الحكمة من فرض الزكاة :


 بين القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة الحكمة من فرض الزكاة فقال تعالى :


خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم “[1]، وقال صلي الله عليهم وسلم: (تخرج الزكاة من مالك، فإنها طهرة تطهرك)[2]،حيث دلت هذه الآية الكريمة على أن دفع الزكاة تطهير للنفس والمال، وتزكية وسكن لهم ، ودلت آيات وأحاديث أخرى على أن الزكاة لدفع حاجة الفقراء، وتحقيق التكافل الاجتماعي، ومجتمع الخير والكفاية والرفاه، وأنها سبب الفلاح في الدنيا والآخرة، ولزيادة الأموال ومضاعفتها، ويمكن ذكر هذه الحكم الآتية :




  1. إن أداء الزكاة يحقق عبودية المسلم لله تعالى، بحيث لا يقف المال حائلا بينه وبين تنفيذ أمر الله تعالى، وبعبارة أخرى هل عبودية الشخص لله تعالى كاملة شامة لجميع الأمور أم لا؟ وذلك لأن بعض الناس مستعدون للعبادة البدنية ولكنهم ليسوا مستعدين للبذل والعطاء، أو بالعكس، فبأداء الصلاة والزكاة تتكامل العبودية مع بقية العبادات الأخرى، فالمال عزيز على النفس فمن ذا الذي يكون قادراً على التضحية بالمال كما هو قادر على التضحية بالبدن والنفس؟



  2. الزكاة تطهير للمال من الشبهات ، ولنفس الغني من البخل والشح وحب المال وقد قال الله تعالى : ” ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون”[3]، كما أنها تطهير لنفس الفقير من البغض والحسد، والحقد الأسود كما يحدث ذلك في المجتمعات غير المسلمة حتى يصل الحقد الأسود إلى مرحلة القتل، وهذه الأمراض القلبية في غاية من الخطورة ، ولذلك أراد الله تعالى تطهير المجتمع فقراء وأغنياء من هذه الأرجاس والأدران وأن يعيشوا إخوانا متعاونين متحابين كجسد واحد وكبنيان مرصوص يشد بعضها بعضا، كما لفظ الزكاة يعنى التزكية وقد قال صلى الله عليه وسلم: (تخرج الزكاة من مالك فإنها طهرة تطهرك ) .



  3. الزكاة زيادة في المال ومضاعفة له، حي يقول الله تعالى: “وما أتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون”[4]، جاءت هذه الآية بعد قوله تعالى:” وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله وما آتيتم من زكاة.. “، حيث تدل على أن ميزان الزيادة والنقصان عند الله تعالى يختلف عن الموازين التي يزن بها الكافرون ، فالربا الذي هو زيادة ظاهرة في المال نقص في الحقيقة والمال، والزكاة التي هي في ظاهرها نقصان لكنها زيادة عند الله تعالى حيث يضاعف الله تعالى المدفوع التي دفعت زكاتها وفي صاحبها ، وقد ورد في الحديث الصحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى عليه وسلم: (من تصدق بعدل ثمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبه كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل )[5] .



  4. الزكاة فلاح وفوز بالجنة ونجاة من النار (بإذن الله تعالى) حيث وعد الله تعالى المؤمنين الذين يؤدون زكاتهم بالفلاح والفوز والجنة، فقال:” قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم والذين هم للزكاة فاعلون”[6]، وقال تعالى:” قد أفلح من تزكي”[7]، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (اتقوا النار ولو بشق تمرة )[8] بل إن الزكاة إذا أديت دون إيذاء ومن، وبخفاء تؤدى إلى أن يكون صاحبها في ظل عرش الله تعالى كما ورد في الحديث الصحيح ( سبعة يظلهم الله تعالى فيظله يوم لا ظل إلا ظله .. ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه )[9].



  5. الزكاة تنمية للمال وسبب للاستثمار والتجارة وبالتالي تدوير الأموال، والزيادة في الدورات الاقتصادية” كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم[10]، وذلك المسلم العاقل إذا علم بوجوب دفع الزكاة فانه يبحث عن استثمار أمواله حتى لا تأكلها الصدقة والنفقة، وقد أكد المعنى هذا أحاديث منها ما رواه الشافعي بسنده عن يوسف بن ماهك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:(ابتغوا في مال اليتيم، أو في أموال اليتامى، لا تذهبها ، أو لا تستهلكها الصدقة)، وقد صحح البيهقي والنووي إسناده، وروى الطبراني في الأوسط عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة)، قال الهيثمي: أخبرني سيدي وشيخي – أي الحافظ زين الدين العراقى – إن إسناده صحيح[11] ، وقد روي بسند صحيح موقوفا على عمر ، رواه عنه البيهقي وصححه بلفظ: (ابتغوا في أموال اليتامى لا تأكلها الصدقة )[12]، ورواه عنه مالك بلفظ: ( اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة )[13].



  6. ومن أهم حكم الزكاة إشباع حاجات الفقراء والمساكين، والمساهمة في تقوية المجاهدين، ودعم الدعوة وتأليف القلوب ونحو ذلك أو بعبارة موجزة فإن الزكاة تساهم مساهمة كبيرة في تحقيق مجتمع التكافل والتعاون وفي حل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية كالفقر والبطالة والديون ونحوها .


 


الهدف من فرض الضريبة: 


وأما الهدف من فرض الضرائب في الدول المعاصرة فهو تغطية تكاليف الدولة ومصاريفها وتطويرها بسبب الخدمات العامة والبطالة والحروب، والدفاع، والتطلع نحو الرقي والتقدم ، فيستهدف نظام الضريبة توفير الأموال لتحقيق هذه الأغراض ، فالضريبة هو أحد المصادر الرئيسية للتمويل ، ووسيلة فعالة تمكن الدولة من التدخل في الحياة الاقتصادية والاجتماعية ، وتوجيه النشاط الاقتصادي وجهة معينة ..


وحقيقة الأمر : أن المفهوم المعاصر للضريبة لم يستبعد كلية المبدأين التقليديين للضريبة – هما وفرة الحصيلة والعدالة، وان كان قد أضاف إليها مبدءا جديداً ألا وهو التدخل ..، إن مبدأ التدخل الذي يقوم عليه المفهوم المعاصر للضريبة لا يتعارض مع مبدأ وفرة الحصيلة، والعدالة نتيجة عدم وجود اشتراط ووجود صراع أو تعارض بين كل من الأهداف الاجتماعية والاقتصادية والأهداف المالية ، فالضريبة التي تهدف أساساً اليتديل الهيكل الاجتماعي إنما تهيئ للدولة في نفس الوقت لتحقيق حصيلة ضريبية لا بأس بها ، والدليل على ذلك أن ضريبة الدخل التصاعدية في إنجلترا التي تحقق أهدافاً ذات طبيعة اجتماعية واقتصادية إنما تهيئ في الوقت نفسه مورداً رئيسياً لتمويل الخزانة العامة[14] .


 ومن هنا يمكننا أن نلخص الأهداف العامة للضريبة بمفهومها المعاصر في أهداف الدولة التي تحددها فلسفتها السياسية، فالدولة الرأسمالية التي ظلت طويلاً تحرص على اتخاذ موقف حيادي تجاه النشاط الاقتصادي كانت تكتفي من الضريبة كأداة مالية تمكنها من الحصول على موارد تكفي لتمويل الإنفاق العام الذي كان في أضيق الحدود ، وبعبارة أخرى احتلت وفرة الحصيلة المكانة الأولى من بين أهداف الكيان الضريبي ، لكن الدول الرأسمالية راحت تتجه بالضريبة إلى وظائف جديدة استجابة للأفكار الاجتماعية والاشتراكية التي أثرت في النظام الرأسمالي الذي بدأ يستعين بالضريبة كأداة لتحقيق أهداف اجتماعية واقتصادية إلى جانب كونها أداة تقليدية ومنها العمل للحد من التفاوت في توزيع الدخول والثروات عن طريق زيادة العبء الضريبي بالنسبة للدخول المرتفعة وتخفيضه إلى أقصى حد بالنسبة للدخول المنخفضة، أما الأنظمة الاشتراكية فتتخذ الضريبة بصفة رئيسية أداة مرنة من أدوات التوجيه الاقتصادي من ناحية ، وأداة من أدوات الرقابة على الإنتاج ، مقياساً لكفايته من ناحية أخرى[15] .


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 


([1])  سورة التوبة الآية 103


([2])  رواه احمد قال الحافظ المنذري : ورجاله رجال الصحيح – نسبه الهيثمي في مجمع الزوائد 3/63 إلى الطبراني أيضا وقال: رجاله رجال الصحيح – انظر: المنتقى من كتاب الترغيب للحافظ المنذري – انتقاء د0 يوسف القرضاوي -ط قطر 1/199


([3])  سورة الحشر الآية 9


([4])سورة الروم الآية 39


([5])   صحيح البخاري – مع الفتح – 3/278 – والغلو بفتح الغاء وضم اللام وتشديد الواو – هو المهر – وضرب به المثل 0 لأنه يزيد زيادة واضحة


([6])  سورة المؤمنون الآية 1-3


([7])  سورة الأعلى الآية 14


([8])  رواه البخاري وغيره – صحيح البخاري مع الفتح – كتاب الزكاة 3/383


([9])  صحيح البخاري – مع الفتح – 3/329


([10])  سورة الحشر – الآية 7


([11])انظر السنن الكبرى 4/107- والمجموع للنووي -ومجمع الزاوائد 3/67


وفيض القدير 1/108- ويراجع : فقه الزكاة لمزيد من التفصيل 1/109


([12])  السنن الكبرى 4/107


([13])  الموطأ -ط – الشعب بمصر ص 171


([14])  د. يونس البطريق : المرجع السابق ص 23- 24


([15])  د.يونس البطريق : المرجع السابق ص 28-29


 اعلى الصفحة