يقصد بهذا العنوان العلاقة بين وجوب الدية ، والتعويضات الأخرى أمران أساسيان هما :




  1. التداخل بين الديات المقدرة ، والأروش ، وحكومة العدل



  2. التداخل بين الديات المقدرة والتعويضات المدنية الأخرى سواء كان التعويض مادياً أم معنوياً .


وسنتحدث عن هذين الموضوعين بإيجاز شديد


أولاً ـ التداخل بين الديات المقدرة ، والأروش ، وحكومة العدل :  


  فالدية هي المال المقدر بسبب جناية على النفس ، أو ما دونها يسقط فيها القصاص .


 وهي بهذا التعريف تشمل المال الواجب بسبب الجناية على النفس ، أو ما دونها ، وهذا رأي الحنفية[1] ، والحنابلة[2] ، والأظهر في مذهب الحنفية[3] ورجحه بعض المالكية[4] ، وأما معظم المالكية[5] ، ومعظم الحنفية[6] خصصوا الدية بما يقابل النفس .


والذي يظهر لي رجحانه هو رأي الجمهور ، إذ لا دليل على تخصيصه بالنفس .


  وعلى ضوء ذلك فالأرش هو المال المقدر الواجب في الجناية على ما دون النفس فيكون أخص من الدية ، ولكن جماعة من الفقهاء أطلقوه على بدل النفس أيضاً و حينئذ يكونان مترادفين.


  وأما حكومة العدل فهي المال الذي يقدره القاضي أو المحكم في جناية ليس فيها مقدار معين من المال ، وحينئذ تختلف تماماً عن الدية والأرش من حيث إنهما يطلقان على مال مقدر معين من الشرع ، فتكون العلاقة التباين حسب اصطلاح المناطقة.


  ونحن لا ندخل في تفاصيل وأحكام هذه المصطلحات الثلاثة التي لا يسع لها هذا البحث ، وإنما نتحدث عن التداخل فيما بينها ، بأن تكون جناية أحدثت دية كاملة ، ومع ذلك أحدثت ما يوجب الأرش ، وما يوجب حكومة العدل ،  وذلك بأن قام شخص بقطع رِجْل شخص ، ثم قتله أو سرى إلى قتله ، أو قام بقطع رجله ، وإحداث جرح ليس فيه دية ، ولا أرش وإنما يوجب حكومة ثم قتله ، أو سرى إلى قتله ، أو قام بإحداث جرح لا يوجب دية ولا أرشاً ولكن يوجب حكومة عدل ، ثم قطع العضو فوجبت عليه دية هذا العضو كاملة ، أو سرى الجرح إلى تلف العضو تلفاً كلياً .


  ففي هذه الحالات هل نقول بالتداخل أي بأن يدخل الأقل في الأكثر، وبالتالي فيكتفى بدية النفس فقط ؟ أو العضو فقط ؟ أم نقول بعدم التداخل فتؤخذ هذه الديات كلها مع قطع النظر عن النتيجة ؟


وقبل أن أجيب عن هذه الأسئلة أذكر ما ذكره الفقهاء في هذا المجال لأصل إلى ما هو الراجح من أقوالهم .


  فقد تطرق الحنفية إلى موضوع التداخل بالتفصيل حتى ذكر ابن نجيم ست عشرة صورة[7] ، لا يسع المجال لذكرها وخلاصتها أن الحنفية يقولون : بأن الجنايات على النفس والأطراف إذا تعددت كما لو قطع عضواً من أعضائه ، ثم قتله ، فإنها لا تتداخل إلاّ في  حالة اجتماع جنايتين على واحد ولم يتخللهما برء[8] .


  وأما المالكية فيقولون بالتداخل : إذا كانت الجناية عمداً وقتل فيها الجاني حيث يكتفى بقتله ، ولا يجب عليه شيء آخر حتى لو قطع يد شخص آخر ، فلا تقطع يده إلاّ إذا قصد الجاني عليه بجنايته على الطرف مثلة فحينئذ فلا يندرج الطرف في القتل حيث يقتص من الطرف ثم يقتل .


  أما إذا لم يتعمد الجاني الجناية على الطرف فإنها لا تندرج في الجناية على النفس ، كما لو قطع يد شخص خطأ ، ثم قتله عمداً وعدواناً ، فإنه يقتل به ، ودية اليد على عاقلته[9] .


  وقد لخص الإمام النووي مذهب الشافعية فقال : (فيجوز أن تجتمع في شخص ديات كثيرة، بأن تزال منه أعضاء ومنافع، ولا يسري إلى النفس، بل تندمل، وهذا بيان الديات. الاذنان، أو إبطال إحساسهما، العينان أو البصر، الاجفان، المارن، الشفتان، اللسان أو النطق، الاسنان، اللحيان، اليدان، الرجلان، الذكر، الانثيان أو الحلمتان والشفران، الاليان، العقل، السمع، الشم، الصوت، الذوق، المضغ، الامناء أو الاحبال، إبطال لذة الجماع، إبطال لذة الطعام، الافضاء في المرأة، البطش، المشي، وقد يضاف إليها المواضح وسائر الشجات، والجوائف والحكومات، فيجتمع شئ كثير لا ينحصر، فإذا اندملت هذه الجراحات، وجب جميع هذه الديات، وإن سرت فمات منها، وجب دية واحدة بلا خلاف، ولو عاد الجاني، فحز رقبة المجروح. أو قده نصفين، فإن كان ذلك بعد الاندمال، وجبت دية الاطراف ودية النفس لاستقرار دية الاطراف بالاندمال، وإن كان قبل الاندمال، فوجهان، الاصح المنصوص: أنه لا يجب إلا دية النفس، كالسراية، والثاني خرجه ابن سريج، وبه قال الاصطخري، واختاره الامام: تجب ديات الاطراف مع دية النفس، هذا إذا اتفقت الجناية على النفس والاطراف في العمد أو الخطإ، فأما إذا كانت إحداهما عمدا، والاخرى خطأ، وقلنا بالتداخل عند الاتفاق، فهنا وجهان، أحدهما: التداخل أيضا، وأصحهما: لا، لاختلافهما واختلاف من يجنيان عليه، فلو قطع يده خطأ، ثم حز رقبته قبل الاندمال عمدا، فللولي قتله قصاصا وليس له قطع يده، فإن قتله قصاصا، فإن قلنا بالتداخل، وجعلنا الحكم للنفس، فلا شئ له من الدية، وإن قلنا: لا تداخل، أخذ نصف الدية من العاقلة لليد، وإن عفا عن القصاص، فإن قلنا بالتداخل، فوجهان، أحدهما: يجب دية نصفها مخففة على العاقلة، ونصفها مغلظة على الجاني، وينسب هذا إلى النص، وأصحهما وبه قطع البغوي: يجب دية مغلظة على الجاني، لان معنى التداخل إسقاط بدل الطرف والاقتصار على بدل النفس لمصير الجناية نفسا، وإن قلنا: لا تداخل، وجب نصف دية مخففة على العاقلة، ودية مغلظة عليه، وإن قطع يده عمدا، ثم حز رقبته خطأ قبل الاندمال، فللولي قطع يده، وإذا قطعها إن قلنا بالتداخل، فله نصف الدية المخففة، لانه أخذ بالقطع نصف بدل النفس، وإن قلنا: لا تداخل، فله كمال الدية المخففة، وإن عفا عن القطع، فإن قلنا بالتداخل، فعلى الوجهين، على النص يجب نصف دية مخففة، ونصف مغلظة لليد، وعلى الآخر دية مخففة للنفس، قال الامام: ولو قطع يديه ورجليه أو أصبعه عمدا، ثم حز رقبته قبل الاندمال خطأ أو بالعكس، وقلنا: تراعى صفة الجنايتين على القول بالتداخل، تنصفت تخفيفا وتغليظا، ولا نظر إلى أقدار أروش الاطراف، لان الحكم بالتداخل مبني على أن الحز بعد قطع الاطراف كسراية الاطراف، فكان الحز مع الجراحات السابقة، كجراحات مؤثرة في الزهوق انقسمت عمدا وخطأ، وحينئذ تتنصف الدية تخفيفا وتغليظا ولا نظر إلى أقدار الاروش )[10] .


  والحنابلة يقولون : بأن الجاني إذا قتل فلا شيء عليه ، أما إذا لم يقتل ، ففيه خلاف ، يقول ابن قدامة : ( الحال الثاني‏:‏ أن يصير الأمر إلى الدية‏,‏ إما بعفو الولي أو كون الفعل خطأ أو شبه عمد‏,‏ أو غير ذلك فالواجب دية واحدة وهذا ظاهر مذهب الشافعي وقال بعضهم‏:‏ تجب دية الأطراف المقطوعة ودية النفس لأنه لما قطع بسراية الجرح بقتله صار كالمستقر فأشبه ما لو قتله غيره ولهذا لم يسقط القصاص فيه)[11] ويقول : (  قال‏:‏ ‏ ‏وإن كانت الجراح برأت قبل قتله فعلى المعفو عنه ثلاث ديات‏,‏ إلا أن يريدوا القود فيقيدوا ويأخذوا من ماله ديتين‏ أما إذا قطع يديه ورجليه فبرأت جراحه ثم قتله‏,‏ فقد استقر حكم القطع ولولي القتيل الخيار إن شاء عفا وأخذ ثلاث ديات دية لنفسه‏,‏ ودية ليديه ودية لرجليه وإن شاء قتله قصاصا بالقتل‏,‏ وأخذ ديتين لأطرافه وإن أحب قطع أطرافه الأربعة وأخذ دية لنفسه وإن أحب قطع يديه وأخذ ديتين لنفسه ورجليه وإن أحب قطع رجليه‏,‏ وأخذ ديتين لنفسه ويديه وإن أحب قطع طرفا واحدا وأخذ دية الباقي وإن أحب قطع ثلاثة أطراف وأخذ دية الباقي وكذلك سائر فروعها لأن حكم القطع استقر قبل القتل بالاندمال‏,‏ فلم يتغير حكمه بالقتل الحادث بعده كما لو قتله أجنبي ولا نعلم في هذا مخالفا‏)[12]  .


 


الخلاصة أن هناك خلافاً بين الفقهاء لا يسع المجال لذكر أدلة كل فريق مع المناقشة كما يقتضيه منهج الفقه المقارن ، ولكن الذي يظهر لنا رجحانه هو عدم التداخل بين الديات والأروش وحكومات العدل ، إلاّ في حالة سراية الجناية إلى ما هو أعلى ، مثل أن تسري جناية توجب حكومة إلى دية العضو نفسه قبل أن تندمل ، فحينئذ يكتفى بدية النفس .


  وكذلك إذا سرت جناية على طرف توجب ديته إلى موت الشخص نفسه ، وحينئذ يكتفى بدية النفس ، والسبب في ذلك أن الجناية واحدة وبالتالي فالعبرة بها وبمآلاتها .


  وأما فيما عدا ذلك فلا ينبغي القول بالتداخل وذلك لتعدد الجنايات ، الذي يقتضي تعدد الديات كلٌّ حسب نوعه .


  وأيضاً فإن الأصل هو كرامة الانسان وحرمة الاعتداء عليه ، ولذلك جعل الحفاظ على نفس الانسان وأعضائه من مقاصد الشريعة الضرورية ، ومن هنا فإن أي اعتداء على نفس الإنسان أو ما دونها لا يجوز أن يهدر ، لأنه يدخل في حقوق العباد التي يجب الحفاظ على كثيرها ، وقليلها ، في حين أن حقوق الله تعالى يمكن أن يطبق عليها التداخل .


  ومن جانب آخر فإنه يمكن قياس ذلك على الاعتداء على المال بطريق القياس الأولى ، حيث يجب الحفاظ على المال قليله وكثيره ، وأن أي اعتداء عليه بالاتلاف يوجب التعويض .


   ومن جهة أخرى ان الحكمة في إيجاب الديات ترجع إلى أن إطفاء الألم والغيظ في نفس المجنى عليه ، وذويه ، فيه ترضية لهم ، في مقابل حق الانتقام الشخصي ، ولذلك فيها جانب من العقوبة الأصلية في حالة الخطأ ، أو شبه العمد عند من يقول به ، أو العقوبة التبعية كما في حالة العمد الواجب فيه القصاص ، كما أن الدية تعويض للآلام النفسية التي تصيب المجنى عليه[13] ، أو أسرته وورثته.


   فإذا كان الأمر كذلك فإن القول بالتداخل يترتب عليه عدم العدالة ، وعدم تحقيق هذه الحكم التي شرعت الديات والأروش وحكومة العدل لأجلها .


  ثم إن من قطعت أصابعه أولاً ، ثم قطعت يده كيف يتساوى مع من قطعت يده مرة واحدة من حيث الآلام والجريمة ؟ لا يستويان ، لذلك فإذا عفا المجنى عليه ورضي بالدية ، فيأخذ أولاً ديات الأصابع الخمس ، ثم دية اليد كاملة ، وكذلك من قطعت يده ، ثم قتل بطريق آخر ، وليس بالسراية ، ووجبت الدية ، فنرى أنه تجب دية اليد ، ثم دية النفس كاملة .


  ويدل على ذلك أيضاً أن دية النفس ليست تعويضاً كاملاً لنفس المجنى عليه ، ولا ثمناً لها بالاجماع ، يدل على ذلك اتفاق الفقهاء على أن من قطع يدي شخص ، فعليه دية كاملة ، ثم قطع رجليه فعليه دية ثانية ، وإذا قطع ذكره أيضاً فعليه دية ثالثة ، وإذا قطع الأنف فعليه دية رابعة ، وإذا قطع لسانه فعليه دية خامسة ، وكذلك القوي والمعانى ، فإذا أدت جنايته إلى تفويت معنى ، أو منفعة على الكمال ففيه دية كاملة ففي مثالنا هذا لو اعتدى على عينه ولم تتأثر عينه ولكن زالت قوتها ففيها دية سادسة ، وكذلك في إذهاب العقل دية كاملة ، وفي إذهاب قوة النطق دية كاملة ، وهكذا الأمر في قوة الذوق ، وقوة الشم ، وقوة السمع ، وقوة الجماع إذا سقط القصاص ، أو أساساً لم يجب إلاّ الديات[14] .


  وقد تحقق مثل هذا عندنا في قطر في الشركة الاسلامية القطرية للتأمين حيث إن أحد المشتركين في التأمين التكافلي قد ضرب بسيارته شخصاً باكستانياً أدى إلى الاضرار ببعض اطرافه ، وقواه ، فقضت المحكمة بأربع ديات كاملة مع أن الشخص قد عاش بعد ذلك .


  وقصدي من ذلك أن ما ذكرناه من الاجماع على توافر أربع ديات كاملة ، أو أكثر أو أقل في الحالات السابقة ، إن دل على شيء فإنما يدل على أن دية النفس ليست تعويضاً كاملاً عن الانسان ولا قيمة له ، وإلاّ قوّم بدية واحدة في جميع الأحوال .


  فإذا كان الأمر ذلك كذلك فيجب أن نمضي مع قاعدة عدم التداخل إلى آخرها إلاّ في حالة جناية واحدة سرت ـ كما شرحناه وبيناه ـ والله أعلم ..


 


 ثانياً  ـ التداخل بين الديات المقدرة والتعويضات المدنية الأخرى سواء كان التعويض مادياً أم معنوياً :


    المقصود بالتعويضات المدينة ، هي : ما يعبر عنها في القوانين المدنية بالمسؤولية المدنية التي يقوم أساسها على الضرر المادي في القوانين القديمة ، ولكن منذ العقود الأخيرة اعترفت معظم القوانين بالضرر المعنوي .


  والمقصود بالضرر المادي هو الضرر الذي يصيب سلامة الجسم ، وما له أثر في الذمة المالية للشخص المضرور ، ويتحدد بعجزه عن مواصلة حياته الطبيعية فيفوته كسب ، وتلحقه خسارة[15] .


  وأما الضرر المعنوي ( أو الأدبي ) فهو لا يمس مصلحة مادية أو مالية ، وإنما هو ضرر يصيب المضرور في عاطفته وشعوره ، ويدخل إلى قلبه الغم والحزن[16] .


   والسؤال الوارد هنا هو أنه في حالة الحكم بالديات ، أو الأروش ، أو حكومة عدل ، فهل يجوز للمضرور أو ورثته اللجوء للقضاء للمطالبة بالتعويض المدني عما أصابه ، أو أصاب ورثته ؟


  وقبل أن أجيب عن هذا السؤال ، أقول : انه لا ينبغي الخلط بين مبادئ القانون الوضعي في التعويض ، لأنها ليست قائمة على أسس دينية فرضت الديات ، كما أن الديات ليس من باب التعويضات المحضة وبين الشريعة الاسلامية التي فصلت القول في الديات والأروش..


  ومهما يكن من أمر فإننا نمهد للإجابة بالتمهيد الآتي فنقول : إن هناك فرقاً بين أن يكون الطلب بالتعويض لشيء فيه دية منصوص عليها بالاجماع ، وبين ما ليس فيه نص شرعي ثابت أو إجماع ، وكذلك فهناك فرق بين أن تكون المطالبة بالتعويض عن الشيء المعوض نفسه ، وبين أن تكون المطالبة بالتعويض عن الآثار التي ترتبت عن الضرر الأصلي .


إذن فالصور أربع نذكر حكمها بإيجاز :


 


 الصورة الأولى :


المطالبة بالتعويض لشيء فيه دية منصوص عليها مثل النفس والأطراف والقوى التي ثبتت الديات بالنص ، أو بالاجماع .


  ففي هذه الحالة لا يجوز الجمع بين الدية والتعويض شرعاً وفي معظم القوانين وأحكام النقض والتمييز في العالم الاسلامي ، أما شرعاً فلوجود النص أو الإجماع ، وحينئذ لا تجوز الزيادة على النص ، لأن هذه الزيادة بمثابة النسخ أو التخصيص بدون دليل معتبر[17] .


 وأما قانوناً فمما استقرت عليه محاكم النقض في مصر ، والأردن ، والعراق ، وسوريا ، وعمان ، وغيرها ، أنه لا يجوز الجمع بين دية النفس والتعويض ، فقد أقرت الهيئة العامة لتوحيد المبادئ بالمحكمة العليا ـ عمان ـ مبدأ عاماً بعدم جواز الجميع بين دية النفس ، وأي تعويض آخر ، وأن الدية تعد تعويضاً عن القتل الخطأ ، كما تعد عقوبة يقصد منها الزجر ، والردع ، وحماية النفس ، وذلك في جلستها المنعقدة يوم الثلاثاء الرابع من شهر يناير 2005 ، وذلك في الطعن رقم 200/2004 ، حيث نص المبدأ على أن الدية شرعاً وقانوناً هي المقابل المالي المقدر من قبل الشرع عملاً بمبدأ تكافوؤ الدم والنفس في الاسلام ….. ، وأن القتل الخطأ لا يستحق لخزانة الدولة ، بل تدخل في ذمة ورثة المجنى عليها ، ولهذا قال الفقهاء : إن في الدية إطفاء للألم والغيض في نفس ذوي المجنى عليه ، وتعويضاً للآلام النفسية التي تصيبهم ، وهي تشمل كافة التعويضات …. ومن ثم رأي الشرع تحديدها للآدمي تمييزاً له عن الأموال ، وقطعاً للطريق كما يقع من مغالاة في طلبها ، وأن عدم تغيير مقدار الدية من شخص لآخر يجعلها تتحد مع عناصر العقوبة الجنائية القائلة بالمساواة ، تحقيقاً للعدالة والمساواة بين جميع الناس أمام القانون ، كما أنه لا فرق في الدية بين كبير وغير قوي ، وضعيف ، لذلك ذهبت الشريعة الاسلامية إلى تحديد المقدار للنفس الذي  لا يقبل زيادة ، أو تعويضاً آخر ….. )[18]  .


   وهناك رأي لبعض القانونين يجيز الجمع بين التعويض المدني ، والدية ، وأعطوا الحق في المطالبة بالتعويض المدني كاملاً عن الضرر المادي والأدبي[19] ، وعلى هذا بعض قرارات محكمة الاستئناف المختلط بجواز الحكم بالتعويض عن الضرر المادي الذي يصيب من فقد العائل[20] .


 


 الصورة الثانية :


ما إذا كانت الجناية لم يرد في ديتها نص ثابت أو إجماع بتحديد ديته  ، مثل الحالات التي فيها حكومة العدل ، ففي هذه الحالة يجوز للقاضي أن يجتهد ، ويوسع دائرة التعويض لتشمل كل ما يحقق العدالة الكاملة مع ملاحظة كل الظروف المحيطة به من أضرار مباشرة ، وغير مباشرة ، مادية أو معنوية .


 


الصورة الثالثة :


المطالبة بالتعويض مع الدية للجناية نفسها ، فهنا لا يجمع بينهما كما سبق في الصورة الأولى.


 


الصورة الرابعة :


أن ترد المطالة بالتعويض على غير محل الدية نفسه ، وإن كانت واردة على الآثار الناتجة عن سبب الدية ، وذلك بأن يثبت الشخص المضرور بأنه قد أصابه ضرر آخر بسبب الجناية عليه التي ترتبت عليها الدية ، أو أن ورثة المجنى عليه قد أصابهم ضرر آخر بسبب فقدان معيلهم ، وهذا ما يسمى بالضرر المعنوي أو الأدبي ، وهذا محل خلاف بين علماء الشريعة المعاصرين ، وأهل القانون ، وهو موضوع مفصل توصلنا من خلال بحث لنا حوله إلى : أن الضرر المعنوي إذا كان مصاحباً لضرر مادي فإن القاضي له الحق في رعايته وتقديره مع الضرر المادي ، بل أرى ضرورة مراعاته وأما إن كان منفرداً فالذي يظهر لنا رجحانه اعتباره ولكن دون مبالغة كما يحدث في الغرب وإنما من خلال ميزان دقيق[21] .


 


 


هذا والله أعلم بالصواب 

وهو الهادي إلى سواء السبيل

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم 

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 


([1]) نهاية المحتاج ( 7/ 298 )


([2]) كشاف القناع (6/5) ومطالب أولى النهى (6/75)


([3])  تكملة فتح القدير (9/204 – 205)


([4])  حاشية العدوى على كفاية الطالب (3/237 – 238)


([5]) كفاية الطالب (2/237 – 238 )


([6])  اللباب شرح الكتاب (3/44)


([7]) الاشباه والنظائر لابن نجيم  ط. الهلال ص 134 وما بعدها


([8]) الاشباه والنظائر لابن نجيم ط. الهلال ص 134


([9]) جواهر الاكليل ط. دار المعرفة (2/265)


([10]) الروضة  ( 9 / 306-308)


([11]) المغني لابن قدامة (7/ 686)


([12]) المغني لابن قدامة (7/ 692)


([13])  د. أحمد فتحي بهنسي : الدية في الشريعة الاسلامية ط. مكتبة الانجلو المصرية 1357هـ ص 12


([14]) يراجع في ذلك : الموسوعة الفقهية الكويتية ، ومصادرها (21/ 64 – 82 )


([15]) يراجع للتفصيل : مصطفى مرعي : المسؤولية العقدية والتقصيرية في القانون المدني الجديد ، ط. دار الفكر الحديث / القاهرة 1973 ص 25 ، والدكتور السنهوري : الوسيط في شرح القانون المدني ط. دار إحياء التراث العربي 1973 (2/845) ود. أحمد شرف الدين : التعويضات عن الأضرار الجسدية ط. الحضارة العربية / القاهرة


([16])  يراجع لمزيد من التفصيل : د. سعدون العامري : التعويض عن الضرر في المسؤولية التقصيرية ، ط. بغداد 1981 ص 15 وما بعدها ، ود. مقدم السعيد : التعويض عن الضرر المعنوي في المسؤولية المدنية ط. دار الحداثة ، بيروت 1985م ص 25 وما بعدها ، ود. منذر الفضل : الضرر المعنوي ، وتعويضه في المسؤولية التقصيرية ، رسالة ماجستير ، كلية القانو ، جامعة بغداد 1989م ، ود. فاروق عبدالله البرخي : الضرر المعنوي وتعويضه في الفقه الاسلامي ، رسالة ماجستير بكلية الشريعة بجامعة بغداد 1992 ص 7 وما بعدها ، ود. علي محيى الدين القره داغي : الضرر المعنوي المذكور سابقاً .


LinkedInPin