، وهذا أهدي لي، قال صلى الله عليه وسلم: (فهلاّ جلس في بيت أبيه أو بيت أمه فينظر: أيهدى له، أم لا؟ والذي نفسي بيده لا يأخذ أحد منكم شيئاً إلاّ جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته، إن كان بعيراً له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر، ثم رفع يده حتى رأينا عفرة ابطيه اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت، ثلاثاً ).

وقد اتفق الفقهاء على حرمة أخذ الإمام (رأس الدولة) والولاة والقضاة وجباة الأموال، وأصحاب الوظائف المؤثرة الهدايا ممن تحت إدارتهم، وعلى حرمة دفعها إليهم إذا قصد بها تحصيل منفعة، أو جاه للمعطى، ومنهم من حرمها مطلقاً من باب سد الذرائع.

وقد فرق الفقهاء بين أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم الهدية، وحرمتها على الولاة من بعده، بأن الهدية للرسول صلى الله عليه وسلم لم تكن لأجل إمامته الدنيوية، بل لأجل نبوته، وأنه صلى الله عليه وسلم كان معصوماً من المحاباة بالباطل، وأن المعطي يعلم أنه صلى الله عليه وسلم لم يتأثر بهدايا العالم كله، وبالتالي فهو يهديه لله تعالى حباً له.

أما غير النبي صلى الله عليه وسلم من الولاة والقضاة فهم ليسوا معصومين، وأن الناس إذا اهدوا إليهم يريدون بذلك كسب ودهم لتحقيق مصلحة في الغالب، ولذلك كان عمر بن عبدالعزيز حينما امتنع عن أخذ الهدية وهو بحاجة إليها، قيل له: (كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأخذ الهدية؟، فقال: كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتقرب إليه لنبوته، لا لولايته، ونحن يتقرب بها إلينا لولايتنا) إضافة إلى ما قاله الصدر الشهيد في تعليله أن هدايا العمال غلول: (وإنما كان كذلك، لأن تعزز الأمير ومنعته با لجند وبالمسلمين لا بنفسه، فكانت الهدية لجماعة المسلمين بمنزلة الغنيمة، فإذا استبد به كان ذلك منه خيانة…. ).

ومع هذا الحكم العام القاضي بحرمة الرشوة والهدايا إلى الولاة والحكام فإن الفقهاء تناولوا الموضوع في الأبواب الخاصة بهؤلاء، فصرحوا في كتاب أدب القاضي بأن الرشوة وما في معناها من الهدايا حرام بالاجماع

والخلاصة أن الرشوة او الهدية لا يجوز أخذها ممن له مصلحة مع الآخر ربما يكون لها تأثير في قرارها، وأن الأولى هو سد هذا الباب خوفاً من الآثار السلبية على الأمة في حاضرها ومستقبلها.