إضافة إلى العقود ، والصكوك اللتين ذكرناهما فهناك آليات أخرى لتمويل مشاريع البنية التحتية سواء كانت من المشروعات أو الخدمات ، ومن أهم هذه اللآليات :


أ ـ المحافظ  الاستثمارية :


  المحفظة الاستثمارية ، او الصندوق الاستثماري عبارة عن تجميع مدخرات     ( أموال مكتتب فيها ) لأجل الاستثمار في نشاط معين ، أو مجموعة من الأنشطة المختلفة ، أو بعبارة أخرى فهي : مؤسسة مالية تقوم بالاستثمار الجماعي عن طريق تجميع المدخرات ، واستثمارها من خلال وحدات استثمارية متساوية القيمة شبيهة بالأسهم[1] .


  فهي تكون تابعة لاحدى المؤسسات المالية المعترف بها ، وتتم بموافقة خاصة من الجهات المختصة بالدولة .


  والمحفظة الاستثمارية هي في حقيقتها بمثابة شركة مساهمة معتبرة وتابعة للشركة الأم ( البنك أو غيره من المؤسسات المالية الاستثمارية ) تجمع فيها الأموال عن طريق إصدار وحدات استثمارية متساوية القيمة ( مثل الأسهم ) تحدد لها قيمة واحدة ، مثل ألف دولار لكل وحدة[2] .


  ثم بعد الاكتتاب توجه الأموال المجتمعة لتحقيق الغرض أو الأغراض التي أنشأت المحفظة لأجلها .


  ويمكن تخصيص كل محفظة لغرض واحد ، كما يمكن تجميع عدة أغراض وأنشطة محددة ، او مطلقة في محفظة واحدة .


 


التكييف الشرعي للمحافظ الاستثمارية :


   تكيف المحافظ الاستثمارية على أساس عقد شركة العنان في الفقه الإسلامي بالنسبة للمكتتبين في الصندوق ( المساهمين ) وأما العلاقة بين الصندوق ، أو المساهمين وبين المؤسسة المصدرة المديرة هي علاقة شركة المضاربة ( القراض ) فهي ( المضارب ) والمساهمون ، او الصندوق : ربّ المال .


  وأما تكييفها القانوني فيختلف بحسب نوعية الجهة المصدرة فقانون سوق المال المصري رقم 95 لسنة 1992م يعتبر المحافظ والصناديق الاستثمارية التي تصدرها البنوك وشركات التأمين أحد أنشطة البنك أو شركة التأمين وبالتالي فلا تمتمع بالشخصية المعنوية المستقلة وان كانت تتمتع بالاستقلال التام في حساباتها واداراتها ، ويتم استرداد قيمة وثائقها من خلال الصندوق نفسه ، كما انها لا يتم قيد تداولها في البورصة ، بل يتم استردادها من خلال الصندوق نفسه ، وأما إذا أصدرتها الشركات المساهمة فإن القانون المذكور يعتبرها شركة مساهمة تابعة لها تتمتع بالشخصية المعنوية المستقلة ، وتتداول وثائقها في سوق الأوراق المالية[3] .  


  وأما معظم القوانين السائدة اليوم فتسمح بتسجيل هذه المحافظ الاستثمارية كشركات مساهمة لها مجلس إدارة خاص بها ، ورأس مالها ، وتصدر عندئذ فئتين : فئة ( أ ) وهي الأسهم التي يحملها مؤسسو الشركة ، وفئة ( ب ) التي تكون على شكل وحدات استثمارية متساوية القيمة تطرح في البورصة بعد استكمال شروطها ، ومع ذلك تسمح بصناديق الاستثمار تابعة للبنوك أو شركات التأمين[4] .


 


أهيمة المحافظ الاستثمارية :


  تكمن أهميتها في انها أصبحت من أهم الصيغ لتهيئة المدخرات ولتمويل المشروعات ، وأنجحها ، وأكثرها بساطة وقلة في التعقيدات ، ولذلك وصلت الأموال المستثمرة في هذه المحافظ الاستثمارية في امريكا وحدها عام 1992م إلى 1.6 ترليون دولار ، وفي جنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية وصلت في عام 1995م إلى 260 مليار دولار[5] .


 


ميزات المحافظ الاستثمارية :


أما مميزاتها فهي :




  1. تجميع أكبر قدر ممكن من المال من خلال الوحدات الاستثمارية ( الأسهم ) قليلة الثمن ، بحيث يمكن طرحها في السوق فيكتتب فيها أكبر عدد ممكن من المكتتبين ( أفراد ومؤسسات ) .


      وبما أن المسؤولية في الصناديق الاستثمارية محدودة في حدود قيمة الوحدات فإن ذلك يدفع المدخرين الصغار بالاضافة إلى المستثمرين الكبار للمساهمة فيها ، إذ لا خفو على بقية أموالهم حيث ليسوا ضامنين لالتزامات الصندوق ، فذمتهم متسقلة عن ذمتها .



  2. التنويع[6] ، حيث إن المحافظ الاستثمارية متنوعة ، فمنها الخاص بالأسهم ، ومنها الخاص بالعقارات ، وهكذا.


      فالمحافظ الاستثمارية تحقق تنويع الأنشطة الاستثمارية لذوي الدخل ، والادخار المحدود بشكل لا يمكن للفرد العادي تحقيقه بمدخرات بسيطة ، كما أنه بامكانه تحقيق التوازن أيضاً من خلال توزيع مدخراته على أكر قدر ممكن من المحافظ الاستثمارية المتنوعة .



  3. الاستفادة من الادارة المتخصصة :  إن هذه المحافظ تديرها عادة إدارات متخصصة ذات مهارات عالية وخبرات طويلة ، وقدرات متميزة في نطاق إدارة الموال وتثميرها ، وهذا لا يتوافر للمستثمر الفرد .



  4. الاستفادة من عنصر الأمان وانخفاض مستوى المخاطرة من خلال أن الأموال تستثمر في الأصول والحقوق والمنافع الموجودة فعلاً ، وليست في القروض والائتمانات التي لا تقابلها أصول ، إضافة إلى وسائل أخرى تتخذها الادارة لتخفيض عنصر المخاطرة .



  5. الاستفادة من السيولة المتاحة لاستثمارات النافعة .



  6. سهولة التسييل لهذه الوحدات عندما يريد صاحبها ذلك حيث يتمكن من بيع وحداته ، او التخارج منها بسهولة ، حيث إن نشرة الاصدار الخاصة بالصندوق تنظم ذلك .



  7. وسيلة فعالة في تدعيم الخصخصة وتوسيع قاعدة الملكية ، وإضافة جيدة إلى سوق الأوراق المالية ( البورصة ) حيث انها تمثل قوة شرائية فيها ، ، وورقة مالية تباع وتشترى ، وتستفيد منها الشركات لتوفير السيولة .



  8. المساهمة في امتصاص السيولة داخل الدولة والمجتمع وبالتالي خفض معدلات التضخم[7] .



  9. المرونة ، حيث إن إنشاء البنوم ، أو حتى الشركات المساهمة ليس سهلاً حيث يحتاج إلى اجراءات طويلة ومعقدة ، في حين أن إصدار المحافظ أو الصناديق الاستثمارية مرن وسهل .



  10. الاستفادة من التمويل ذي الأجل الطويل المتوافر في الصناديق الاستثمارية على عكس البنوك التي تكون القروض ، أو التمويل قصير الأجل أو متوسط الأجل ، أما الصناديق الاستثمارية فهي مرنة حيث يمكن أن يكون أجلها تسعين سنة أو أكثر ، أو يربط بالمشروع ، أو الهدف المحدد .


  وبذلك تتفق المحافظ الاستثمارية مع مشاريع البنية التحتية التي عادة أنها تحتاج إلى أمد طويل .


 


أنواع المحافظ الاستثمارية :


وللمحافظ الاستثمارية انواع كثيرة باعتبارات متعددة ، ولكن أهمها :


1ـ المحفظة الاستثمارية المفتوحة ( Open End Funds ) :


  وتسمى المفتوحة لأنها مفتوحة ليس مقيدة بحجم معين من الأموال المستثمرة ، وبعبارة أخرى إن عدد الوحدات الاستثمارية غير ثابت ، وغير محدد ، بل قابلة للزيادة والنقصان ، وانها مفتوحة للدخول والخروج طالما أن نشاطها ما زال قائماً ، وبالتالي فهي جاهزة ومستعدة لرد قيمة الوحدات الاستثمارية عند الطلب ، وبالتالي فلا يجوز قيد أو تداول وثائقها في البورصة[8] .


 


2ـ محفظة الاستثمار المغلقة ( Closed End Funds ) :


  وهذا النوع مغلق لأنه محدد القيمة والحجم والهدف والعمر ، وأنه دوري ، وتطرح وحداتها الاستثمارية في البورصة ، وانها بعد طرحها فيها تأخذ أحكام بقية الأوراق المالية المطروحة في البورصة[9] .


 


ب ـ التمويل المصرفي المجمع :


   تحتاج المشروعات الضخمة إلى مشاركة أكبر قدر ممكن من المؤسسات المالية الاسلامية من البنوك والشركات ونحوها ، ولذلك قد تحتاج المؤسسات المالية الاسلامية إلى مساهمة بعض المؤسسات المالية التقليدية لتمويل المشروع ، وحينئذ تتفق مجموعة من المؤسسات المالية ( الاسلامية والتقليدية ) على تمويل هذا المشروع الضخم ، وحينئذ تتكون منها إدارة تقود العمل كله ، فإما أن يقوم بنك واحد ، فيسمى القائد ، أو إدارة مشتركة من الجميع .


  وهذا التمويل المصرفي المجمع جائز شرعاً إذا كانت الأنشطة حلالاً ، وأن يتم التمويل عن طريق العقود الشرعية ، وقد صدرت بذلك فتوى من ندوة البركة التاسعة للاقتصاد الاسلامي ، بجدة رمضان1414هـ / فبراير1994م  ( رقم 9/1) ، وضعت لها ضوابط ، وكيفية تنفيذه ، ولذلك نذكرها بنصها : ((


 أ ـ التمويل المصرفي المجمع يجب أن تكون موضوعات أنشطته استثمارات مشروعة ، كعقود البيع الآجل مساومة أو مرابحة أو التأجير أو السلم ، أو الاستصناع ، أو غيرها من العقود والصيغ المشروعة ، وهو بهذا يختلف عن التمويل المصرفي المجمع القائم على الاقراض بفائدة الذي تزاوله البنوك الربوية .


ب ـ لا مانع من اشتراك بنوك ربوية مع البنوك ا لإسلامية في التمويل المصرفي المجمع الملتزم في عملياته بالأحكام الشرعية شريطة عدم انفراد البنوك الربوية بإدارة العمليات ، أو غلبتها في  اتخاذ القرارات ذات الطابع الشرعي .


ج ـ يمكن أن يقوم تجمع المصارف على إحدى الصيغ التالية :




  1. المضاربة ، بقيام أحد المصارف بدور المضارب وينفرد باتخاذ القرارات الادارية ، سواء اشترك في التمويل أم لم يشترك



  2. المشاركة ، باشتراك المصارف في إدارة العمليات ، واختيار لجنة للتنفيذ تمثل فيها جميع المصارف المشاركة .



  3. الوكالة بأجر مع مراعاة الأحكام الشرعية للاجارة بان يكون الأجر مقطوعاً او نسبة من رأس المال مع تقدير العمل بالوصف المحدد أو الفترة الزمنية لتكون الأجرة معلومة ( وهذا الفتوى تاكيد للفتوى الرابعة للندوة السابعة للحلقة الفقهية الثانية ) .


د ـ الأعمال التحضيرية التي يقوم بها المصرف الموجد للعملية يجوز له الحصول على مقابل عنها بنفس التكلفة أو أقل أو أكثر ومن الأعمال التحضيرية دراسة الجدوى واعداد الصيغ والعقود والاتصال بالجهات الطالبة للتمويل وبالمصارف ( وهذه الفتوى مكملة للفتوى الأولى للحلقة الاقتصادية الأولى المتعلقة باشناء الصناديق الاستثمارية )) .


 


والخلاصة :


   أن المؤسسات المالية الإسلامية لديها بدائل كثيرة من خلال مجموعة من العقود والصيغ المتنوعة ، والآليات المتطورة والصكوك الإسلامية لتمويل مشروعات البنية التحتية ، ومن هنا فإن على الجهات الحكومية أن لا تغفل المؤسسات المالية الإسلامية للمساهمة الفعالة في تمويل مشروعات البنية التحتية الصلبة والمرنة ، كما أن على هذه المؤسسات المالية الإسلامية أن تبادر هي أيضاً بتبني هذه المشروعات التي تخص البنية التحتية الصلبة والمرنة ، وذلك لأهميتها ، ولأن آثارها الايجابية تعود على هذه المؤسسات نفسها .


  والله أسأل أن يوفقنا جميعاً لتجقيق العبودية لله تعالى ، وتجقيق رسالة الإنسان في هذه الأرض من التعمير والاستخلاف ، فهو مولانا وحسبنا فنعم المولى ونعم النصير .


اعلى الصفحة


 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


([1]) يراجع لمزيد من التفصيل : صناديق الاستثمار للدكتور عزالدين خوجة ط. دلة البركة ، وفتاوى وتوصيات ندوات البركة للاقتصاد الإسلامي ، فتوى رقم 2/5 ، 7 ، 9 و7/1 ، 5 و9/2 و10/8 و 1/3 ، 4 و14/5 ، والدكتور محمد علي القري ، بحثه المنشور ضمن أعمال ندوة التعاون بين الحكومة والقطاع الهلي في تمويل المشروعات الاقتصادية ، ممركز النشر : جامعة الملك عبالعزيز 11-13/10/1999م والدكتور أشرف محمد دوابة : صناديق الاستثمار في البنوك الإسلامية ط. دار السلام بالقاهرة 2004م


([2]) المراجع السابقة


([3]) د. أشرف دواية ، المرجع السابق ص 73-75


([4]) د. محمد القري : بحثه السابق فقرة 7


([5]) د. محمد علي القري بحثه السباق ص 2 ود. أشرف دواية المرجع السابق ص 54 


([6])  د. محمد علي القري بحثه السباق ود. أشرف دواية المرجع السابق ص 51


([7]) د. أشرف دواية : المرجع السابق ص 57


([8]) د. أشرف دواية : المرجع  السابق ص 59-60 ، والمراجع السابقة


([9])  د. أشرف دواية : المرجع  السابق ص 59-60 ، والمراجع السابقة