مصدر شرعي: البنوك الخليجية «غير متحمسة» لإيقاف التعامل مع بورصة لندن للمعادن بسبب تميز القانون البريطاني

الاقتصادية

”عدو تعرفه خير من صديق تجهله”، بهذه الكلمات فضل أحد التنفيذيين الذي يعمل في واحد من أكبر البنوك الخليجية وصف علاقة ”الجذب” بين سلعة المرابحة ”الخليجية” وبورصة لندن للمعادن، عندما سأل عن إمكانية البحث عن بدائل عالمية للبورصة التي تتخذ من لندن مقرا لها. ولكن هل يكون ذلك الرأي، الصادر من الذين يمسكون بزمام الأمور التنفيذية في مفاصل العمل المصرفي الإسلامي، بمثابة ”الحقيقة المرة” التي يجب على الجميع تقبلها؟، أم أن ائتلاف الفقهاء ”الصامتين” سينجح في قلب الموازين، اقتداء ببعض الفقهاء القلائل الذين دخلوا حاليا في نقاشات مع إدارات البنوك حول كيفية التصرف مع البيوع المحرمة التي ترتكب باسم سلعة المرابحة الدولية.

أبلغ الاقتصادية مصدر قريب من الهيئات الشرعية بالبنوك في المنطقة، أن الإدارات العليا في البنوك الخليجية ”غير متحمسة” لفكرة إيقاف التعامل مع بورصة لندن للمعادن أو تشديد الرقابة على العقود المبرمة مع الوسطاء الغربيين أو حتى إيجاد مدقق شرعي تناط إليه مهمة تتبع صفقات المرابحات الدولية للتأكد من مطابقتها للشريعة. إلا أنه استطرد وذكر أن المحاولات ما زالت جارية معهم. وأشار إلى أن أحد الأسباب الرئيسية لتمسكهم بهذا الموقف يكمن في متانة النظام القانوني البريطاني الذي يتميز بسرعة فصله في قضايا التعاملات المالية، خصوصا أن بعض صفقات المرابحة الواحدة تصل قيمتها إلى 100 مليار ريال.

وتأتي تلك التطورات بعد أن طالب بعض الباحثين في المصرفية الإسلامية في السعودية بأن يتحرك فقهاء المجالس الشرعية لإبراء ذممهم حول الفتاوى التي منحوها للبنوك بإجازة مرابحات السلع الدولية، قبل أن يستغل بعض وسطاء البنوك الغربيون اتساع سوق المرابحات الدولية، يقدر بـأكثر من ألف مليار دولار، لتنفيذ بيوع صورية ومحرمة (مثل البيع على المكشوف) باسم هذه السلعة التي تعد من الأساسيات التي ترتكز عليها هذه الصناعة. ويتناقض ”صمت” بنوك المنطقة عما يجري في بورصة لندن للمعادن، مع قرار البنك الإسلامي الآسيوي، الذي يتخذ من سنغافورة مقرا له، عندما أعلنت إدارته بأنها تنوي إيقاف التعامل مع البورصة البريطانية نظرا لأن بعض معاملات (المرابحة) لا تمتثل للشريعة. وفي الإطار ذاته كشف الدكتور علي القرة داغي عن نتائج زيارته لأحد مخازن المستودعات الغربية التي شاهد من خلالها بعض عمليات الخداع لسلع غير صالحة لا للبيع ولا للشراء نظرا لوجود عيوب بها، ألا أنها تباع للبنوك الإسلامية، عبر صفقات المرابحة، منذ 15 سنة من دون أن تخرج من المستودعات الغربية.

فقدان الأمل

يقول لـ ”الاقتصادية” مستشار شريعة، الذي كانت علامات الإحباط الأولية من فشله في إقناع بعض البنوك بادية على ملامح وجهه ونبرات صوته: ”مع الأسف أن البنوك نفسها تجد صعوبة في التعامل مع أي شيء خارج بورصة لدن للمعادن. إن هذه ليست بالعملية السهلة،. خصوصا أن البنوك تتخوف من القضايا القانونية (المرتبطة بمعاملات المرابحة في حالة وقوعها)، ولا سيما أن بعض الصفقات تصل قيمتها إلى 200-100 مليار ريال. فالناس يتخوفون في حالة وقوع مشكلات في هذه الصفقات. ”ويتابع الفقيه الذي فضل إيضاح هذه التفاصيل شريطة عدم الكشف عن هويته: ميزة سوق لندن للمعادن أنها ناضجة، مع حصول الشيء نفسه للنظام القضائي لديهم والذي يتميز بكفاءة محاكمه، فضلا عن قدرة القضاة على تناول القضايا المالية المعقدة. لقد حاولنا إقناعهم (يقصد تنفيذي البنوك) إلا أنه يبدوا أن سوق لندن للمعادن أصبحت بمثابة قوة جذب لهذه البنوك”.

ولم يستبعد العالم الشرعي، الذي انتقد ضعف الرقابة الشرعية على صفقات سلع المرابحة الدولية، أن الطريق ”سيصبح ممهدا” للبنوك من أجل إيجاد مدقق شرعي يدقق على معاملات المرابحة الدولية، خصوصا، والحديث للمصدر، بعد أن أصبحت تحقيقات ”الاقتصادية” المنشورة حول المرابحات، بمثابة ”المستند” في الهيئات الشرعية. ووصف المصدر، الذي يحظى باحترام واسع لدى أهل الصناعة، بعض عمليات الرقابة الشرعية الداخلية في البنوك السعودية ”بالجيدة” إلا أن هذه الرقابة لا تغطي معاملات المرابحات الدولية.

وكان لاحم الناصر، خبير في المصرفية الإسلامية، قد ذكر أن التحقيقات التي نشرتها ”الاقتصادية” حول المرابحات الصورية أصبحت بمثابة ”الحجة على الهيئات الشرعية التي لم يعد لديها ما تحتج به في هذا الخصوص من دعوى الجهل بالممارسات أو عدم القدرة على مراقبتها”. بل إن ذمة الهيئات الشرعية، والحديث للاحم، ”لن تبرّأ” بعد أن أصدرت فتاويها ”بالموافقة على منتجات التورق والمرابحات الدولية”.

سلع معيبة

من ناحيته أكد القرة داغي أن ما يحدث في الغالب في هذه الأسواق هو عبارة عن أوراق توقع من قبل البنوك الغربية هناك، وترسل إلى البنك الإسلامي ”صورة من الشهادة وليس الأصل”. ولكن عندما تحقق خريج جامعة الأزهر من حقيقة الأمر، وجد أن المسألة مجرد ”تعامل في الأوراق وليس في الأسواق”.

ويواصل أستاذ ورئيس قسم الفقه والأصول بكلية الشريعة في جامعة قطر سابقاً: ”بعد ذلك ذهبت (إلى تلك المستودعات) وعندما وقفت بنفسي على أحد هذه المخازن، وجدت كميات كبيرة من الألمنيوم أخبرونا حينها بأن هذه السلعة هي التي وقع عليها صفقتكم (يقصد البنك الذي يعمل لديه )، ففرحت كثيراً. ثم أخذت المدير جانبا وسألته عن هذه السلعة بتفصيل فأخبرني أن هذا الألمنيوم له أكثر من 10 سنوات أو 15 سنة وهو روسي ومعيب وتم وضعه هنا، ليس لإجراء عمليات للبيع الحقيقي عليه، إنما فقط لتنفيذ الصفقات عليه (أي أن السلعة لا تتحرك من مكانها)، مبدياً استغرابه من سؤالي بقوله ”هذه أول مرة يسألني أحد عن تفاصيل السلعة بهذه الطريقة”، ويتابع عضو الهيئة الشرعية في بعض البنوك الخليجية سرد تفاصيل زيارته لمخازن السلع التابعة لبورصة لندن للمعادن و غيرها: ”بعدها كتبت تقريرا ذكرت فيه أن معظم التعاملات تتم على الورق وبعض المعاملات (تنفذ) على سلع معيبة وغير حقيقية للبيع والشراء، وحتى لو كانت هذه السلع حقيقية وسليمة فهي ليست (قابلة) للاستيراد والتصدير. ولذلك صدر القرار الأخير من المجمع الفقهي بمنع التورق لأن العملية لا تعدو كونها بضاعة في مكانها. ولذلك أوجه ندائي للبنوك بأنه إذا تعاملت في الغرب بأن تأتي لنا بالبضاعة لا أن تترك البضاعة في مكانها وتجري عليها عشرات الصفقات”.

وعما إذا كان هناك انقسام بين الهيئات الشرعية حول المرابحات الصورية، يقول القرة داغي: ”المشكلة في الوقت الحالي أن الهيئات الشرعية ليست على رأي واحد، هناك هيئات شرعية تكتفي بالظاهر والله يتولى السرائر، لكن أنا شخصياً لا أجيز التعامل في الأسواق المالية إلا إذا تم التحقق من أن البنك يتعامل مع شركة حقيقية تملك هذه الأمور (يقصد السلع)، أما إذا كان الوسيط (بروكر) أو البنك التقليدي يعمل (للبنك الإسلامي) أوراق (المرابحة ذات الصلة) فإنني لا أجيزها في كل الهيئات التي أعمل فيها”. ويتوافق تصريح القرة داغي مع ما ذهب إليه تصريح أحد الباحثين في سلعة المرابحة عندما ذكر أن منشأ الخلل لا يزال موجوداً، وهو انتفاء قصد الحصول على السلعة، ولذلك ظهر كثير من المخالفات والتعاملات الصورية. وأكد، في تصريحات نشرتها له ”الاقتصادية” قبل أسبوعين، أن هذه المشكلة ستظل مزمنة طالما لم يكن الحصول على السلعة هو الهدف، بل الحصول على التمويل”.