وللأمانة العلمية نقول : إن أمانة الهيئة الشرعية لشركة الراجحي قدمت ورقة قيمة حول تداول أسهم الشركات ووحدات الصناديق المشتملة على ديون ونقود ، وكُلِّفْتُ بمناقشة ما يتضمنها ، من آراء وأفكار وحلول ، وتأصيل بعض القضايا الفقهية التي تنـاولتها ، وترجيح ما أراه راجحاً ، وذلك في الملتقى الفقهي الأول الذي عقد بالطائف يوم الخميس 12/5/1422هـ ـ 2/8/2001م[1]. وقد استفدت منها كثيراً فجزى الله المعدين لها خيراً .


 


 


خلاصة المشكلة وتوضيحها :


 


بعد هذا العرض يمكن توضيح المشكلة وتلخيصها فيما يأتي :


 


 أن الأسهم ، أو صكوك المضاربة ونحوها ، أو وحدات الصناديق تمثل حصة شائعة من موجودات الشركة وأنشطتها وحقوقها المادية والمعنوية والإدارية ، بالنسبة للأسهم أو من موجودات الصناديق والمحفظة وأنشطتها بالنسبة للوحدات ، أو من موجودات الصكوك ، وبما أن هذه الموجودات قد يتحول معظمها في بعض الأحيان ديوناً عند التعامل بالمرابحات ، والاستصناع ، أو تبقى نقوداً ، أو تحصل أثمانها بالنقود ، أو تكون مختلطة منهما فحينئذٍ تقع مشكلة فقهية عندما يراد بيع هذه الأسهم ، أو الصكوك ، أو الوحدات في هذه الحالة حيث يشترط فيه شروط بيع الدين في حالة كونها ديوناً ، أو شروط الصرف في حالة كونها نقوداً ، وهي شروط صعبة تحول دون التداول المطلوب .


 


 وذلك لأن معظم أنشطة البنوك الإسلامية تكون في المرابحات الداخلية ، أو الدولية ، أو البيع الآجل ، أو الاستصناع بثمن آجل ونحو ذلك ، وكل هذه الأنشطة تتحول إلى ديون آجلة ، وبالتالي تكون معظم موجودات هذه البنوك ديوناً ، أو نقوداً ، وبما أن أسهمها تمثل هذه الديون والنقود أيضاً فهل يجوز تداولها بسهولة ؟


 


 وكذلك فإن معظم الصناديق الاستثمارية تجعل نشاطها في شراء السلع والمعادن والسيارات ، ثم بيعها بالمرابحة ، أو البيع الآجل ، أو بالتقسيط ، وبالتالي تصبح أثمان هذه الصفقات ديوناً إضافة إلى النقود المحصلة شهرياً ، فتغلب حينئذٍ نسبة الديون والنقود على السلع والمعادن ، ففي حالة كون الصندوق مفتوحاً ـ أي يكون لأي أحد الحق في الدخول والخروج ـ يكون المستثمر الخارج بائعاً لوحداته ، والداخل مشترياً لها ، وحينئذٍ فهل يكون ذلك من باب بيع الدين الذي لا يجوز إلاّ بشروط صعبة ؟ أو من باب بيع النقد الذي يشترط فيه شروط الصرف ؟ .


 


 هذه هي المشكلة التي تحتاج إلى الحلول الفقهية التي نذكرها في هذا البحث ، وهي الاعتبار بمبدأ الكثرة والغلبة ، أو الأصالة والتبعية ، أو من خلال التخارج ، أو الشخصية الاعتبارية .


 


 وهي مشكلة ليست جزئية بسيطة ، بل هي كبيرة تحتاج إلى حل ، لا سيما إذا نظرنا إلى ميزانية البنوك والشركات الاستثمارية الإسلامية ، حيث تدل على أن معدل نسبة الديون الناتجة عن المرابحات والاستصناع ، والنقود تصل إلى 97% بين أربعة بنوك وشركات إسلامية .


 


 



 

تحرير محل النزاع في المشكلة :


 


 عندما تكون مكونات الأسهم ، أو الصكوك ، أو الوحدات الاستثمارية شيئاً واحداً مثل الأعيان ، أو الحقوق المعنوية ، أو الديون ، أو النقود ، فإن الحكم الشرعي عند بيعها وتداولها واضح ، لأنه يطبق على السهم ، أو الصك ، أو الوحدة الحكم الفقهي الخاص بذلك المكون بدون خلاف يذكر ، فإن كان عيناً فيطبق عليه أحكام بيع الأعيان ، وإن كان ديناً فيطبق عليه أحكام الدين ، وإن كان نقداً فيطبق عليه أحكام الصرف من القبض في المجلس والتماثل والمساواة إذا كان النقدان من جنس واحد ، أو القبض في المجلس فقط إذا كانا مختلفين[1] ، ولكن المشكلة عندما تكون مكونات الأسهم ، أو الصكوك ، أو الوحدات مشكلة من عدة أشياء ، فحينئذٍ يثور التساؤل حول مدى تطبيق أحكام بيع العين ، أو الدين ، أو النقد ، أو يكون الاعتبار بهذه الخلطة دون النظر إلى مكوناتها ، أو حسب الغلبة والكثرة ،او الأصالة أو التبعية ،وقد صدر قرار رقم 30(5/4) من مجمع الفقه الإسلامي بشأن سندات المقارضة وسندات الاستثمار نص على أنه :


 



أ ـ إذا كان مال القراض المتجمع بعد الاكتتاب وقبل المباشرة في العمل بالمال ما يزال نقوداً فإن تداول صكوك المقارضة يعتبر مبادلة نقد بنقد وتطبق عليه أحكام الصرف . 


ب ـ إذا أصبح مال القراض ديوناً تطبق على تداول صكوك المقارضة أحكام التعامل بالديون .


ج ـ إذا صار مال القراض موجودات مختلطة من النقود والديون والأعيان والمنافع فإنه يجوز تداول صكوك المقارضة وفقاً للسعر المتراضى عليه ، على أن يكون الغالب في هذه الحالة أعياناً ومنافع . أما إذا كان الغالب نقوداً أو ديوناً فتراعى في التداول الأحكام الشرعية التي ستبينها لائحة تفسيرية توضع وتعرض على المجمع في الدورة القادمة .


 


 وهذا القرار لا يمنع بحث هذا الموضوع ،لأنه طلب وضع لائحة تفسيرية ، ولكن لم توضع إلى الآن ، كما أن القرار يضع معياراً مادياً محدداً للغلبة ، وبالتالي فهي يمكن التوسع في تفسيرها ، وهذا هو الهدف من البحث .


 


 


 


 هل لهذه الحالة شبيه في التراث ؟


 


 يرد تساؤل آخر حول مدى وجود شبيه في تراثنا الفقهي ، فهل نجد لخلطه مكونات السهم أو الصك ، أو الوحدة شبيهاً في الفقه الإسلامي ؟


 


للجواب عن ذلك نقول إن هذه المسألة قريبة أو شبيهة بالحالات التالية :


 


 


الحالة الأولى : مسألة تفريق الصفقة:[2]


 


 تحدث الفقهاء عن تفريق الصفقة ، وذكروا له صوراً نذكر ما يتعلق بموضوعنا بإيجاز وهو ما إذا جمعت صفقة البيع ما يجوز بيعه ، وما لا يجوز بيعه ، حيث اختلف الفقهاء فيه اختلافاً نوجز القول فيه بما يأتي :


 


 ذهب الحنفية إلى تفصيل ، حيث ذهبوا إلى جواز تفريق الصفقة إذا جمع فيها ما يملكه وما لا يملكه كفرسه مع فرس غيره …. صح البيع ، وينفذ في ملكه بقسطه من الثمن ، ويبقى موقوفاً على الإجازة في ملك غيره ، أما إذا جمع فيها بين ميتة ، وحيوان حي ، أو مذبوح ،او خل وخمر فيبطل فيهما إن لم يسم لكل واحد ثمناً عند أئمتهم الثلاثة ، وإذا سمى لكل واحد منهما ثمناً صح فيما جاز بيعه البيع عند أبي يوسف ومحمد ، ولم يصح عند أبي حنيفة ،لأن المعقود عليه ليس محلاً للبيع ، في حين استدل الصاحبان بان الفساد لا يتعدى المحل الفاسد ، إذ لا موجب لتعديه حيث انفصل كل منهما عن الآخر بتفصيل الثمن[3].


 


 وذهب المالكية في المشهور إلى بطلان بيع حلال وحرام بصفقة واحدة إذا كان العاقدان أو أحدهما على علم بذلك ، وقيل يصح البيع فيما عدا المحرم بقسطه من الثمن[4] ، أما إذا لم يعلما كأن باع خلاً وخمر فبان أحدهما خمراً ،أو باع ذبيحتين فتبين أن إحداهما ميتة ، فللمشتري التمسك بالباقي بقسطه من الثمن ، ويرجع على البائع بما يخص الخمر ، أو الميتة من الثمن لفساد بيعه ، فأما لو باع الرجل ملكه وملك غيره في صفقة واحدة يصح البيع فيهما على المشهور ، ولزمه في ملكه ووقف الملزوم في ملك غيره على إجارته ورده[5] .


 


وذهب الشافعية إلى نوع من التفصيل نذكر ما يخص الموضوع ، حيث له حالان :  



 


الحال الأول : أن يقع التفريق في الابتداء ، وحينئذٍ ينظر : إن جمع بين شيئين يمتنع الجمع بينهما من حيث هو جمع ، بطل العقد في الجميع ، وإن جمع بين شيئين ، وكل واحد منهما قابل لما أورده عليه من العقد صح العقد فيهما على تفصيل في الآثار[6] .


 


الحال الثاني : أن يقع التفريق في الانتهاء ، وهو قسمان :


 



أحدهما : أن لا يكون اختيارياً كمن اشترى خيلين ، فتلف أحدهما قبل قبضهما انفسخ البيع في التالف ، وفي الباقي طريقان : أحدهما على القولين في جمع فرسه وفرس غيره ، وأصحهما : القطع بأنه لا ينفسخ لعدم العلتين .


 


الثاني : أن يكون اختيارياً كمن اشترى فرسين صفقة واحدة ، فوجد بأحدهما عيباً ، فهل له إفراده بالرد ؟ قولان : أظهرهما : ليس له ، وبه قطع الشيخ أبو حامد ، وعلى القول بجواز الرد ، فقام المشتري برد المعيب استرد قسطه من الثمن ، وعلى هذا القول لو أراد رد السليم والمعيب معاً فله ذلك على الصحيح[7] .


 


 


 وذهب الحنابلة إلى التفصيل التالي يلخص فيما قال ابن قدامة في الكافي : (إذا باع ما يجوز بيعه ، وما لا يجوز بيعه صفقة واحدة كخل وخمر ، أو فرسه ، وفرس غيره ففيه روايتان : إحداهما : تفرق الصفقة ، فتجوز فيما يجوز بيعه بقسطه من الثمن ، ويبطل فيما لا يجوز ، لأن كل واحد منهما له حكم منفرد ، فإذا اجتمعا بقيا في حكمهما ، كما لو باع شقصاً وسيفاً ، والثانية يبطل فيهما ، لأنه عقد واحد جمع حلالاً وحراماً فبطل كالجمع بين الأختين ، ويحتمل أن يصح فيما يجوز فيما ينقسم الثمن فيه على الأجزاء كدار له ولغيره ونحوها ، والقفيزين المتساويين ،لأن الثمن فيما يجوز بيعه معلوم ،و يبطل العقد فيما عدا هذا….)[8]. 


 


 


 


الحالة الثانية :


 


 التصرف في تركة تشتمل على مكونات مختلفة مثل الديون والنقود والأعيان ونحوها حيث أجاز الفقهاء التخارج لبعض الورثة حيث ثبت أن (عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه طلق امرأته تماضر بنت الأصبغ في مرض موته ، ثم مات وهي في العدة ، فورثها عثمان رضي الله عنه مع ثلاث نسوة أخر ، فصالحوها عن ربع ثُمنها على ثلاثة وثمانين ألفاً …)[9] وقد قال ابن عباس 🙁 لا بأس بان يتخارج أهل الميراث من الدين يخرج بعضهم من بعض)[10] .


 


 ومن المعلوم أن الأصل في التخارج انه عقد صلح بين الورثة لاخراج أحدهم ، ولكنه يعتبر عقد بيع إن كان البدل المصالح عليه شيئاً من غير التركة ، ويعتبر عقد قسمة ومبادلة إن كان البدل المصالح عليه من مال التركة ، وقد يكون هبة أو إسقاطاً للبعض إن كان البدل المصالح عليه أقل من النصيب المستحق[11] . كما أن الصلح عن مال بمال يعتبر في حكم البيع [12].


 


 وقد اختلف الفقهاء في التصالح بين ا لورثة في التركة إذا كان بعضها ديناً ، فذهب الحنفية إلى أن الصلح باطل في العين والدين ، ولكن ذكروا بعض الصور لتصحيح هذا الصلح ، جاء في الدر المختار : (وبطل الصلح أن أخرج أحد الورثة وفي التركة ديون بشرط أن تكون الديون لبقيتهم ، لأن تمليك الدين من غير من عليه الدين باطل…وصح لو شرطوا إبراء الغرماء منه أي من حصته ،لأنه تمليك الدين ممن عليه فيسقط قدر نصيبه عن الغرماء ، أو قضوا نصيب المصالح منه تبرعاً ، وأحالهم بحصته ، أو أقرضوه قدر حصته منه)[13] .


 


 ويفهم مما ذكره الحنفية انهم أجازوا الصلح أو التخارج في حالة وجود الدين في التركة في الصور التالية وهي :


 



أ ـ أن يشترط تبرأة المصالح للغرماء من حصته من الدين ، لأنه حينئذٍ يكون إسقاطاً ، أو هو تمليك الدين ممن عليه الدين ، وهو جائز .


 


ب ـ أن يعجل الورثة قضاء نصيب المصالح من الدين متبرعين ويحيلهم بحصته[14].


 


 والحنابلة يتفقون مع الحنفية في عدم جواز بيع الدين[15] . وذهب المالكية إلى انه يجوز بيع الدين لغير من عليه الدين بشروطه وعلى ذلك يجوز الصلح عن الدين الذي على الغير ، حيث يجوز بيع الدين ، ويمتنع الصلح عنه حيث يمتنع بيعه ، فيجوز الصلح عن الدين إذا كان الدين حيواناً أو عرضاً أو طعاماً من قرض بشرط أن يكون المدين حاضراً مقراً بالدين ، ومكلفاً…..)[16] .


 


 والشافعية أجازوا بيع الدين لغير من عليه الدين بشرط أن يكون المدين ملياً مقراً والدين حالاً مستقراً على تفصيل[17].


 


 


 


الحالة الثالثة : مسألة مد عجوة ،أو مسألة بيع القلادة المكونة من الذهب والخرز :


 


 فقد روى مسلم في صحيحه ، وأبو داود ، والترمذي والنسائي بسندهم عن فضالة بن عبيد الأنصاري يقول : (أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر ، بقلادة فيها خرز وذهب ، وهي من المغانم تباع ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذهب الذي في القلادة فنزع وحده ، ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : (الذهب بالذهب وزناً بوزن) وفي رواية أخرى بلفظ : (لا تباع حتى تفصّل) وفي رواية ثالثة لمسلم أيضاً بسنده عن حنش انه قال : كنا مع فضالة بين عبيد في غزوة فطارت لي ولأصحابي قلادة من ذهب وورق وجوهر ، فأردت أن اشتريها ، فسألت فضالة بن عبيد فقال : (انزع ذهبها فاجعله في كفة ، واجعل ذهبك في كفة ، ثم لا تأخذن إلاّ مثلاً بمثل ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يأخذن إلاّ مثلاً بمثل)[18] .


 


 قال الترمذي بعد ما رواه : (هذا حديث حسن صحيح ، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم لم يروا أن يباع السيف محلّى ، أو منطقة مفضضة ، أو مثل هذا بدراهم حتى يميز ويفصل ، وهو قول ابن المبارك ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وقد رخص بعض أهل العلم في ذلك من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم)[19] .


 


 وهذه المسألة اشتهرت بين الفقهاء بمسألة مد عجوة ، وصورتها : باع شخص مد عجوة ودرهماً بمد عجوة ، أو بدرهمين ، وتشمل كذلك بيع سيف محلى بالذهب ، أو فضة بثمن جنسه ، حيث اختلف الفقهاء في ذلك على ثلاثة آراء : 


 


1 ـ ذهب الشافعية والحنابلة في المذهب[20] وهو مروي عن شريح ، وابن سيرين ، والنخعي[21] إلى أنه لا يجوز بيع نقد بجنسه ، ومع أحدهما ، أو كليهما شيء آخر فلا يجوز بيع مد ودرهم بدرهمين ، أو بدرهم وثوب ، كما لا يجوز بيع شيء محلى بذهب أو فضة كسيف ، أو مصحف بجنس حليته .


 


 ودليل هؤلاء حديث فضالة الصحيح السابق حيث ظاهر في الدلالة على ذلك ، كما استدلوا بأن ذلك العقد يؤدي إلى الجهل بالمماثلة المشروطة في بيع الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، ولذلك أجازوا عند اختلافهما .


 


2 ـ ذهب الحنفية ، والحنابلة في رواية وهو مروي عن الحسن ، والنخعي ، والثوري[22] إلى جواز ذلك بشرط أن يكون بيعه بأكثر مما فيه من الذهب في حالة كون المبيع معه أو فيه الذهب ، أو بأكثر مما فيه من الفضة في حالة كون المبيع معه ، أو فيه الفضة ، ولا يجوز بمثله ، ولا بأقل منه ، لذلك يجوز بيع درهم (من الفضة) ومد عجوة او ثوب بدرهمين (من الفضة) ولا يجوز بيعهما بدرهم واحد مثلاً أو أقل منه ، لأنه عند المساواة أو النقصان يتحقق التفاضل المنهي عنه في بيع الذهب بجنسه ، وبيع الفضة بجنسها ، وكذلك الزيادة مثل بيع درهم وثوب بدرهمين ، يقابل الدرهم بالدرهم ، ويقابل الثوب بما بقى فلم تحدث فيه المخالفة المنهي عنها وقد علل الحنفية لتصحيح ذلك تعليلاً جميلاً وهو ان التعاقد بين الطرفين يحمل على الصحة ولا يحمل على الفساد ما دام حمله على الصحة ممكناً[23] وقد حمل الطحاوي الحديث السابق بأنه إنما نهى عنه ؛ لأنه كان في بيع الغنائم لئلا يغبن المسلمون في بيعها[24] وذكر الخطابي أن قول الحنفية مخرج على القياس ، لأنه يجعل الذهب بالذهب سواءً ويجعل ما فضل عن الثمن بازاء السلعة……[25] .


 


3 ـ وذهب مالك في الموطأ إلى أن من  اشترى مصحفاً أو سيفاً أو خاتماً وفيه ذهب أو فضة ، بدنانير أو دراهم فإن اشترى من ذلك وفيه الذهب بدنانير فإنه ينظر إلى قيمته ، فإن كان قيمة ذلك الثلثين ، وقيمة ما فيه من الذهب الثلث فذلك جائز لا بأس به إذا كان يداً بيد ، ولا يكون فيه تأخير ، وما اشترى من ذلك بالورق نظراً إلى قيمته فإن كان قيمة ذلك بالثلثين وقيمة ما فيه من الورق الثلث فذلك جائز لا بأس به إذا كان ذلك يداً بيد ،ولم يزل على ذلك أمر الناس عندنا بالمدينة[26]. 


 


 وقال سحنون : (وقد أعلمتك بقول ربيعة وما جوّز من ذلك ، وقوله : إذا كانت الفضة تبعاً ، وأن ذلك إنما أجيز لما جاز للناس اتخاذه ـ أي اتخاذ السيف المحلى بالذهب أو الفضة ـ وأن في نزعه مضرة ، وانه إذا كان تبعاً كانت الرغبة في غيره ولم تكن الرغبة فيه ، ولا الحاجة إليه ، وقد جوز أهل العلم ما هو أبين من هذا من بيع الثوب بدينار إلاّ درهماً أو درهمين إذا كان دفع الدراهم مع قبض الدينار ، لأنهم لم يروا ذلك رغبة في الصرف ، واستحسنوه واستثقلوا ما كثر من ذلك)[27] ثم نقل القول بالجواز عن الحسن ، وإبراهيم النخعي ، حيث جاء في الموطأ : (وجوزه أيضاً إبراهيم النخعي مثل قول الحسن ، ولم يذكره إلاّ مسجلاً ، فذلك فيما يرى للناس فيه من المنافع ، ولما في نزعه من المضرة ، ولأ