الربا لغة : هو الزيادة مطلقاً ، قال الفيروز آبادي : ( ربا رَبُواً ، رباءً زاد ، ونما ، وربا الفرس رَبْواً انتفخ من عدو ، أو فزع ، والرابية : علاها)[1] .
قال ابن منظور : (ربا الشيء يربو ربواً ةرباءً زاد ، ونما وفي التنزيل : (ويربي الصدقات) ومنه أخذ الربا الحرام…وقد تكرر ذكره في الحديث ، والأصل فيه الزيادة من ربا المال إذا زاد وارتفع ، والاسم الربا مقصور ، وهو في الشرع : الزيادة على أصل المال من غير عقد تابع…)[2] .
وقد ذكر المعجم الوسيط أن الربا هو الزيادة والنمو ، الطول ، والانتفاخ ، والعلو ، فقال : (الربا هو الفضل والزيادة ، وفي الشرع : فضل خال عن عوض شرط لأحد المتعاقدين ، وفي علم الاقتصاد : المبلغ يؤديه المقترض زيادة على ما اقترض تبعاً لشروط خاصة)[3] .
ذكرنا هذه النقول للرد على بعض من غير المتخصصين في الفقه الإسلامي الذين يستندون على اللغة لاثبات أن الربا هو الأضعاف المضاعفة ، فالربا في اللغة هو الزيادة مطلقاً ، حتى ولو كان معناه الزيادة المضاعفة فإن الاصطلاح اللغوي ليس حجة على الاصطلاح الشرعي ، فالصلاة في اللغة دعاء ، فهل الصلاة الشرعية مجرد دعاء ، وغنما هيئته خاصة بشروطها وضوابطها ، يقول الجصاص : (فثبت بذلك أن الربا قد صار اسماً شرعياً ، لأنه لو كان باقياً على حكمه في أصل اللغة لما خفي على عمر ؛ لنه كان عالماً بأسماء اللغة ؛ لأنه من أهلها)[4] ، واما لاستناد إلى قوله تعالى (..لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة)[5] فسنرد عليه فيما بعد إن شاء الله تعالى .
الربا في الاصطلاح الشرعي هو نوعان :
1 ـ ربا الديون : وهو الزيادة المالية في الدين أو القرض في مقابل الزمن سواء فرضت هذه الزيادة في البداية ، أو فيما بعد[6] .
وقد كان الجاهليون يفعلون كذلك ، فيفرضون الزيادة عند القرض بنسب متفاوتة حسب الاتفاق ، أو بمبلغ مقطوع زائد على أصل القرض كأن يكون القرض مائة دينار ، فيتفقون على استرجاع مبلغ مائة وعشرة دنانير بعد عام ، وهكذا .
وفي بعض الأحيان يعطون القرض في البداية دون زيادة ، أو يبيعون سلعة بمبلغ مؤجل ، ثم حينما يحين موعد سداد القرض أو الدين يقولون للمدين : (أما أن تقضي أو تربي) فيتفق معهم على الزيادة في المال مقابل تأجيل آخر .
يقول الجصاص : (والربا الذي كانت العرب تعرفه وتفعله إنما كان قرض الدراهم والدنانير إلى أجل بزيادة على مقدار ما استقرض على ما يتراضون به ولم يكونوا يعرفون البيع بالنقد وإذا كان متفاضلاً من جنس واحد هذا كان المتعارف المشهور بينهم)[7].
2 ـ ربا البيوع وهو نوعان أيضاً :
أ ـ ربا الفضل الذي هو بيع الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، والبر (أي القمح) بالبر ، والشعير بالشعير ، والملح بالملح مع زيادة .
ب ـ البيع السابق ولكن مع عدم تحقق القبض في المجلس ، للأحاديث الثابتة الدالة على حرمة هذين النوعين ، منها حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح مثلاً بمثل ، يداً بيد ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى ، الآخذ والمعطي سواء)[8] .
ومنها حديث نافع المتفق عليه مرفوعاً بلفظ : (لا تبيعوا الذهب بالذهب إلاّ مثلاً بمثل ، ولا تشفُّوا بعضها على بعض ، ولا تبيعوا الوَرِق بالوَرِق إلاّ مثلاً بمثل ولا تشفُّوا بعضها على بعض ، ولا تبيعوا غائباً منها بناجز)[9] .
ومنها حديث ابن عمر بلفظ : (سمعت عمر بن الخطاب يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الذهب بالذهب وزناً بوزن ، فمن زاد فهو ربا ) قال ابن عمر : إن كنت في شك ؟ فَسَلْ أبا سيعد الخدري عن ذلك ، فسأله السائل فأخبره انه سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم )[10] ، ومنها حديث معمر بن عبدالله : أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام بالطعام إلاّ مثلاً بمثل) [11].
وقد قاس جماهير الفقهاء على هذه الستة ما يتفق معها في العلة على تفصيل ليس هذا مكانه ، والذي يهمنا للتفصيل فيه في هذا المبحث هو ربا النسيئة ، أو ربا الديون.
الربا في الاقتصاد المعاصر :
لا يختلف الربا أبداً في الاقتصاد المعاصر عن ربا النسيئة أو ربا الديون الذي ذكره القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة ، فالربا في عرف الاقتصاديين هو : الزيادة التي يشترطها الدائن على المدين لرأس المال في مقابل الأجل [12].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1])) القاموس المحيط ، ط.المؤسسة ص 1659
[2])) لسان العرب (18/1573) ط.دار المعارف
[3])) المعجم الوسيط (1/326) ط.قطر
[4])) أحكام القرآن للجصاص الرازي ت 370هـ ، ط.دار الفكر (1/464)
[5])) سورة آل عمران/ الآية (130)
[6]))
[7])) أحكام القرآن للجصاص الرازي ت 370هـ ، ط.دار الفكر (1/465)
[8])) رواه مسلم في صحيحه بهذا السياق (5/44) والنسائي (2/222) والبيهقي (5/278) وأحمد(3/49,50،66،67،97 )
[9])) رواه البخاري (2/31) ومسلم (5/42) ومالك (2/632) والنسائي (2/222) والترمذي (1/234) وأحمد (3/4،51، 61) ويراجع للمزيد : إرواء الغليل للألباني (5/189)
[10])) رواه الطحاوي (2/234) والطبراني في المعجم الكبير (1/5/1) وانظر : إرواء الغليل (5/190) حيث حسنه
[11])) رواه مسلم في صحيحه (5/47) وأحمد (6/400،401) والبيهقي (5/283،285)
[12])) يراجع : د. عيسى عبده : الربا ، ودوره في استغلال موارد الشعوب ، ط.دار الفضيلة ص 9