التعريف بالعنوان :


الشائع استعمال عقد الإجارة على الأشخاص ، وهناك مصطلح آخر يستعمله الفقهاء ،وهو عقد إجارة الأشخاص ، أو عقد الإجارة على العمل ، أو على منافع الأشخاص .


  والمصطلحات الثلاثة وإن كانت صحيحة ، ولكن الأدق منها هو الأخير ، وهو عقد الإجارة على العمل أو منفعة الشخص وأن التحقيق أن العمل هنا هو منفعة الشخص ، إذ أن عقد الإجارة لا يرد على الشخص بذاته ، وإنما يرد على عمله ، وهذا هو رأي جمهور الفقهاء الحنفية والمالية وأكثر الشافعية ، والحنابلة [1] في حين ذهب بعض الشافعية إلى أن محل عقد الإجارة هو العين نفسها ، لأن المنافع معدومة[2] ، وذهب ابن تيمية ، وابن القيم إلى أنها ترد على الأعيان المتجددة كلبن المرضعة[3] .


 


الكراء والإجارة :


  ومن حانب آخر فإن الإجارة على عمل الأشخاص هو أحد نوعي الإجارة عند جمهور الفقهاء[4] في حين خصص المالكية لفظ الإجارة للإجارة على عمل الأشخاص ، وعبروا عن الإجارة الواردة على الأعيان بالكراء ، فقالوا :  الإجارة تطلق على منافع من يعقل ، وأن الكراء يطلق على العقد الوارد على من لا يعقل ، ونحن هنا نختار هذا العنوان ، وهو عقد الإجارة على عمل أو منافع الأشخاص ، ونعرف بكلماته الأربع :  


 


التعريف بالعقد :


لغة : بمعني الشدّ والربط ، والعهد ونحوها[5] .


وفي الاصطلاح : له معنيان عام وخاص ، بمعناه العام : هو كل تعهد يلتزم به الإنسان سواء أكان له مقابل أم لا وسواء أكان التزاماً دنيوياً أم دينياً ، وهذا ما فسر به قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) [6] أي العهود والواجبات كلها .


أما معناه الخاص : فهو الالتزام الناشئ عن ارتباط الإيجاب بالقبول[7] .


 


التعريف بالإجارة :


لغة : الإجارة ( بالكسر وهو المشهور ، وجاز فيها الضم والفتح ) اسم للأجرة ، وهي عوض المنفعة والعمل ، ونقل عن المبرد أنها مصدر أجر إجاراً ، وإجارة[8] .


وفي الاصطلاح الفقهي خصصها المالكية بالعقد الوادر على منافع الإنسان ، أما العقد الوارد على الحيوان والدور والسفن فيسمونه : الكراء[9] ، وأما الجمهور فيقولون هي : عقد وارد على تمليك منفعة سواء كانت للأعيان ، أم للأشخاص[10] .


 


التعريف بالعمل والمنفعة :


العمل لغة : هو الفعل[11] … والمراد بها هنا هو الفعل الصادر من الإنسان ، سواء كان من أعمال الجوارح ، أم اللسان ، ويدخل فيه العمل الذهني والفكري الذي يخرج من دائرة الذهن إلى دائرة القول ، أو الكتابة .


والمنفعة لغة : هي كل ما ينفع به ويستفاد منه ، وجمعها : منافع ، والنفع : الخير ، وما يتوصل به الإنسان إلى مطلوبه[12] .


 


التعريف بالأشخاص :


 الأشخاص جمع شخص ، وهو في حقيقته هو الإنسان وحده ، ولكن اليوم يطلق عليه وعلى الشخص المعنوي ، حيث اعترفت القوانين المعاصرة بالشخصية الاعتبارية للشركات والمؤسسات ، وأثبتت لها ذمة مالية مستقلة عن ذمم الشركاء والمسؤولين ، وكذلك  اعترف بها الفقهاء المعاصرون والمجامع الفقهية[13] ، وبالتالي فإن المراد بالأشخاص هنا ، وفي بقية العقود هي الأشخاص الطبيعيون ، والأشخاص المعنويون  ( الاعتباريون ، والقانونيون ) وحينئذ يجوز التعامل مع الشركات التي لها شخصية معنوية بعقد الإجارة ، ويمثلها أحد الأشخاص الطبيعيين ، ولذلك فكل ما نذكره في هذا البحث يشمل النوعين إلاّ ما يخص الإنسان ، ولا يتجاوزه إلى الشخص المعنوي مثل ما يخص عوارض الأهلية ونحوه .


 


الخلاصة مع المقارنة بالقانون :


  إن المراد بعقد الإجارة على عمل الأشخاص في الفقه الإسلامي هو التزام صادر ، هو العقد الوارد على منفعة شخص في مقابل أجر معلوم .


  وهو في تطبيقاته المعاصرة يشمل تقديم الخدمات الطبية ، والتعليمية ، ونحوها لمن يحتاج إليها عن طريق التمويل بالمرابحة في المنافع .


  وأما القوانين فتطلق على هذا العقد عقد العمل ، أو نظام العمل في النظام السعودي ، حيث عرفه بأنه : عقد مبرم بين صاحب العمل ، وعامل ، يتعهد الأخير بموجبه ان يعمل تحت إدارة صاحب العمل ، أو إشرافه مقابل أجر ،ويتضمن شروط العمل المتفق عليها بينهما ، وذلك لمدة محددة ، أو غير محددة ، أو من أجل القيام بعمل معين[14] .


  وهذا الاختلاف في المسمى لدى القوانين ، وما ذكرناه من تخصيص المالكية الإجارة لعمل الإنسان يدخل ضمن الاختلاف في المصطلحات التي لا مشاحة فيها ، وإن كانت التسمية الفقهية أدق ، وذلك لأن لفظ ( العمل ) أعمّ من العمل الخاص بعقد إجارة الأشخاص ، وأن العامل في الاصطلاح الشرعي يطلق على المشرف على جمع الزكاة فقال تعالى : ( ..وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا ….) [15] وعلى جميع الأعمال الشاملة للدنيا والآخرة ، وعلى المضارب ، والعامل في المساقاة ، والمزارعة ، ولذلك فالأجير أدق من العامل .


اعلى الصفحة


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


([1]) يراجع لتفصيل هذه المسألة لدى الفقهاء : حاشية ابن عابدين ( 6/54) ودرر الحكام (1/381) وبلغة السالك (2/365) وفتح القدير بهامش المجموع (12/181) والمغني لابن قدامة (2/333)  


([2]) فتح العزيز ( 12/181)


([3]) مجموع الفتاوى لابن تيمية (20/551) و إعلام الموقعين (1/454)  ويراجع : د.شرف بن علي الشريف : الإجارة على عمل الأشخاص ط. دار الشروق السعودية 1400هـ ص 47-50


([4]) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ط. مؤسسة التأربخ العربي (4/31) وحاشية الدسوقي (4/81) وحاشية القليوبي وعميرة على المحلى (3/81) والمغني مع الشرح الكبير (6/41)


([5]) يراجع : القاموس المحيط ، ولسان العرب ، والمعجم الوسيط مادة ( عقد )


([6]) سورة المائدة / الآية 1 ويراجع : تفسير الطبري


([7]) يراجع لمزيد من التفصيل : رسالتنا الدكتوراه ط.دار البشائر الإسلامية / بيروت (1/11-134) ومصادره  المعتمدة


([8]) يراجع : القاموس المحيط ، ولسان العرب ، والمعجم الوسيط مادة ( أجر  )


([9]) حاشية الدسوقي (4/2)


([10]) يراجع : كشف الحقائق (2/151) وحاشية ابن عابدين (5/2) والأم (3/250) والمغني لابن قدامة


([11])  يراجع : القاموس المحيط ، ولسان العرب ، والمعجم الوسيط مادة ( عمل )


([12]) المصادر السابقة ، مادة ( نفع )


([13]) يراجع للشخصية المعنوية : د. السنهوري : الوسيط ط. دا رالنهضة بالقاهرة (5/196) ، ود. علي القره داغي : مبدأ الرضا في العقود (1/349-358) ومصادره المعتمدة 


([14]) الوسيط للنسهوري ، ونظام العمل والعمال السعودي ص 23 ، مادة 70


([15]) سورة التوبة / الآية 60