بسم الله الرحمن الرحيم
البيان الختامي للمؤتمر الدولي الديني ” المسلمون الروس بين الحقوق والواجبات “
داغستان ـ محج قلعة ـ الخامس من جمادى الأولى 1435هـ ـ 6 مارس 2014م
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه،
وبعد؛؛
فقد استضافت جمهورية داغستان وفد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين برئاسة فضيلة الأمين العام، الشيخ أ.د. علي محيي الدين القره داغي ، بدعوة كريمة من فخامة رئيس جمهورية داغستان السيد رمضان عبد اللطيفوف ، حيث ضم الوفد كل من فضيلة الشيخ د. خالد المذكور، رئيس لجنة الوقف والاستثمار بالاتحاد، والشيخ د. أحمد الحمادي عضو الاتحاد ، والأستاذ رشيد العلوي المدير التنفيذي للاتحاد ، والأستاذ ماجد علي القره داغي المستشار الإعلامي ، ود. لؤي يوسف منسق شؤون الاتحاد في روسيا الاتحادية ورابطة الدول المستقلة .
وبرعاية الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والإدارة الدينية لمسلمي داغستان وبدعم من صندوق دعم الثقافة والعلوم والتعليم الإسلامي في روسيا تم انعقاد المؤتمر الدولي الديني تحت عنوان ” المسلمون الروس بين الحقوق والواجبات ” بالعاصمة الداغستانية “محج قلعة”، يوم الخميس الموافق 5 جمادى الأولى1435 الموافق 6/3/2014م، بحضور وفد الاتحاد العالمي لعلماء داغستان وسماحة مفتي جمهورية داغستان أحمد حاجي عبد اللايف وعلماء داغستان وبحضور كلا من مفتي جمهورية تتارستان الشيخ كامل سميع الله، مفتي جمهورية الشيشان سلطان حاجي ميرزاييف، مفتي جمهورية انغوشيا عيسى حاجي خامخويف، مفتي جمهورية اوسيتيا الشمالية (ألانيا) حاجي مراد كاتسالوف، مفتي مقاطعة ستافروبول محمد حاجي رحيموف، ورؤساء منظمات اسلامية واجتماعية، وعدد كبير من العلماء داخل روسيا، ومن المثقفين والشباب في داغستان، وحشد كبير ومتميز من طلبة وأساتذة جامعات داغستان.
وافتتح المؤتمر بتلاوة آيات من الذكر الحكيم ، تلته كلمة سماحة المفتي الشيخ أحمد حاجي عبد اللايف ، رحب فيها بوفد الاتحاد ، مبرزا أهميته ودوره ، كما رحب بجميع المشاركين ، مبرزا قيمة هذا المؤتمر في تحقيق مزيد من الأمن ؛ والاستقرار لداغستان وغيرها ، كما أشار سماحته وعدد من المتحدثين إلى أن المؤتمر الدولي الديني الأول الذي انعقد في مدينة محج قلعة من 15 إلى نوفمبر 18 2012م تحت عنوان “داغستان أرض السلام” والذي تضمن وثيقة داغستان حول الجهاد، وفتوى في شمول مصطلح “دار السلم والإسلام” لداغستان ونحوها والتي تم اصدارها واعتمادها من الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وعلماء داغستان أسهمت مساهمة طيبة في زيادة وعي الشباب ، والتقليل من المشاكل الأمنية.
بعد ذلك تكرم فضيلة الأمين العام الشيخ الدكتور علي محيي الدين القره داغــي بإلقاء كلمة وافية ، وخلاصة بحثية علمية وشرعية متميزة ، ركز فيها على التوصيف والتأصيل والتحليل ، ثم توالت الكلمات من فضيلة الشيخ الدكتور خالد المذكور وفضيلة الشيخ الدكتور أحمد الحمادي ومن عدد من أصحاب الفضيلة والمفتيين ، حيث ركزت الكلمات على أهمية المؤتمر، وتأييد كل ما تضمنه بحث الأمين العام للاتحاد ، وكذلك توجيه الشكر لدولة داغستان رئيساً ، ومفتياً ، ومنظمين .
وتضمنت زيارة الوفد عدة لقاءات ؛ واجتماعات مع العلماء والشباب ، بهدف الإجابة على الأسئلة الشرعية ، ولاسيما ما يتعلق منها بالشبهات التي تثار حول العديد من القضايا ، والموضوعات المهمة في داغستان .
وقد توجت الزيارة والمؤتمر واللقاءات، بإصدار بيان علمي تضمن الإجابة عن التساؤلات المطروحة المبينة أدناه بالتفصيل:
1ـ الإسلام والإرهاب :
ـ ما موقف الإسلام من التفجيرات التي تطال المدنيين من الأئمة؛ والمعلمين؛ والنساء؛ والأطفال الأبرياء في روسيا الاتحادية؟
الجواب :
تخويف الآمنين ، وقتل المدنيين المسالمين، والاغتيالات ، والحكم بالإعدام دون محاكمة عادلة ، وتفجير المنشآت والمباني الأهلية هو عمل إجرامي محرم ، داخل في جريمة الحرابة والفساد في الأرض التي شرع الله لها أشد أنواع العقوبات في الإسلام فقال تعالى : (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (سورة المائدة- 33 ) بالإضافة إلى الآيات والأحاديث الكثيرة في جريمة القتل وإزهاق النفس ، وحرمة الاعتداء على الأعراض والأموال .
وهذا ما صدر به قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي، قرار رقم 154 (3/17) حيث ينص على ما يأتي: “تحريم جميع أعمال الإرهاب وأشكاله وممارساته واعتبارها أعمالاً إجرامية تدخل ضمن جريمة الحرابة أينما وقعت، وأياً كان مرتكبوها، ويعد إرهابياً كل من شارك في الأعمال الإرهابية مباشرةً، أو تسبباً، أو تمويلاً ، أو دعناً، سواء كان فرداً أم جماعة أم دولة، وقد يكون الإرهاب من دولة، أو دول على دول أخر”
وكذلك قرار المجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، خلال الدورة المنعقدة من الفترة 21-26 شوال 1422هـ موافق 5-10 يناير2002.
2ـ الإسلام وموقفه من التعامل مع الدولة العلمانية:
ـ ما موقف الإسلام من الحكومات ذات التوجه العلماني في إدارة الدولة؛ ومن أجهزة السلطات الحكومية؛ والمسؤولين؛ والموظفين الذين يعملون في الأجهزة الأمنية؟
الجواب:
إذا كانت حقوق المسلمين وحرياتهم محترمة في أداء الشعائر والعبادات ونحوهما، فعليهم أن يقابلوا ذلك باحترام القوانين وحقوق الدولة ما دامت لا تتعارض مع النصوص الشرعية الصحيحة والصريحة، كما أن عليهم أن يستفيدوا من هذه الحريات لصالح الجميع، كما أن عليهم أن يحافظوا على دينهم، ويدعوا إلى الخير ويأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة، فقال تعالى: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [النحل: 125].
كما أن عليهم الحفاظ على العهود والوعود والعقود فقال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) [ المائدة: 1 ]، وقال تعالى: ( وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً )،[الإسراء: 34]، وقال تعالى في وصف الناجين: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) [المؤمنون: 8].
وقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم مخالفة الوعد من علامات النفاق في أحاديث كثيرة. كما أن الالتزام بالقوانين التي لا تتعارض مع الشريعة معارضة صريحة واضحة مطلوب شرعاً.
كان على أهل العلم أن يلاحظوا الفروق بين الدولة اليوم والدول السابقة، ففي روسيا الاتحادية توجد سبعة جمهوريات للمسلمين تتمتع بهامش جيد من الحريات أكثر مما هي موجودة في معظم البلاد العربية، فإذا عمل المسلمون فيها بالحكمة والموعظة الحسنة، واستعملوا لتحقيق أهدافهم بالطرق السياسية والدبلوماسية، والتحاور البناء، ولم يستعجلوا، بل تبنوا مبدأ التدرج، فإنهم يستطيعون الوصول إلى ما يصبون إليه بإذن الله تعالى، فبعض الجمهوريات داخل روسيا استطاع المسلمون فيها أن يطبقوا الكثير والكثير من أحكام الشريعة، في حين أن بعض الشباب وساندهم بعض من في الخارج من المتشددين تبنوا القتال في الشيشان فما الذي ترتب عليه؟ نتجت منه قتل لعشرات الآلاف وتدمير للدولة والشعب، وهكذا الأمر في الجزائر، وفي غيرها.
ومن المعلوم بالاستقراء القطعي – كما يقول ابن القيم، والشاطبي، وغيرهما– أن هذا الدين مبناه على المصلحة والعدل والرحمة والاستطاعة، وفقه المآلات وسد الذرائع، وأن الله تعالى لم يكلفنا إلا حسب طاقتنا ومنعنا من أي عمل تترتب عليه مفسدة، أو ظلم أو جور أو قسوة.
3ـ العمل في الحكومات:
ـ هل يسمح للمسلم أن يعمل ويخدم في أجهزة السلطات الحكومية والهياكل الأمنية والعسكرية التابعة للدولة ذات الطبيعة العلمانية؟ وإن عمل ضمن هذه المؤسسات فكيف عليه أن يتصرف بما لا يسمح بمخالفة أحكام الشريعة ؛ أو تجاوزها؟
الجواب:
لا مانع شرعاً من العمل في أجهزة الدولة بل قد يكون مطلوباً شرعاً من حيث المبدأ بما فيها الوزارة والرئاسة ، لأدلة كثيرة منها ما فعله سيدنا يوسف عليه السلام، حيث طلب ملك مصر الكافر أن يجعله وزيراً لأربعة قطاعات لخدمة شعب مصر، فقبل ذلك، بل طلبه من الملك الكافر فقال (جْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ) (سورة يوسف -55) فأصبح بمثابة عزيز مصر، أي رئيس الوزراء، وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ، ولا ناسخ فقال تعالى بعد ذكر الأنبياء (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ) (سورة الانعام -90)، كما أن قضية النجاشي الذي أسلم وبقي على رأس الحكم ولم يستطع أن يطبق الإسلام، ومع ذلك صلى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو دليل آخر على ذلك وتأكيد لهذا المبدأ، وقد علق ابن تيمية على ذلك فذكر أن ذلك دليل على أن الإنسان لا يكلف إلا بما يطيقه
كما أن مقاصد الشريعة والمصالح المرسلة تدل على أن ذلك يفيد المسلمين ويفيد الأقلية الإسلامية. وقد اثبتت التجارب أن دخول المسلمين في أعمال ووظائف الدولة – مهما كانت – تترتب عليها نتائج ايجابية جدا لمستقبلهم ولمستقبل الإسلام ولزيادة الخير، وتقليل الشرور والمفاسد والمضار لهم، كما أن عدم دخولهم فيها يؤدي إلى عزلهم وابتعادهم وفقرهم، وعدم تطويرهم، وهيمنة غير المسلمين عليهم. لذلك أوصي بقوة أن يندمج القادرون على العمل والوظيفة في جميع مؤسسات الدولة
4ـ ممارسات الحرب:
ـ بعض المسلمين ممن يسمون أنفسهم بـ ( المجاهدين ) يقومون في الوقت الحاضر بممارسة الابتزاز على نطاق واسع ضد رجال الأعمال فيفرضون عليهم ما يسمى (ضريبة الحرب)، ما هو موقف الشريعة الإسلامية من هذه الظاهرة ؟
الجواب:
هذا الفعل غير جائز شرعاً لأن الله تعالى حرّم أكل أموال الناس بالباطل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ) [النساء: 29] و لأن ذلك تترتب عليه مفاسد كثيرة، ولأن الجهاد إنما يصح إذا توافرت فيه شروطه، يراجع: كتابنا ( نحن والآخر )، وحتى لو كان الجهاد صحيحاً فيجب على أصحابه أن يلتزموا بأخلاقيات الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته عند القتال، فلننظر إلى ما ذكره البخاري في صحيحه لقصة أبي سعيد الخدري، حينما كانوا في سرية، فأصابهم الجوع فطلبوا من أهل قرية لم يكونوا مسلمين أن يضيفوهم ويعطوهم الطعام فأبوا، ومع ذلك لم يجبروهم على ضيافتهم، بل بقوا خارج القرية يتضورون جوعاً، ثم أراد الله تعالى أن يلدغ عقرب رئيس القرية فيطلب رقيتهم له، فرقاه أبو سعيد الخدري فشفاه الله تعالى، وأخذ منهم جعلاً – أي أجراً – جيداً. والحديث وقصته في صحيح البخاري، كتاب فتح الباري ( 2276 ) فهؤلاء كانوا مجاهدين حقاً جائعين ومحتاجين إلى الطعام ومع ذلك لم يقبلوا أن يأخذوا أموال أهل قرية كافرة رفضت قراهم، فلو كان ذلك جائزاً لفعلوا، ولما عادوا الى الرسول صلى الله عليه وسلم أقرهم على ذلك، ولكن بما أنهم كانوا متقين محافظين على حدود الله تعالى جعل الله لهم مخرجاً وفتح عليهم بطيب رضاء رئيس القرية وأهله فأعطوهم عددا كبيراً من الأغنام.
5ـ احترام وبر الوالدين:
ـ ما موقف الإسلام من الأولاد الذين يخرجون عن طاعة والديهم عبر الانتساب إلى الجماعات المسلحة المتطرفة، والمشاركة في أعمالها ونشاطاتها الإجرامية؟
الجواب:
هناك أحاديث كثيرة تدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأذن لبعض الصحابة الذين والداهم أو أحدهما على قيد الحياة أن يشاركوا في الجهاد الصحيح معه إلاّ بعد الاذن منهما ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( ففيهما جاهد ) .
6ـ التكفير، والردة، والشرك:
ـ هنالك كثير من المسلمين ممن يعملون في مؤسسات الدولة ذات التوجه العلماني، فهل يصنف هؤلاء وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية ضمن خانة التكفير، أو الردة، أو الشرك؟
الجواب:
الإيمان هو التصديق بالقلب والإقرار باللسان، وأن تمامه بالعمل بالأركان، ومن المتفق عليه بين أهل السنة والجماعة أن الانسان لا يكفر حتى بارتكاب الكبائر، وأن مفتاح الايمان والجنة هو شهادة أن لا اله الا الله وأن محمداً رسول الله، ومن المتفق عليه أن العمل المشروع في أي مؤسسة إدارية أو نحوها ليس محرماً، حتى لو كان محرماً فلا يكفر بعمله في مؤسسات الدولة العلمانية، وقد سبق أن ذكرت قصة سيدنا يوسف عليه السلام حيث عمل وزيراً بل رئيساً للوزراء في دولة كافرة، وكذلك قصة النجاشي.
7ـ الإسلام والأديان الأخرى:
ـ ما موقف الإسلام من ممثلي الأديان الأخرى، وما شروط التعايش المشترك مع الأرثوذكس واليهود؟
الجواب:
قد فصلنا القول في ذلك في كتابنا ( نحن والآخر ) وباختصار: فإن الله تعالى أمرنا بالتعامل الخاص مع أهل الكتاب وبخاصة النصارى بجميع طوائفهم، بل أمرنا بأن لا نجادل معهم إلاّ بالتي هي أحسن فقال تعالى: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) [العنكبوت: 46] وقد بين الله تعالى اسس التعامل معهم في الايات الأتية فقال تعالى: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ( 7 ) لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ( 8 ) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ( 9 ) )) [الممتحنة]، حيث أمر الله تعالى بالبرّ والإحسان مع جميع الناس إلا الذين قاموا بالعدوان والظلم والإخراج، وحتى مع هؤلاء أمرنا الله بالتعامل بالعدل والقسط.
8ـ تحديد الأعياد:
ـ ما رأي الشرع الشريف في اختلافات المسلمين في أعيادهم وعباداتهم، وهل يجوز توحيد المسلمين في الأعياد الإسلامية: (عيد الفطر السعيد وعيد الأضحى المبارك) وفي صيامهم..
الجواب:
شرع الله تعالى ( عيدي الفطر والأضحى) للمسلمين حتى تكون وسيلة لشكر الله تعالى على توفيق عباده لأداء شعائر الصيام والحج، وشرع فيه إظهار السرور والفرح واللعب واللهو المباح، حيث أذن الرسول صلى الله عليه وسلم للحبشة أن يلعبوا بالحراب داخل المسجد ( صحيح البخاري الحديث 949 ومسلم 8902)، وأذن للجاريتين أن تغنيا لعائشة رضي الله عنها داخل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحينما اعترض سيدنا أبو بكر رضي الله عنه على ذلك قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: “دعهما” ( صحيح البخاري حديث رقم 949 ومسلم الحديث رقم 892 وفي رواية صحيحة لمسلم (892) وابن حبان (281) بلفظ “دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد” وفي رواية صحيحة لدى مسلم (892) بلفظ:” يا أبا بكر! إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا”.
ومن مقاصد العيد أن تعم الفرحة جميع المسلمين في وقت واحد إن أمكن، ولكن بما أن توحيد أيام العيد والصيام كان في السابق متعذراً فسمح الإسلام بأن يقيم ذلك أهل كل بلد حسب الاستطاعة، وإلا فرؤية بعضهم تكفي لوجوب الصيام والعيد على الجميع حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح متفق عليه:((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)) فالخطاب للأمة جميعاً، وهذا يعني إذا تحققت الرؤية فقد وجب الصوم عليهم جميعاً، لكن الله من رحمته لم يكلفهم إلا حسب الاستطاعة، حيث إذا لم يصل خبر الرؤية إلى أهل بلد آخر فإنهم معذورون، ولكن الفقهاء قاطبة لم يسمحوا لأهل بلد واحد أن يتفرقوا في العيد وفي الصيام، أو في الحج، بل أوجبوا الالتزام بما يصدر من ولي أمر ذلك البلد، أو من يمثله مثل دار الإفتاء حتى لا يتفرق أهل بلد واحد في أداء الشعائر.
وأما موضوع الاعتماد على علم الفلك فهو محل اختلاف كبير بين الفقهاء قديماً وحديثاً، وأن من أخذ به لم يخالف نصاً قطعي الدلالة والوصول، وبالتالي فهو اجتهاد إذا تبناه ولي الأمر تجب طاعته، وإن كان الأفضل عندي هو الاعتماد على الفلك للنفي، ولتهيئة الرؤية، ثم على المسلمين أن يسعوا لرؤية الهلال بالوسائل المعاصرة.
والمهم أنه لا يجوز تفرق المسلمين في بلد واحد في عباداتهم (الصيام والحج) وأعيادهم، لأن التفرق في ذلك يؤدي إلى تفرق القلوب، وتقسيم الناس والقيل والقال، وربما إلى الفتنة وكل ذلك من المحرمات.
والخلاصة أرى من الضرورة أن تتوحد أعياد المسلمين، علماً بأنه يجوز تحديد الأعياد فلكياً بناءً على رأي عدد من الفقهاء السابقين القدامى، وكثير من المعاصرين، ونحن رجحنا الجمع بين الرؤية الشرعية، والاعتماد على علم الفلك للنفي، ولتحديد الرؤية.
وقد فصلنا القول في بحثنا: تحديد بدايات الأشهر القمرية ـ دراسة مقارنة لأراء الفقهاء قديماً وحديثاً، ولكن يجب في جميع الأحوال أن تكون أعياد المسلمين في الدولة واحدةً، ولا يجوز تعددها
9ـ الإسلام والإنترنت:
ـ ما هي الشروط الشرعية للحصول على المعرفة الإسلامية من خلال تقنيات الانترنت المستحدثة؟
الجواب:
الشرط الأساس في استعمال الانترنيت هو عدم الدخول في المواقع المحرمة، وأن لا تُستعمل في الحرام، وأن تؤخذ الاحتياطات المطلوبة لحماية الشباب من المواقع الهدامة.
10ـ النظام المصرفي من منظور الإسلام:
ـ هل يمكن للمسلم أن يتسلم راتبه بوساطة بطاقة ائتمانية؟ وهل من الممكن ايداع الأموال في البنوك التجارية، أو الاستثمار في مشاريع تجارية مختلفة بغرض تحقيق الربح؟
الجواب:
أود أن أقول في البداية أن على المسلمين أن يبذلوا كل جهودهم لإنشاء مؤسسات مالية تلتزم في أحكام الشريعة حتى ولو لم تسمى باسم الإسلام، فالمهم هو المضمون ولذلك يمكن إنشاء مؤسسات استثمارية في ظل قوانين الحالية، ثم السعي الجاد البناء لإصدار قوانين تجيز إنشاء البنوك غير الربوية.
أما بالنسبة للسؤال الوارد فالجواب كالآتي:
1- لا يجوز التعامل مع البنوك الربوية بالإقراض أو الاقتراض بفائدة ( الربا ).
2- ولكن يجوز التعامل مع البنوك الربوية في الأعمال الآتية التي ليس فيها ربا:
أ ـ فتح حساب جارٍ بدون فائدة.
ب ـ أخذ الراتب عن طريق الحساب الجاري، أو البطاقة.
ج ـ الحصول على بطاقة الائتمان ( فيزا كارت، أو نحوها ) بشرطين، أحدهما: وجود المبلغ الكافي في الحساب، بحيث يكون لصاحبها الرصيد الكافي عند سحب المبلغ أو قبل خصم المبلغ من قبل البنك. أما إذا لم يكن له رصيد فيؤدي إلى احتساب الفائدة على صاحبها فيكون هذا حراماً.
والشرط الثاني: عدم جود بنوك إسلامية تقوم بهذا النشاط.
د ـ كذلك يجوز للتجار أن يرتبوا مع البنوك الربوية، الاعتمادات المستندية المغطاة، والتي لا يترتب عليها دفع الفائدة، وكذلك خطابات الضمان المغطاة التي لا يترتب عليها دفع الفوائد.
11ـ النساء المسلمات والتوظيف:
ـ ما هي الشروط الشرعية الخاصة بالنساء المسلمات الموظفات في القطاعين العام والخاص؟
الجواب:
يجوز للمرأة المسلمة أن تعمل في المجالات التي تتناسب مع طبيعتها وتخصصها بشرط أن لا يترتب على عملها الوقوع في الحرام مثل الخلوة المحرمة، والفتنة، والأدلة على ذلك كثيرة، منها: ما قصّ الله تعالى في قصة موسى فقال تعالى: (وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ [القصص: 23] حيث يدل على جواز عمل المرأة مع الأخذ بالحيطة، ووجود الحاجة.
12ـ دفن القتلى في الأنشطة الإرهابية:
ـ ما هو حكم الشريعة الإسلامية في دفن الأشخاص الذين قتلوا بسبب نشاطهم الإرهابي ومسألة عدم تسليم جثثهم إلى ذويهم؟
الجواب:
الإنسان مكرّم حياً وميتاً، ودفن الميت من هذا التكريم، وكذلك تسليم الجثة إلى ذويها، فيجب على الدولة تسليم جثث هؤلاء إلى ذويهم كما يجب على المقاتلين أيضاً تسليم جثة من يقتل في الحرب إلى ذويه.
13ـ الاحتفال بالأعياد غير الإسلامية:
ـ هل يجوز للمسلمين أن يشاركوا غير المسلمين الذين يعيشون معهم في دولة علمانية واحدة في أعيادهم؟
الجواب:
من المعلوم أن الأعياد الدينية تخص أصحاب الأديان، فكل دين له أعياده، والذي يجوز في هذا الباب هو المشاركة العادية وليست المشاركة الدينية، حيث يجوز المشاركة بالفرح والسرور وبالتهنئة العادية من باب البر الذي أمر الله تعالى به فقال تعالى: ( لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) [الممتحنة: 8].
14ـ المسلمون في الدول غير الإسلامية:
ـ ماذا عن التزام المسلمين الذين يعيشون في دولة غير إسلامية بقوانين هذه الدولة كالخدمة العسكرية؛ ودفع الضرائب والرسوم المختلفة وغيرها؟
الجواب:
نحن في المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث رفعنا شعار: الاندماج الايجابي، والالتزام بالقوانين التي لا تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية الغراء، وخدمة الوطن، وأن هذا الولاء الوطني لا يتعارض مع الولاء الديني ما دام في حدود المصالح المرسلة.
وفي الختام نقترح مايلي :
1ـ جمع وترتيب هذه الأسئلة والأجوبة المهمة على شكل أحكام تتعلق بجميع حقوق ؛ وواجبات المسلمين في روسيا أمام دولتهم ضمن وثيقة موحدة يتبناها جميع علماء المسلمين في روسيا ، و بمساهمة من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بوصفها ” وثيقة فقه المسلمين في روسيا ” ، وذلك في مؤتمر ينظم في موسكو برعاية الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين تحت عنوان : (الفكر الإسلامي الاجتماعي لمسلمي روسيا) يحضره جميع رؤساء الإدارات الدينية في روسيا الاتحادية ؛ والعلماء ؛ والشباب والمهتمين .
2ـ الدعوة إلى مؤتمر كبير في موسكو برعاية الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يحضره جميع رؤساء الادارات الدينية في روسيا الاتحادية ؛ والعلماء ؛ والشباب ؛ والمهتمين لبحث وإعداد دراسة واقتراح لتنظيم إنشاء مجمع فقهي في روسيا الاتحادية يضم مجموعة مختارة من علماء المسلمين من داخل روسيا وخارجها، ليكون مُلتقىً علمياً تُناقَشُ فيه القضايا ، والمسائل الفقهية التي تهم مسلمي روسيا الاتحادية ، ويقوم بمهمة تأهيل علماء في الفقه والتشريع الإسلامي والفتوى .
هذا والله أعلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وقد حظي هذا البيان بتأييد ودعم كل من فضيلة الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ، الشيخ أ.د. علي محيي الدين القره داغي ، وسماحة مفتي جمهورية داغستان أحمد حاجي عبد اللايف ، وسماحة مفتي جمهورية تتارستان الشيخ كامل سميع الله ، وسماحة مفتي جمهورية الشيشان سلطان حاجي ميرزاييف ، وسماحة مفتي جمهورية انغوشيا عيسى حاجي خامخويف ، وسماحة مفتي جمهورية اوسيتيا الشمالية (ألانيا) حاجي مراد كاتسالوف ، وسماحة مفتي مقاطعة ستافروبول محمد حاجي رحيموف حيث وقعوا جميعا عليه .