الحمد لله رب
العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين، وبعد

فيعقد الاتحاد
العالمي لعلماء المسلمين اجتماع مكتبه التنفيذي الأول لدورته الثالثة بالدوحة بحضور
أعضائه، ورؤساء اللجان، والامة تعيش تطورات متسارعة وتغييرات مهمة لم تشهد لها مثيلا
منذ سقوط الخلافة العثمانية متمثلة في انطلاق ثورات شعبية سلمية مطالبة بالحرية
والكرامة ورفض الظلم والاستبداد وحكم الفرد الواحد والحزب الواحد.

وهذه الثورات
الشعبية منها ما قد نجح وأزاح المستبدين وأصبح يتطلع الى بناء نظام جديد يقوم على
الحرية في الاختيار والتعددية والديمقراطية، في كل من تونس ومصر، في حين لازالت
بلاد أخرى تقاوم وتقدم التضحيات من الشهداء والجرحى والمعتقلين في كل من ليبيا
واليمن وسوريا، بينما يتململ معظم بلاد العرب الأخرى وتتحفز للثورة في الوقت
المناسب في بلاد أخرى.

وأمام هذه التحولات
والتطورات فإن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يرى أن من واجبه واستحضارا
لمسؤوليته في الجهر بكلمة الحق واسداء النصح الى الأمة حكاما ومحكومين، أن يبين ما
يلي:

أولا: فيما تعلق
بالشأن التونسي والمصري:

لقد تابع الاتحاد
من خلال رئيسه العلامة الشيخ يوسف القرضاوي وأمينه العام الشيخ الدكتور علي محيي
الدين القره داغي واعضاء قيادته، هاتين الثورتين العظيمتين بكل اهتمام، إذ أصدرعددا
من البيانات والتصريحات وألقى الخطب التي شدت بأزر الثائرين والوقوف مع الشعبين
والتاكيد على مشروعية حركتهما الاحتجاجية ومطالبهما العادلة في التغيير {
إِنَّ
اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ
}  [الرعد:11]، و تطلعهم الى حكم رشيد يتميز
بالحرية والتداول والعدالة الاجتماعية ومقاومة الفساد والظلم والمحافظة على ثوابت
الامة ودعم تحرير فلسطين.

وقد وفق الله هذين
الشعبين بنجاح ثورتيهما وازاحة الحكام الظلمة والانطلاق في عملية تفكيك آلة
الاستبداد والفساد التي بنيت على امتداد عقود وهذه العملية لا تقل صعوبة ومخاطر من
الثورة ذاتها وأمام هذه المتغيرات فإننا نؤكد على ما يلي:

        
ضرورة الانتباه
والحذر من كل محاولات الالتفاف والانقلاب على مطالب الثورة من قبل بقايا أنظمة
الاستبداد والفساد وأصحاب المصالح المستفيدين من استمرارية تلك الأنظمة وكذلك من
المخططات التي تحيكها بعض الدول التي غاظها وأربكها ما توصلت اليه هاتان الثورتان
وفي مقدمتها دولة العدو الصهيوني التي خسرت بنجاح هاتين الثورتين أهم حليفين لها
في المنطقة مبارك وبن علي {
مَّا يَوَدُّ
الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ
عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن
يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}
[البقرة:105]. {إِن تَمْسَسْكُمْ
حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن
تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا
يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}
[آل عمران:120].

        
كما ندعو كل أنصار
الثورتين والغيورين عليهما الى التحلي بالحكمة وعدم الاسستعجال في عملية الانتقال
والعمل على التوازن بين الضغط على القائمين على تسيير الأمور في كلا البلدين
والبقاء في حالة استعداد وانتباه وتعبئة للجماهير للدفاع عن مكاسب الثورتين وفي
المقابل عدم الانجرار الى الافراط في الضغط والتظاهر ونشر مظاهر الفوضى والاندفاع
الى طرح كل المطالب، السياسية والاجتماعية والاقتصادية دفعة واحدة، مما قد يهدد
أمن واستقرار البلدين، مع توصيتنا بالبقاء على حالة من اليقظة والحذر، والاستعداد
التام للتظاهر مرة أخرى إذا لم تتحقق مقاصد الثورة، وأهدافها.

        
ندعو الامة
الاسلامية جمعاء وبخاصة علماؤها وسياسيوها الى توعية الجماهير والتعبئة الدائمة
لقوى الشعب حتى الوصول الى تحقيق مقاصد الثورة واهدافها بالكامل

        
نؤكد أن أي عملية
تجديد أو تأسيس للدستور أو للقوانين المنظمة للحياة السياسية والاجتماعية عليها أن
تحترم الهوية العربية الاسلامية للشعوب وعدم مس ثوابت الامة بأي شكل من الأشكال
كما ندعو الى واجب استفتاء الشعبين على ما يسن من دساتير ومن خيارات استراتيجية
كبرى

        
ندعو الى دعم مصر وتونس
استثماريا وسياحيا حتى تحقق هاتان الثورتان أهدافهما ونخص بالذكر هنا ضرورة الدعم
الاستثماري من خلال بنوك وشركات واقامة مشروعات استثمارية وتشجيع المسلمين للسياحة
في مصر وتونس، وكذلك ندعو الجمعيات الخيرية لاقامة مشروعات خيرية في البلدين

ثانيا فيما تعلق
بالشأن الليبي:

لقد عانى الشعب
الليبي كغيره من بقية الشعوب العربية من الحكم الفردي والظلم والحيف الاجتماعي
وتفشي الفساد فعلى امتداد 42 سنة وهو يقاد من قبل حاكم واحد بيد من حديد حتى أصبح
يقدم ابنه كوجه مرشح لوراثته وكأن هذه البلاد وشعبها ملك شخصي له ولأسرته. في ظل هذه
الأوضاع وتأثرا بنجاح الثورة التونسية والثورة المصرية من حوله قام هذا الشعب وثار
ضد هذا المستبد وهذه الاسرة المتسلطة على رقابه طيلة هذه العقود الأربع، وكان الإتحاد
قد أصدر أكثر من بيان منذ انطلاق ثورة هذا الشعب المباركة وهو اليوم يعيد التأكيد
على النقاط التالية:

        
 الإدانة الكاملة لما
تقوم به كتائب القذافي والمرتزقة التابعة له من ممارسات وسلوكيات
إجرامية تستبيح دماء الشعب وممتلكاته وحرماته، مما لا
يقوم به عادة إلا المستعمرون،
من قتل وترويع للمواطنين الآمنين،

        
تأكيد الطابع
الشعبي السلمي
ّ للثورة الليبية حتى وإن تحولت إلى ثورة مسلحةLinkedInPin