الدوحة- الشرق

كتاب “إستراتيجية التنمية الشاملة والسياسات الاقتصادية النقدية والمالية في ظل الربيع العربي ، يخص به فضيلة الشيخ د. علي محي الدين القره داغي الشرق في رمضان من هذا العام ليكون عونا لكل شعوب الأمة العربية والإسلامية في مسارها ونهضتها وإنقاذ البشرية مما يعتريها من ظلم وفقر وحرمان، إذ يقدم الكتاب عبر الفصول المختارة التي ننشرها تباعا استراتيجية التنمية الشاملة والسياسات الاقتصادية (النقدية والمالية) في ظل الربيع العربي وهي دراسة فقهية اقتصادية، ومحاولة لبديل إسلامي، مع حلول طارئة.. يقول فضيلته:

الجوع وليس الفقر فقط المشكلة الأولى في العالم:

ومع كل هذا التقدم الصناعي والتكنولوجي، والثراء الفاحش لدى بعض الدول والشركات والأفراد، فقد كشفت تقارير الأمم المتحدة حديثاً عن أن الجوع في ازدياد فأصبح المشكلة الأولى في عالم اليوم، وأن عدد الجائعين في العالم يزداد حتى تجاوز 845 مليون جائع، وانه يموت في كل يوم ستة آلاف طفل بسبب الجوع بمعدل طفل في كل 5 ثوان، وستة ملايين طفل في كل عام قبل السن السادسة، وأن مليار شخص تحت خط الفقر العالمي يكسبون أقل من دولار واحد يومياً، وان الموت بسبب الغذاء يشكل حوالي ثلث حالات الموت المبكر، أو الاعاقة، ولذلك قال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، في معرض الاحتفال باليوم العالمي للغذاء في 16/10/2007م: من الواجب أن نُسْمِعَ العالم أصوات هؤلاء الجوعى، وعلينا أن ندرك دور احترام حقوق الانسان في القضاء على الفقر والجوع، وأن ندرك الروابط التي تربط بين التنمية وحقوق الانسان والأمن).

وتشير هذه التقارير إلى أن النزاعات المسلحة، والتصحر، وتحكم الشركات العملاقة (متعددة الجنسيات) في المواد الغذائية هي من أهم أسباب الجوع والفقر والبطالة، حتى ان المسؤول الأممي عن ملف الغذاء قد اتهم الاتحاد الأوروبي بضلوعه في صناعة الجوع وسوء التغذية في الدول النامية الأشد فقراً بسبب ما وصفه بسياسة الاغراق التي يتبعها، وحرمان مزارعي الجنوب من تسويق منتجاتهم بشكل عادل، إضافة إلى ما ترتب على ذلك وعلى غيره من بطالة وتضخم، وهجرات كبيرة للعقول، والطاقة.

ونحن في هذه الدراسة لا نريد الخوض في التحليلات، ولكن الذي نؤكد عليه هو أن الفقر في العالم يزداد، وبالأخص في عالمنا الاسلامي، وأن الفقر في العالم العربي الذي حباه الله تعالى بأهم الثروات والمعادن والبترول والغازات ما زال موجوداً، بل في حالة تصاعدية في معظم دوله، كما أن الفجوة، بين دخل المواطن العربي في الدول الخليجية مع دخل أخيه في الدول العربية الأخرى شاسعة جداً، قد تصل إلى أكثر من مائة ضعف، ناهيك عن الفقر المدقع الموجود في معظم الدول الاسلامية في افريقيا، وآسيا، حيث ان متوسط دخل الفرد السنوي في بنجلاديش 160 دولاراً، وفي بعض الدول الأفريقية أقل من ذلك بكثير كما أن مليار نسمة يعانون من الفقر المدقع، بل إن أكثر من نصف سكان العالم الثالث في حالة شديدة من الفقر، وتشير الاحصائيات إلى تراجع معدلات النمو في الناتج القومي في آسيا وافريقيا، وبالمقابل فإن معدلات النمو في الدول الغنية في ازدياد، وأكثر من ذلك فإن 25 % يملكون أكثر من 75 % من ثروات العالم في حين يعيش 75 % من البشر على 25 % من ثروات العالم، بل إن حوالي 370 شركة عملاقة وشخصاً يملكون 75 % من الثروة السابقة، وقد قال مكنمار رئيس البنك الدولي في خطاب له عام 1979: (إن متوسط الدخل الفردي في الدول الفقيرة كان يمثل 5 % من متوسط الدخل في الدول المتقدمة عام 1960 ثم انخفض إلى 2.5 % في عام 1977، ثم استمر في الانخفاض عام 2000، وربما إلى الآن، كما أن الدول الصناعية الكبرى تسيطر على 80 % من التجارة العالمية والاستثمار و93 % من الصناعة و97 % من البحوث والخدمات والتقنيات المتطورة، ومع ذلك توجد نسبة لا بأس بها من الفقراء والمعدومين في هذا العالم المتطور أيضاً مثل أمريكا، وأوروبا الغربية، حتى سلط مؤتمر دافوس الذي عقد في سويسرا عام 1999م، الأضواء على آثار السياسات الاقتصادية المفروضة من المؤسسات المالية الدولية على البلدان النامية، وبيّن عيوبها المتمثلة في زيادة البطالة، وتوسيع الهوة، وتفاوت الدخول بين البلدان المتقدمة، والنامية، وفي انتشار الفقر والتهميش، والاستغلال، والاستبعاد الاجتماعي في دول الجنوب والشمال على السواء.

أكثر الدول فقراً، وتخلفاً في عالمنا الاسلامي:

وقد صنفت هيئة الأمم المتحدة عام 1971 دول العالم على ثلاث درجات: متقدمة وهي تشكل 25 % من العالم، ونامية، ومتخلفة، وهما تشكلان 75 %، ثم وضعوا ثلاثة معايير للدول الأكثر فقراً، والأقل نمواً، وهي:

1) كون إجمالي الدخل للفرد أقل من 100 $ أمريكي في العام الواحد.

2) كون نصيب الصناعة من إجمالي الدخل القومي لا يتجاوز 10 %.

3) كون نسبية الأمية فيها لا تقل عن 80 %.

ولدى تطبيق هذه المعايير وجد أن 36 دولة تدخل فيها، وان معظمها ضمن العالم الاسلامي والعربي مثل بنغلاديش عام 1975، التي معدل دخل الفرد فيها 46 $ في العام، ونسبة الفقر فيها 74 %، وأندونوسيا عام 1977 التي معدل دخل الفرد فيها 38 $، ونسبة الفقر فيها 80 %، وإيران عام 1976، التي معدل دخل الفرد فيها 92 $ ونسبة الفقر فيها 38 %، ومصر عام 1974 — 1975، بمعدل دخل الفرد فيها 87 $، ونسبة الفقر فيها 38 %، وشمالي نيجيريا عام 1971، نسبة الفقر فيها 51 % والصومال عام 1976، التي معدل دخل الفرد فيها 65 $، ونسبة الفقر فيها 70 %….

وقد ارتفعت نسبة الفقر في اليمن من 19.1 % عام 1992 إلى 51.19 % عام 1997 وازداد عدد الفقراء فيها من نحو ثلاثة ملايين إلى نحو تسعة ملايين فقير، بل وصلت نسبة الفقر المدقع من 9 % إلى 24 % خلال المدة نفسها، وأن ظاهرة الفقر فيها تشمل المتعلمين وبعض حاملي الشهادات الجامعية بسبب انخفاض الأجور، وارتفاع نسبة التضخم.

وقد انخفضت في الفترة 1987م — 1998 نسبة السكان الذين يعيشون على أقل من دولار واحد في اليوم من 28 % إلى 24 %، ثم ارتفعت منذ بداية القرن21 ولا تزال، حيث إن الفقر المدقع يتجه صوب افريقيا وآسيا، وبعض البلدان من أمريكا الجنوبية، فما زالت المؤشرات الاجتماعية في كثير من هذه البلدان تسير نحو الأسوأ، وأن الفجوة تزداد بين الفقراء والأغنياء ويصاحب الفقر المشاكل الصحية والاجتماعية الأخرى.

شركاء في الأرض (وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ):

إن الاية الكريمة في سورة الرحمن تدل على أن جميع البشر شركاء في الأرض وفي خيراتها، وأنها لن يستقر الأمن والأمان إذا وجد مثل هذا الخلل الحادث اليوم، حيث إن 25 % من البشر يملكون 75 % من ثروات الأرض كلها، وأن حوالي 400 شركة وشخصية تملك منها حوالي 75 % لذلك فإن على العالم أجمع أن يعالج هذا الخلل، ولكن جشع الماديين الرأسماليين يحول دون ذلك، مع أن هذه الأزمة المالية العالمية كانت إنذاراً شديداً، حيث لو صرف عُشْرُ خسائرها على فقراء العالم لما بقي منهم واحد، وحتى من الناحية المصلحية فإن الاستهلاك للمنتجات إنما يتحقق بشكل عام ووفير إذا كان لدى المستهلكين القدرة على الشراء.