الدوحة ـــ بوابة الشرق
كتاب “إستراتيجية التنمية الشاملة والسياسات الاقتصادية النقدية والمالية في ظل الربيع العربي ، يخص به فضيلة الشيخ د. علي محي الدين القره داغي الشرق في رمضان من هذا العام ليكون عونا لكل شعوب الأمة العربية والإسلامية في مسارها ونهضتها وإنقاذ البشرية مما يعتريها من ظلم وفقر وحرمان، إذ يقدم الكتاب عبر الفصول المختارة التي ننشرها تباعا استراتيجية التنمية الشاملة والسياسات الاقتصادية (النقدية والمالية) في ظل الربيع العربي وهي دراسة فقهية اقتصادية، ومحاولة لبديل إسلامي، مع حلول طارئة.. يقول فضيلته:
الحل الاقتصادي الإسلامي الخاص بالبيئة، أن الاسلام قد ذكر مجموعة من المبادئ الاقتصادية التي تعالج هذا الجشع الرأسمالي بصورة خاصة، وهي:
1 — ترسيخ عقيدة أن الملك الحقيقي لله تعالى، وأن الإنسان مستخلف في الأرض كما سبق، فهذه العقيدة تربط الملكية بتحقيق أهدافها المرسومة لها، وتجعل للإنسان رسالة، وهي رسالة التعمير والإصلاح، والابتعاد عن التدمير والإضرار والفساد، وتجعل له مسؤولية عن الأرض بالحفاظ عليها، وتعميرها.
2 — أداء شكر المنعم، بشكر الله تعالى بالقلب، والفكر واللسان، وباستخدام الموارد المائية فيما خلقها الله تعالى لها دون إسراف ولا تبذير، مع الحفاظ عليها، وعدم تلويثها بالنجاسات المضرة مثل البول في الماء الراكد، وبعد استنزافها، وكذلك الحال في البيئة والبرية حفظاً وتنمية وتجميلاً وتنظيفاً، وحماية مكوناتها وموجوداتها الزراعية والنباتية والحيوانية، وحماية أنواعها، وكذلك حماية التربة، وضرورة الاستصلاح، وكذلك يتحقق الشكر باستخدام ما في الأرض من المعادن، وما عليها من الطاعة بجميع أنواعها فيما خلقها الله تعالى له، وذلك لأن علماءنا قالوا: إن شكر الله على نعمه إنما يتحقق باستعمالها فيما خلقها له، وأن استعمالها في غير أغراضها المشروعة كفران لها، وقد أخذوا ذلك من أن القرآن الكريم حينما يذكر المظاهر الكونية يعقب عليها في الغالب بالذكر والشكر، فقال تعالى: “وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُواْ آلاء اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ”
3 — اتباع المنهج الوسط المعتدل القائم على القصد، والتوازن والاعتدال في كل شيء، وحرمة الإسراف والتبذير والبخل والتقتير فقال تعالى: “وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا”، وقال تعالى في وصف عباد الرحمن: “وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا”، وقد حرم الله الاسراف حتى في ماء البحر.
4 — تعمير الأرض وإصلاحها، وتحقيق متطلبات الخلافة، فقال تعالى: “هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ”، ولذلك أمرهم الله تعالى بالتعمير فقال تعالى: “هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا”، وقد سبقت عناية الإسلام بالزراعة، وإحياء الأرض ونحوهما.
5 — حرمة الفساد والافساد والضرر والضراء والخبائث والمحرمات.
6 — تشريع عقوبات رادعة، لكل من يفسد في الأرض، منها عقوبة الحرابة والفساد في الأرض، ومنها العقوبات التعزيرية التي يستطيع ولي الأمر إجراءها على كل من يضر بالبيئة، ومن الاجراءات المقررة في هذا الباب الحجر على السفهاء، حيث يقول تعالى: “وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا”، فاتفق الفقهاء على إجراء الحجر على الصبي، والمجنون، واتفق جمهورهم على الحجر على السفيه المبذر مالَه الذي لا يحسن التصرف فيه، لخفة في عقله، أو في دينه عند جماعة منهم.
7 — ضرورة معالجة الملوثات لإعادتها إلى حالة صالحة للاستفادة منها، وفي السنة النبوية توجد عدة حالات تعطينا الضوء الأخضر لإزالة الملوثات بالمعالجة والاستحالة وتطهير النجاسات، وبالتالي الاستفادة منها بعد التطهير والمعالجة، منها حالة دباغ جلود الميتة، حيث ورد قول النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ: “إذا دبغ الإهاب فقد طهر” رواه مسلم، وأحمد وغيرهما فهذا الحديث يدل بوضوح على ضرورة الانتفاع بجميع الجلود حتى ولو كانت من الميتة عن طريق دباغها، ويقاس عليها غيرها من المتنجسات التي يمكن تطهيرها.
ويفهم من ذلك بوضوح مدى حرص الإسلام على الاستفادة من كل ذرة من ذرات هذا الكون ما دامت نافعة لا تضر، حتى ولو كانت متنجسة حيث يمكن تطهيرها ليستفاد منها.
وللاستحالة والاستهلاك والمعالجة تطبيقات معاصرة واسعة في مجال الدواء والغذاء، والمنتجات الصناعية، ومستحضرات التجميل، والمعاجين والمساحيق، حيث يستعمل فيها مواد نجسة ومحرمة، ولا مانع منها إذا استحالت أو استهلكت هذه المواد النجسة والمحرمة وزالت، أو أزيلت عنها المواد الضارة والسامة، وكذلك الأمر في مياه المجاري إذا استصلحت، وأزيلت عنها الصفات الضارة الخبيثة القذرة تصبح مياهاً طاهرة مشروعة، فقد ثبت أنه من الناحية العلمية أن بعض المواد تكون ضارة وسامة إذا انفردت، ولكنها تكون نافعة مفيدة إذا اجتمعت مع مادة أخرى مثل الصوديوم والكلور، فهما عنصران سامان، ولكنهما إذا اجتمعا يتكون منهما ملح الطعام الذي لا يستغني عنه إنسان.
8 — سياسة الوقاية من الفسادة البيئي: يعتمد الإسلام في منع الأمراض والمشاكل على سياسة الوقاية، وهذه السياسة تعتمد على الأخذ بالأسباب الظاهرة المانعة من الحدوث بعد التوكل على الله تعالى كالآتي:
أ) العناية القصوى بالطهارة الشاملة للبدن والمكان، وكل ما يستعمله الانسان، بل كل ما يتعلق بالبدن، فقد جعل الاسلام الطهارة شرطاً لصحة الصلاة، والطواف، ووردت نصوص كثيرة في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة آمرة بالطهارة وناهية عن الاقتراب من النجاسات، فقال تعالى: “وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ” وقد جعل الله الطهارة سبباً لمحبة الله تعالى، فقال تعالى: “إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ” وروى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله طيب لا يقبل إلاّ طيباً” وقال: “إن الله جميل يحب الجمال”.
ب) تغطية الأواني لحماية الطعام والشراب من التلوث والفساد، فقد روى مسلم في صحيحه بسنده عن حابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “غَطُّوا الإناء، وأَوْكُوا السِّقاء، فإن في السَّنَة ليلةً يَنْزِلُ فيها وباءٌ لا يمرَُ بإناء ليس عليه غِطاء، أو سِقاء ليس عليه وِكاء إلاّ نزل فيه من ذلك الوباء”.
ج) منع كل ما يؤدي إلى إضاعة المال، وعلى ذلك أدلة كثيرة كما سبق.
د) حَظر كل ما يؤدي إلى عدوى الأمراض مثل:
1. حرمة التبول في الماء الراكد، حيث نهى النبي صلى الله عليه عن ذلك فقال: “لا يبولنّ أحدكم في الماء الراكد ثم يغتسل منه”، وهذا لما يترتب عليه من إفساد الماء نفسه، ثم ما ينتج منه من أمراض الكوليرا والبلهارسيا ونحوهما التي تصيب من يشرب منه، أو يستحم منه.
2. حرمة البراز في موارد الماء، وقارعة الطريق، وتحت ظل الشجرة، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: “واتقوا الملاعن الثلاث: البِرازََ في الموارد، وقارعة الطريق، والظِّل” وقد بين الحديث نفسه أن البراز في هذه الأماكن الثلاثة يؤدي إلى لعن الناس من تبرز فيها، وذلك لما يترتب عليه من إضاعة المال، وايذاء الناس، والتسبب في عدوى الأمراض إلى الغير.
3. تدخل الدولة والمحتسب لوقاية الهواء من التلوث، فقد ذكر علماؤنا القدامى أن من وظائف المحتسب مراقبة الأدخنة التي تحدث في محلات الخبازين وصناعي الطعام، فقد ذكر الشيرازي ضمن واجبات المحتسب أن المحتسب عليه أن يهتم بأن يرفع أسقف الحوانيت للخبازين، وأن تفتح أبوابها، ويجعل في سقوف الأفران منافذ ومنافس واسعة ليخرج منها الدخان حتى لا يتضرر بذلك الساكنون.
4. حرق النفايات بصورة علمية في أفران خاصة، والاستفادة منها لتوليد الطاقة، حيث إن العالم اليوم يعاني من الجبال المجمعة من النفايات في كل مدينة، وإن معظم الدول النامية تترك هذه النفايات لتترتب عليها مشاكل بيئية وأمراض خطيرة، أو تحرقها بصورة عشوائية وبدائية، أو تتركها لتطرح في البحار والمحيطات والأنهار