تمهيد


  إن من مستجدات عصرنا اعتماد العالم كله على النقود الورقية في تعاملاتها والتزامها ، وفي رد الحقوق والالتزامات ، تاركاً النقود المعدنية ( الدنانير الذهبية ، والدراهم الفضية ) منذ أكثر من قرن ، بل قد ترك حتى الغطاء الذهبي منذ عام 1971، حينما تبرأت أمريكا عن هذا الغطاء ، وإنما تستمد هذه النقود قوتها من القانون والعرف .


  ولا مانع شرعاً من اعتبار النقود الورقية نقوداً لأن مبنى ذلك أعراف الناس ، فمتى اتفق الناس على جعل شيء مقياساً للقيم ، ومخزوناً للثروة ، ومعياراً للمدفوعات الآجلة فقد أصبح  نقداً معتبراً ، لأن العلة في النقدية هي الثمينة ، وأن التعليل بالثمنية تعليل بوصف مناسب ، يقول شيخ الاسلام ابن تيمية : ( والأظهر أن العلة في ذلك هو الثمنية ….. والتعليل بالثمنية تعليل بوصف مناسب ، لأن المقصود من الأثمان أن تكون معياراً للأموال ، يتوسل بها إلى معرفة مقادير الأموال ….. )[1] .


  وقبل الإمام ابن تيمية رحمه الله ، قال الإمام مالك رحمه الله  كلاماً رائداً ورائعاً حول الموضوع وهو : ( لو أن الناس أجازوا بينهم الجلود حتى تكون لها سكة وعين لكرهتها أن تباع بالذهب والورق نظرة )[2] بل إن الخليفة الراشد عمر رضي الله عنه فطن لذلك ، حيث همّ أن يتخذ النقود من جلود الإبل ، فقيل له : إذا لا بعير ، فأمسك[3] .


  وهذا الرأي قد اعتمده قديماً جماعة من الفقهاء ـ بالاضافة إلى  مالك وابن تيمية ـ  منهم محمد بن الحسن الشيباني ، والشافعية في قولهم الثاني ، والحنابلة في المعتمد . قالوا ذلك في وقت كانت النقود الشائعة تنحصر في الدنانير الذهبية والدراهم الفضية .


  وهذا ما أقرته المجامع الفقهية بدءاً من مجمع البحوث الاسلامية التابع للأزهر الشريف ، والمجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الاسلامي ، ومجمع الفقه الاسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الاسلامي[4] ، حيث جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي : قرار رقم 21(9/3) ما نصه : ( أولاً ـ بخصوص أحكام العملات الورقية  : أنها نقود اعتبارية ، فيها صفة الثمنية كاملة ، ولها الأحكام الشرعية المقررة للذهب والفضة من حيث أحكام الربا ، والزكاة ، والسلم ، وسائر أحكام ) .


  ولذلك لا عبرة بما يقوله بعض : من أن نقودنا الورقية ليست نقوداً يريد بذلك إباحة النظام البنكي القائم على الربا ، والا فيسأل هو نفسه : بأي شيء يتعامل في السوق ؟ يشتري ويبيع ؟ وبأي شيء تحدد مهور الزوجات والبنات والأخوات ؟ وبأي شيء تقوّم عروض التجارة في العالم كله ؟ وبأي شيء تتم ميزانيات الدول ، والشركات والمؤسسات ؟ بل إن قوله يؤدي إلى القول بأن العالم اليوم بدون نقود ولا أثمان ؟ فهذا القول يجافي الحق والحقيقية والواقع ، ويصطدم بالتطبيق في كل البلاد والعباد ؟!!!!  كما أنه لا يجوز قياس نقودنا الورقية على الفلوس وما جرى فيها من خلاف ، لأنها لم تكن نقوداً مستقلة أبداً ، وإنما كانت مساعدة لشراء بعض الأشياء البسيطة التافهة .


 والحق أن عملاتنا الورقية نقود اعتبارية ـ كما قال المجمع ـ لها صفة الثمنية كاملة ، وتطبق عليها أحكام الربا ، ونحوها من الأحكام الخاصة بالتعامل بالدنانير الذهبية والدراهم الفضية .


  هذا هو الأصل العام ، والمبدأ العام المعتبر ، والقاعدة الكلية المقررة ، فلا يجوز الاستثناء منها إلاّ بأدلة معتبرة ، وموجبات مؤيدة بمبدأ العدل ومقاصد الشريعة الغراء ، مثل حالات الانقطاع ، والكساد ، والتضخم ، والانكماش .


  ومن هنا فنحن نبحث ـ بإيجاز شديد ـ ثلاث حالات للمهمور  المسماة ونحوها عند الكساد ـ والانقطاع ، والتضخم أو الانكماش .


 


الحالة الأولى : حالة الكساد ، وهو أن تقوم الدولة بإلغاء النقود المتداولة ، وإحلال نقد آخر مكانها[5] .


  وذلك بأن حدد المهر بالروبية ، كما في الخليج أيام الاستعمار البريطاني ، ثم لما انتهى الاستعمار تبنت كل دولة عملتها الخاصة مثل الريال ، والدينار ، والدرهم ، أو كان المهر بالفرنك الفرنسي ، أو العملة الايطالية أو الهولندية أو الاسبانية ، أو بالجنيه الذهبي ، او الجنيه العادي كما هو الحال بالنسبة لمعظم بلادنا الاسلامية المستعمرة من قبل هذه الدول ، أو قامت الدولة نفسها بتغيير عملتها من حيث النوع ( من الفضة إلى الذهب أو بالعكس ) ، أو حتى الوزن والجودة ، كما كان في السابق .


  وقد تطرق الفقهاء إلى آثار الكساد على العقود والحقوق والالتزامات بالنسبة لنقودهم السائدة[6] على ثلاثة أقوال :


القول الأول : بطلان عقد البيع الذي تم مؤجلاً بهذا النقد الذي أبطل ، وأما غيره مما ترتبت على الذمة من قرض ومهر مؤجل فيجب رد المثل ، وهذا قول أبي حنيفة[7] .


القول الثاني : الرد بالمثل من الكاسد لا الجديد  مطلقاً ، وهذا رأي الأكثرية من الفقهاء[8] ولا يترتب على هذين القولين السابقين ظلم للدائن ، لأنهما في النقود المعدنية التي لها قيمة ذاتية سواء كانت دنانير ، أو دراهم ، ولذلك لا يمكن في نظري تنزيلها على نقودنا الورقية التي إذا ألغيت ذهبت كل قيمتها ، لأن قيمتها بقوة القانون والعرف ، وبالتالي فالقول برد النقد الملغي يترتب عليه ظلم كبير لا أعتقد أن أحداً من الفقهاء يقول به .


القول الثالث : الرد بالقيمة يوم الكساد ، وقال ابن عابدين : ( وهو المختار )[9] وهو رأي الحنابلة[10] .


 


الحالة الثانية : حالة الانقطاع وهو كما يقول ابن عابدين : ( أن لا يوجد النقد في السوق ، وإن كان يوجد في أيدي الصيارفة وفي البيوت )[11] .


وأيا ما كان فإن حكم الانقطاع والكساد واحد كما في كثير في من كتب الحنفية :


 قال ابن عابدين : ( والانقطاع كالكساد كما في كثير من الكتب ، لكن قال في المضمرات : فإن انقطع ذلك فعليه من الذهب والفضة قيمته في آخر يوم انقطع ، وهو المختار ) .


  ثم قال : ( وبه علم أن في الانقطاع قولين : الأول : فساد البيع كما هو في صورة الكساد ، والثاني : أنه تجب قيمة المنقطع في آخر يوم انقطع وهو المختار )[12] وهذا على قول أبي حنيفة ، وسيأتي تفصيل لرأي أبي يوسف ومحمد .


  والخلاصة : أن النقد الذي جعل ثمناً لبيع إذا كسد فسد العقد عند أبي حنيفة وإذا انقطع ففيه قولان : فساد العقد أو القيمة ـ كما سبق ـ وهناك تفصيل في حالتي الكساد قبل قبض الثمن وبعده ، حيث جاء في جواهر الفتاوى : أنه إذا باع شيئاً بنقد معلوم ، ثم كسد النقد قبل قبض الثمن فإنه يفسد البيع ، ثم ينتظر إن كان المبيع قائماً في يد المشتري يجب رده عليه وإلاّ فيجب رد مثله إن كان مثلياً ، وقيمته يوم القبض إن كان قيمياً .


  وإن كان العقد السابق إجارة ـ مكان البيع  ـ فإنه تبطل الإجارة ، ويجب على المستأجر أجر المثل ، وإن كان قرضاً ، أو مهراً يجب ردّ مثله ، هذا كله على قول أبي حنيفة ، وقال أبو يوسف : يجب عليه قيمة النقد الذي وقع عليه العقد من النقد الآخر يوم التعامل ، وقال محمد : يجب آخر ما انقطع من أيدي الناس ، قال القاضي : الفتوى في المهرو والقرض على قول أبي يوسف ، وفيما سوى ذلك على قول أبي حنيفة[13] .


  ومذهب الحنابلة واضح بخصوص حالة الالغاء والانقطاع ، قال ابن قدامة : ( وإن كان القرض فلوساً ، أو مكسرة فحرمها السلطان ، وتركت المعاملة بها كان للمقرض قيمتها ، ولم يلزمه قبولها سواء كانت قائمة في يده أو استهلكها ، لأنها تعينت في ملكه ، نص عليه أحمد في الدراهم المكسرة ، وقال : يقومها كم تساوي يوم أخذها ، ثم يعطيه ، وسواء نقصت قيمتها قليلاً أو كثيراً ، قال القاضي : هذا إذا اتفق الناس على تركها ، فأما ان تعاملوا بها مع تحريم السلطان لها لزم أخذها …. ) ثم استدل لمذهب أحمد بأن تحريم السلطان لها منع انفاقها ، وأبطل ماليتها ، فأشبه كسرها ، أو اتلاف أجزائها )[14] .


  وأما الشافعي فمذهبه على أنه ليس له إلاّ مثل فلوسه ، أو دراهمه التي سلف  ، أو باع بها وإن أبطلها السلطان[15] .


 


أي وقت يعتبر للقيمة ؟


ثم إن القائلين برعاية القيمة اختلفوا في الزمن المعتبر للقيمة على أربعة آراء :




  1. ذهب بعضهم إلى  أن العبرة بالقيمة في يوم العقد سواء كان بيعاً أو قرضاً أو غيرهما ، باعتبار أن ذلك هو اليوم الذي انشغلت فيه الذمة وهو الراجح في نظري.



  2. وذهب فريق ثان إلى أن العبرة هو يوم حلول الدين ، لأنه قبل حلول الأجل ليس للدائن الحق في مطالبة المدين ، وإذا لم يكن له هذا الحق فلا يتصور تقويم ما لاحق له في المطالبة به .



  3. وذهب فريق ثالث إلى أن العبرة بيوم انقطاع السكة أو إلغائها وظهور نقد جديد .



  4. وذهب بعض آخر إلى أن المعتبر هو يوم التحاكم فيها[16] .


  


الحالة الثالثة : تغير قيمة النقود بالغلاء والرخص ، وهو ما يسمى في عصرنا الحاضر بالتضخم في حالة انتقاص قيمة العملة ، وبالانكماش في حالة زيادة قيمتها .


  فقد اختلف الفقهاء في أثر تغير قيمة النقود بالغلاء والرخص على العقود والالتزامات الآجلة


ـ فذهب جمهورهم[17] إلى :  أن الرد يكون بالمثل ، وأن لا عبرة بالرخص والغلاء في ردّ المثليات ( ومنها الدراهم والدنانير ، والفلوس ) .


ـ وذهب جماعة منهم أبو يوسف ، ومحمد في بعض الأحوال ، وبعض فقهاء المالكية ، ووجه للشافعية ، وبعض الحنابلة[18] ، إلى : اعتبار القيمة وقيدها البعض بحالة تغير القيمة تغيراً يؤدي إلى الظلم ـ سيأتي لذلك تفصيل ـ .


 


هل تنزل هذه النقول السابقة على النقود الورقية ؟


  أعتقد أن معظم هذه النقول والنصوص الفقهية على الرغم من أهميتها لا يمكن تنزيلها بصورة كاملة على نقودنا الورقية ، إذ إن النقود السابقة كانت من معادن ذهبية ، وفضية ، ونحاسية ، فتبقى حتى بعد إلغائها قيمتها المعدنية ، في حين أن النقود الورقية لا تبقى بعد إلغائها أية قيمة ، بل ولا يستفاد منها كورق ، فقيمتها في قيمتها المعتبرة في السوق ، ولكنه مع ذلك فإن أقرب شيء إليها هو الفلوس لذلك يمكن الاستئناس بما قاله الفقهاء حول الفلوس ، وأحكامها ، وأرى أن الفلوس أحسن حالاً من نقودنا الورقية ، فإذا كان بعض كبار فقهائنا السابقين قد قالوا برعاية القيمة في الفلوس ، فإن هذا الحكم لا بدّ أن يسحب على نقودنا الورقية بطريقة أولى في حالة الانهيار والتغير الفاحش.


تأصيل القضية ، وبيان المعايير والحالات الاستثنانية :  


  إذا سرنا  على اعتبار أن الوفاء بالمثل هو الأصل والمبدأ ، والقاعدة العامة ، بحيث لا نخرج عنها إلاّ عند حالات استثنائية ، فحينئذ ينبغي البحث عن هذه الحالات وبيان نوع من المعيارية لهذه الحالات .


  ثم إن هذا الخروج عن الأًصل إنما يتحقق في الديون والالتزامات الآجلة والعقود التي تؤجل آثارها عنها ، وذلك مثل القرض والحساب الجاري في البنوك ، والبيع الآجل ، والإجارات المؤجلة والمهور ، والرواتب والأجور ، وعقود المقاولات والاستصناع التي تؤجل أثمانها أو بعضها إلى مدد آجلة.


  فالأصل والمبدأ العام والقاعدة العامة في كل ذلك هي : الرد بالمثل ، وأن العبرة في الرد إنما هي بالنقد الذي تم الاتفاق عليه جنساً وكماً وكيفاً إلاّ إذا حدث تغير مؤثر بين قيمة النقد وقت نشوء الالتزام والعقد ، وقيمته وقت الدفع والأداء


 


معيار التغير المؤثر[19] :


  إن معياره في نظري هو تحقق انهيار للنقد ، أو غبن كبير فيه ، يسميه الفقهاء بالغبن الفاحش ، وبعبارة أخرى فإن الشخص المدين إذا ردّ له مثل نقده فقد ظلم ظلماً بيناً ، إذن فالتغير في قمية النقود ( التضخم ) يؤثر في نظري في حالتين فقط :


 الحالة الأولى : حالة الانهيار كما حدثت للمارك الألماني بعد الحرب العالمية الثانية ، والدينار العراقي الذي كانت قيمته قبل غزو العراق للكويت تساوي حوالي ثلاثة دولارات ، ثم بعد هزيمة العراق والحصار الاقتصادي وصلت قيمة الدولار الواحد إلى أربعة آلاف دينار عراقي .


  ففي هذه الحالة يجب مراعاة التغير ( التضخم ) ويكون الرد بالقيمة ، أو بالتصالح والتراضي ـ كما سيأتي تفصيله ـ


الحالة الثانية : حالة التغير الشديد ( التضخم الكبير ) بأن تصل نسبة الفرق بين قيمة النقد يوم القبض أو الالتزام ، وبين قيمته يوم وجوب الدفع الثلث أو أكثر .


ففي الحالتين نطرح الحلول الآتية :


 الحل الأول :


رعاية قيمة النقد يوم عقد النكاح بالنسبة للمهر ، ويوم قبض القرض ، أو ثبوت الالتزام بالأجل في العقود الآجلة ، كالبيع الآجل ، والإجارة الآجلة ، ونحوهما[20] .


 الحل الثاني :


وجوب توزيع الضرر على المتعاقدين ( بالصلح الواجب ) :


    ذهب ابن عابدين ( الفقيه الحنفي المعروف ) وشيخه العلامة سعيد الحلبي إلى أن الضرر الناتج من تغير قيمة النقود ( في غير الذهب والفضة ) لا بدّ أن يتحمله الطرفان ( البائع والمشتري والدائن والمدين ) ، فقال : ( وقد كنت تكلمت مع شيخي الذي هو أعلم أهل زمانه وأفقههم وأورعهم فجزم بعدم تخيير المشتري في مثل هذا لما علمت من الضرر على شخص واحد )[21] .


ويمكن الافادة من هذه الفتوى من عدة اعتبارات لها وجاهتها ، وهي :




  1. أن ابن عابدين قال معلالاً ترجيح قوله هذا بأن : ( المسألة غير منصوص عليها بخصوصها ، فإن المنصوص عليه إنما هو الفلوس والدراهم الغالبة الغش )[22] .


     وعلى ضوء ذلك نقول في موضوعنا هذا الخاص بالنقود الورقية : إنها غير منصوص عليها بعينها ، بل هي جديدة ومستحدثة فيجب النظر إليها والاجتهاد فيها على ضوء مقاصد الشريعة ومبادئها العامة من تحقيق العدالة والمساواة بين طرفي العقد ، وعدم الاضرار والضرار .



  2. إن نقودنا الورقية هي مثل القروش التي ذكرها ابن عابدين ، حيث يتعين بالتعيين ، حيث قال : ( وإنما الشبه فيما تعارفه الناس من الشراء بالقروش ودفع غيرها بالقيمة ، فليس هنا شيء معين حتى تلزمه به سواء غلا أو رخص ) .


      ومن هنا يمكن الاستئناس بالفتوى الشائعة في عصر ابن عابدين عام 1230هـ التي استقرت على : ( دفع أي نوع كان بالقيمة التي كانت وقت العقد إذا لم يعين المتبايعان نوعاً والخيار فيه للدافع …. ) ، فالذي اعترض عليه ابن عابدين هو أن يكون الخيار فيه للدافع ، وأن يختص الضرر بالبائع ، ولكن يستفاد منه دفع القيمة يوم العقد من حيث الجملة في النقود الورقية وهذا ينفعنا في القول بأن النقود الورقية ليست مثلية دائماً .



  3. يستفاد من مجموع ما ذكره ابن عابدين نظرية الأخذ بسلة العملات عند التقويم ، والأخذ بالأوسط منها ـ كما سنوضحها ـ .



  4. كما يستفاد منه أيضاً نظرية الربط بمؤشر معين للقروش ، أي النقود غير الفضية والذهبية ـ كما سيأتي .



  5. إن العقود لا بدّ من رعاية الرضا الحقيقي ـ كما قال بعض المفتين ـ وكذلك التساوي بين العاقدين في الحقوق ، وفي توزيع الإضرار عليهما إن تحققت دون تخصيص أحدها بالآثار السلبية بدون الآخر .


 


الحل الثالث :


ربط النقود بأوسط القيم للنقود السائدة عند التعاقد :


  ذكر ابن عابدين في موضوع ورود الأمر السلطاني بتغير سعر بعض من النقود الرائجة بالنقص أن الفتوى استقرت على ما ذكرناه في الفقرة السابقة ، ثم قال : ( فينبغي أن ينظر في تلك النقود  التي رخصت ، ويدفع من أوسطها نقصاً ، لا الأقل ، ولا الأكثر كيلا يتناهى الضرر على البائع أو على المشتري ) ، ثم رد على بعض المفتين في زمانه الذي أفتوا بأن تعطى بالسعر الدارج وقت الدفع ، ولم ينظر إلى ما كان وقت العقد أصلاً فقال : ( ولا يخفى أن فيه تخصيص الضرر بالمشتري ) ، وكلام ابن عابدين هنا منصب على ما تعارفه الناس من الشراء بالقروش ، ودفع غيرها بالقيمة فليس هنا شيء معين حتى تلزمه به سواء غلا أو رخص)[23] . 


  ففكرة الأوسط من قيم النقود السائدة فكرة جديرة بالبحث والدراسة والقبول ، وعلى ضوء هذا يمكن أن نقول أنه في حالة تغير قيمة النقود الورقية ننظر إلى معظم النقود السائدة من دولار ، وجنيه استرليني ، ومارك ونحوها مع نقد البلد فنأخذ بأوسط الأسعار أو بمتوسط القيم ، تحقيقاً للعدالة والوسطية وعدم الإضرار بأحد العاقدين .


LinkedInPin