بسم الله الرحمن الرحيم

 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد ، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين .


وبعد :


 فإن الله تعالى قد اكمل هذا الدين وجعله خاتماً ، ثم تكفل بحفظه قرأنا وقراءة ، وبياناً لأحكامه ، فقال تعالى : (لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرأنه فإذا قرأناه فاتبع قرأنه)[1] ، وقال تعالى : (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)[2] .


 وقد مضى على نزول القرآن الكريم إلى اليوم أكثر من أربعة عشر قرناً واجه فيها أمماً وحضارات ، وظروفاً صعبة ، ومتغيرات ، ومحاولات مستميتة من قبل أعداء الإسلام لتحريفه وتغيير أحكامه وثوابته تحت نختلف الأسماء والادعاءات والمبررات ، وظهور الفرق الهدامة ، والمذاهب المنحرفة تحت مختلف المسميات مستهدفة النيل من الإسلام وعقيدة وشريعة ومنهج حياة ، أو على الأقل تغيير بعض ثوابته في أي مجال من مجالاة الحياة ، ومع ذلك ظل الإسلام محفوظاً غضاً طرياً كأنه اليوم أنزل ، وهذا ما يعترف به الجميع ، حيث أثبت الدكتور موريس بوكاي أن: (القرآن الكريم هو الوثيقة السماوية الوحيدة التي لم تصل إليها يد التحريف والتبديل)[3] .


 وبما أن القرآن محفوظ لا يستطيع أحد النيل منه بالتحريف والتغيير في ألفاظه ومبانيه ، لذلك اتجه الأعداء إلى النيل من أحكامه ومعانيه ، والهجمة على السنة النبوية رواية ودراية ، ومع ذلك حمى الله دينه حتى من هذا الجانب الحكمي ، فلم تجتمع الأمة الإسلامية على ضلالة أبداً ، بل ظلت الأمة الإسلامية في عمومها وغالبها على الحق حتى ولو لم تطبقه بعض الدول الإسلامية ، فالأمة الإسلامية ظلت تعلم الحق من الباطل ، والصحيح من الباطل


 ودلت التجارب على أن هذه المحاولات قد ذهبت أدراج الرياح تطبيقاً لقوله تعالى : (فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)[4] .


 وقد أدرك الأعداء أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي لم ينله التحريف ، ولم يمسه التبديل ، وهذا ما قاله صموئيل هنتجون في مقالة له في (واشنطون بوست) قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 حيث بيّن بأن جميع الأديان قد جعلت متأثرة بالعلمنة إلاّ الإسلام الذي ظل بعيداً عن هذا التأثير ، ولذلك يجب علينا جميعاً العمل الجاد لعلمنة الإسلام!!!!! .


 ففي مجال الربا قد حرّفت التوراة حيث خصصت حرمة الربا على الربايين اليهود فقط حيث نص الاصحاح 23 من سفر التثنية على أنه : (لا تقرض أخاك بربا ، ربا فضة ، أو ربا طعام ، او ربا شيء مما يقرض بربا ، للأجنبي تقرض بربا) وقد ذكر القرآن الكريم من أسباب لعنة اليهود هو : (أخذهم الربا وقد نهوا عنه)[5] .


 وأما النصرانية فقد حرمت الربا مطلقاً حيث نص إنجيل لوقا في الاصحاح السادس على أنه : (وإن أقرضتم الذين ترجون أن تستردوا منهم ، فأي فضل لكم ، فإن الخطاة أيضاً يقرضون الخطاة لكي يستردوا منهم المثل ، بل أحبوا أعداءكم ، وأحسنوا ، وأقرضوا وأنتم لا ترجون شيئاً….) وقد انعقد اجماع رجال الكنائس على أن هذه التعاليم والتوجيهات من السيد المسيح تعتبر تحريماً صريحاً قاطعاً للربا ونهياً عن التعامل فيه ، يقول سكويار  : ( إن من يقول : إن الربا ليس معصية يعد ملحداً خارجاً عن الدين) وقال الأب يوني : (إن المرابين يفقدون شرفهم في الحياة الدنيا وليسوا أهلاً للتكفين بعد موتهم )[6]. 


 غير ان هذه الأحكام قد ضعف الالتزام بها في القرن السادس عشر الميلادي إثر الانتقادات الموجهة إليها من قبل الرأسماليين والليبراليين ؛ ولكن الذي جرأ الناس على اخذ الربا هو إقدام لويس الرابع عشر على الاقتراض بالربا لتسديد ثمن بضاعة عام 1662م [7].


 غير انه مع ذلك لم يصبح الربا مشروعاً بين النصارى في الغرب إلاّ بعد أن أفتى مجمع انتشار الإيمان المقدس في روما بجواز أخذ ربح في مقابلة الخطر ممن فقد أصل المال ، ثم أثبت أينوشيدس العاشر هذه الفتوة عام 1645م واستثنى من ذلك قرض الفقير ، لأنه يلزم إقراضه من باب الوصية [8].


 وفي انجلترا كان الربا محرماً وجريمة يعاقب عليها المرابي في تشريع 1341م ، وتشريع 1363م ، وتشريع 1391م ، ولقد أمر ادوارد الأول في 1275م بالقبض على جميع يهود انجلترا ومصادرة أموالهم وشنق 280منهم في لندن[9] ، ثم تغيرت الأمور بسبب ضغوط العوامل الاقتصادية والسياسية التي أدت إلى إباحته .


 وحتى إن رائد الإصلاح المسيحي الزعيم لوثر نادى بتحريم الربا والفائدة وشنّ حرباً شعواء على المرابين [10].


 وأخوف ما أخاف أن تكون هذه المحاولات المستميتة لتحليل الفوائد الربوية جزءاً من هذه الخطة الخطيرة ـ بحسن نية أو سوء قصد ـ لعلمنة الإسلام وتغيير برامجه وثوابته ليلتحق بقية الأديان التي نالها كثير من التحريف والتبديل ، ولكن الله سبحانه تكفل بحفظ دينه الخاتم فيرد كيدهم في نحورهم ويعيد أصحاب النية الحسنة إلى الحق والطريق المستقيم ، وهو حسبنا ومولانا فنعم المولى ونعم النصير (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) .


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 


[1])) سورة القيامة / الآية (16)


[2])) سورة الحجر / الآية (9)


[3])) التوراة  والانجيل والقرآن والعلم ، ط.دار المعارف عام 1981


[4])) سورة الرعد / الآية (17)


[5]))  سورة النساء / الآية (161)


[6])) انظر : الدكتور محمد عبدالله دراز : الربا في نظر القانون الإسلامي ، مجلة الأزهر ، المجلد 23 ص 13 حيث نقل ذلك عن مصادر أصلية .


[7])) د. ثروت أنيس الأسيوطي : الصراع الطبقي وقانون التجار ، ط. دار النهضة العربية ص 54 ، ود. علاء الدين خروفة : عقد القرض في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي ، ط.مؤسسة نوفل  ص 200


[8])) د. محمد عبدالله دراز : المرجع السابق ص 13


[9])) د. ثروت : المرجع السابق ص 101


[10])) الأستاذ عباس العقاد : حقائق الإسلام وأباطيل خصومه  ،ط .دار الكتاب العربي ببيروت ص 174- 176


  اعلى الصفحة