التمويل في اللغة مصدر : موّل ، فيقال : موّله أي قدم له ما يحتاج من مال ، وموّل العمل أي أنفق عليه من مال[1] .


 


والتمويل في عرف البنوك التقليدية يراد به الاقراض بفائدة لأجل مشروع معين .


وأما في عرف الاقتصاد الاسلامي فهو اتفاق بين المصرف والعميل على توفير المال لمشروع من خلال صيغة استثمارية مشروعة .


  فالتمويل في البنوك التقليدية لا يتم إلاّ من خلال القرض في حين أن التمويل في المصارف الإسلامية لا يتم إلاّ من خلال غير القرض من العقود والصيغ الاستثمارية ، ومثل الاستصناع ، والاجارة ، ونحوها .


 


أولوية التمويل في المصارف الإسلامية لمشروعات البنية التحتية:


  بما أن مشاريع البنية التحتية تدخل في نظر الفقه الإسلامي ضمن المقاصد العامة للشريعة الإسلامية ـ كما سبق ـ وتحتل مرتبة الضروريات العامة أو الحاجيات الملحة ، فحينئذ ينبغي على المصارف الإسلامية أن يكون الاهتمام بها على رأس سلم الأولويات ، إضافة إلى أن تمويلها يتفق مع فلسفة الاقتصاد الإسلامي القائمة على الملكية ، والمشاركة ووجود الأصول التي تمثل العقد ، في حين أن فلسفة البنوك التجارية تقوم على الائتمان والضمانات ، ومن هنا يجب أن يكون محل العقود الاستثمارية في الفقه الإسلامي أعياناً أو منافع أو حقوقاً ، وأنه لا يجوز الاستثمار وأخذ أية زيادة أو أجرة على القروض والضمانات .


  وعلى ضوء ذلك فإن العقود الاستثمارية التي تجري في المؤسسات المالية الاسلامية ، أو بين الأشخاص حتى لو تحققت الخسارة لما ضاع رأس المال كله في الغالب ، لأنها تمثل تلك الأعيان أو المنافع أو الحقوق ، فهي موجودة ، وحينئذ تصفى ويبقى لأصحابها نسبة من رأس المال ، في حين إذا كان العقد قائماً على القرض أو الاثمان والضمانات فلا يوجد حينئذ أصول ، فإذا تغيرت حالة المدينين أو الضامنين بالافلاس أو نحوه فإن الدائنين يخسرون كل ما دفعوه في الغالب .


 


التمويل الاسلامي للنوعين من مشاريع البنية التحتية :


  بما أن البنية التحتية نوعان ـ كما سبق ـ وبما أن لكل نوع خصوصيته فإن صيغ التمويل قد تختلف بالنسبة له ، لذلك نخصص كل نوع بصيغته الاستثمارية وعقوده التمويلية .


صيغ تمويل البنية التحتية الصلبة :


أولاً ـ يمكن تمويل مشاريع البنية التحتية الصلبة من الطرق والجسور ونحوهما بالصيغ المباشرة الآتية :




  1. عقد الاستصناع.



  2. عقد البوت (البناء والتشغيل والنقل Build, Own, and Transfer BOT ).



  3. عقد المرابحة والمساومة للمواد التي تحتاج إليها هذه المنشآت .



  4. عقد الإجارة الموصوفة في الذمة .



  5. الإجارة المنتهية بالتمليك.


 وكذلك يمكن تمويلها عن طريق المشاركة ، والمضاربة ، ونحن هنا نعرف بايجاز ببعض هذه الصيغ :


1ـ عقد الاستصناع :


  هو عقد وارد على شيء يراد صنعه ، فيكون محل العقد الشيء والعمل وبعبارة أخرى هو طلب عمل شيء خاص على وجه مخصوص مادته من الصانع أي انه عقد مع ذي صنعة على عمل شيء معين .


  وقد يسلم جميع الثمن أو بعضه إلى الصانع عند العقد أو قد لا يسلم إليه شيء عند العقد ، وإنما يدفع له الثمن على دفعات تستكمل مع تسليم المتعاقد عليه .


  ومفهوم الاستصناع لدى البنوك الإسلامية لا يقتصر على التصنيع فحسب ولكن تندرج تحته نواحي متعددة بجانب التصنيع مثل الانشاء والتجهيز والبناء والاعداد والتأسيس وكل ما يحتاجه المتعامل مع البنك من أعمال ومجالات بما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية.


  ويشترط في الاستصناع أن تكون مادة الصنع من الصانع إذ لو كان من المستصنع كان العقد إجارة لا استصناعاً .


  ومما سبق فإن مفهوم الاستصناع هو أن يجئ إنسان إلى صانع فيقول إصنع لي شيئاً صورته كذا وقدره كذا بكذا درهماً ويسلم إليه جميع الدراهم أو بعضها أو لا يسلم .


  والاستصناع يجعل الصانع يزيد من مصنوعاته كلما زاد الطلب وهو لذلك يلبي حاجة المستصنع .


  كما أن الاستصناع أصبح وسيلة هامة من وسائل التمويل الإسلامي في   عصرنا .


 ويدخل البنك في عملية الاستصناع عن طريق علاقتين بين البنك والعميل من جهة وعلاقة البنك بالصانع أو شركة المقاولات من جهة أخرى لذلك يدخل البنك في عقدين عقد كمستصنع وعقد كصانع وذلك وفقاً لما يلي :


عقد الاستصناع :


بين البنك والعميل


ويكون البنك هو الصانع


والعميل هو المستصنع


محل العقد هو المصنوع .


 


عقد المقاولة :


بين البنك وشركة المقاولات ويسمى الاستصناع الموازي لأن البنك يستعين بصانع.


المستصنع


شركة المقاولات : هي الصانع


محل العقد : هو المصنوع


 


الجوانب الرئيسية لتنفيذ عملية الاستصناع :


  تنقسم الجوانب الرئيسية لاجراءات تنفيذ عملية استصناع المقاولات إلى ثلاثة جوانب أساسية هي :


أولاً ـ الموافقة على تنفيذ عملية الاستصناع


ثانياً ـ الجانب الهندسي للمشروع


ثالثا ـ الجانب التنفيذي والمتعلق بالاجراءات وما بعد الموافقة وسير مراحل المشروع .


 


2ـ عقد البوت ( البناء والتشغيل والنقل):


مفهومه : هو شكل من أشكال تمويل المشاريع المعاصرة ، حيث تمنح الحكومة  ـ مثلاً ـ لاتحاد مالي امتياز لصوغ مشروع معين ، حيث يدعى الاتحاد المالي شركة المشروع ، ثم تقوم شركة المشروع ببنائه وتشغيله وإدارته لعدد من السنوات ، ثم تسترد تكاليف المشروع وتحقق أرباحاً من تشغيل المشروع واستغلاله تجارياً ، ثم في نهاية مدة الامتياز تنتقل ملكية المشروع إلى الحكومة.


 


العناصر الأساسية  في مشروع البوت هي :




  1. الحكومة ، أو جهات وهيئات حكومية مختلفة.



  2. الجهة الممنوحة لها هذا الحق



  3. شركة المشروع.



  4. جهات التمويل.



  5. شركة التشييد، والتشغيل، والصيانة.



  6. ممثل الحكومة  الذي يكون له حق الاشراف العام والمتابعة



  7. شركة  التأمين التي تقوم بتأمين المشروع .


 


وتتضمن الاتفاقيات المستخدمة في مشروع البوت :


  اتفاقية المشروع مع هيئات حكومية ، ونقل الملكية التامة ، او ملكية المنفعة فقط ، واتفاقية اتحاد الشركات )الكونسورتيوم) ، وعقود التمويل، وعقد التشييد ، وعقد توريد المعدات ، وعقود أخرى (تشغيل وصيانة، تأمين، الضمانات) إضافة إلى عقود نقل الملكية مرة أخرى للحكومة أو الجهة المخولة بعد انتهاء الفترة المتفق عليها[2] .


 


الحكم الشرعي في نظام البوت :


يكيف عقد ( البوت ) على أساس عقد الامتياز ، او حسب عبارات الفقهاء عقد الاجارة مع إعطاء حق التصرف بالأرض بكل أوجه الانتفاع ، ثم الوعد بالهبة والتبرع بكل ما بناه الشخص للدولة ، وهذا له مثيل في الفقه الإسلامي في باب الوقف حيث كان الموقوف يعطى لمن يصلحه ، أو يعمره لعدة سنوات ، لتعود بعد ذلك إلى جهة الوقف ، وقد يتم ذلك عن طريق الاجارتين ، إجارة بأجرة زهيدة لفترة التعمير ، وإجارة بالمثل بعد ذلك ، وقد يعطى عن طريق ( التحكير )[3] .


  والخلاصة أن ( البوت ) نظام يتضمن مجموعة من العقود إذا رتبت ترتيباً لا يتضمن مخالفة شرعية فهو جائز .


  اعلى الصفحة


3ـ عقد إجارة الأعيان الموصوفة في الذمة :


جاء في معيار الإجارة ضمن المعايير الشرعية :”يجوز أن تقع الإجارة على موصوف في الذمة وصفا منضبطا ، ولو لم يكن مملوكا للمؤجر (الإجارة الموصوفة في الذمة) حيث يتفق على تسليم العين الموصوفة في موعد سريان العقد ، ويراعى في ذلك إمكان تملك المؤجر لها أو صنعها ، ولا يشترط فيها تعجيل الأجرة ما تكن بلفظ السلم أو السلف. وإذا سلم المؤجر غير ما تم وصفه فللمستأجر رفضه وطلب ما تتحقق فيه المواصفات)[4].


 


ميزة عقد الإجارة الموصوفة في الذمة :


 ميزة هذا العقد أنه بديل شرعي عن عقد الاستصناع ذي المدة الطويلة ، وذلك لأن عقد الاستصناع لابد أن يتم احتساب الربح بناء على نسبة ربح ثابتة ، لكي يكون الثمن معلوما ، أما عقد الإجارة فيجوز أن يتم احتساب أجرة متغيرة عن الفترات التالية للفترة الإيجارية الأولى ، بشرط أن تكون الأجرة المتغيرة منسوبة إلى مؤشر منضبط معلوم لطرفي العقد


 


آلية تنفيذ الإجارة الموصوفة في الذمة




  1. يتقدم العميل بطلب استئجار عين موصوفة في الذمة .



  2. الموافقة على طلب العميل من الناحية الائتمانية والفنية .



  3. توقيع عقد إجارة عين موصوفة في الذمة ، يتضمن ما يلي :




    • تحديد أوصاف العين التي ستؤجر بما لا يدع مجالاً للنزاع بين العميل والبنك.



    • تحديد مدة الإجارة وفتراتها .



    • تحديد الأجرة ، وطريقة احتسابها مع إمكانية نسبتها إلى مؤشر منضبط يؤول إلى العلم في بداية كل نهاية كل فترة إيجارية .



    • إمكان تعجيل جزء من الأجرة من تاريخ العقد باعتبارها دفعة تحت الحساب، أو تقسيطها ، أو تأخيرها لحين تسلم العين، على أن تتناسب الأجرة المقسطة مع أجرة المثل (ما أمكن ذلك) .



    • وعد من البنك ببيع أو هبة العين المؤجرة خلال أو في نهاية مدة الإجارة بشرط سداد كافة الالتزامات المستحقة على العميل حينئذ .



  4. توقيع عقد استصناع بين البنك والمقاول وفق المواصفات المطلوبة من العميل



  5. تسجيل الأصل باسم البنك خلال فترة الإجارة (ما أمكن) ، وإلا يتم الحصول على سند ضد من المالك يفيد ملكية الأصل للبنك ، مع أخذ موافقة الرقابة الشرعية  على ذلك قبل التنفيذ .



  6. عند الانتهاء من صنع العين يقوم البنك بتسلمها من المقاول ، وتسليمها للعميل لبدء عملية الإجارة .



  7. تبدأ الإجارة من تأريخ تسلم العميل للعين المصنعة.



  8. عند نهاية مدة الإجارة يقوم البنك ببيع أو هبة العين المؤجرة للمستأجر[5].


 


الاجارة المنتهية بالتمليك :


  والأفضل أن يرتب عقد الإجارة على أساس الإجارة مع الوعد بالتمليك في الزمن الذي يريده العاقدان ، وذلك باتباع الخطوات الآتية :




  1. اتفاق مع الدولة على كل التفاصيل



  2. قيام البنك بشراء الأجهزة ، أو اكتمال المشروع



  3. وعد من الدولة بشراء هذه الأجهزة ، او المشروع .



  4. قيام البنك ببيع الأجهزة أو المشروع في آخر المدة للدولة بثمن محدد في وقته ، ويمكن أن يتم عن طريق الهبة المعلقة على دفع أقساط الاجارة .  


  


4ـ عقد المرابحة والمساومة :


  عقد المرابحة هو العقد الذي يتضمن بيع شيء مع تحديد نسبة الربح المضافة إلى الثمن ، بحيث يقول البائع ـ مثلاً ـ بعت لك هذه السيارة بثمنها مع ربح 1% بحيث يحدد الثمن المكون من الثمن والمصاريف إضافة إلى نسبة الربح ، وهو من عقود الأمانات .


  أما المساومة فهي تقوم على المساومة دون تحديد نسبة الربح ، وبيان الثمن السابق .


  وقد أدخلت في عصرنا الحاضر مسألة الآمر بالشراء في عقد المرابحة فيسمى : المرابحة للآمر بالشراء فأصبح من الصيغ التمويلية حيث ياتي العميل إلى المصرف الاسلامي فيحدد ما يريد شراءه ثم بعد الموافقات المطلوبة يقوم المصرف بشراء ما طلبه ، ثم بعد الملكية والحيازة يقوم ببيعه إلى العميل بأرباح من خلال أقساط شهرية أو سنوية لفترة زمنية محددة[6] .


 


5ـ المشاركة والمضاربة :


  وهما من أهم الصيغ الاستثمارية في الفقه الإسلامي ، فالمشاركة تعني المشاركة بالأموال من جميع الأطراف المشاركة في حين أن المضاربة تعني المشاركة بين المال من طرف أو أطراف ، وبين العمل والخبرة من شخص طبيعي أو اعتباري[7].


وهناك تفاصيل لا يسع المجال لذكرها هنا


 


ثانياً ـ التمويل عن طريق الصكوك ( السندات المشروعة ) :


LinkedInPin