يقصد بالأصالة هنا ما كان الشيء بذاته هو المقصود الأساس في العقد ، أو على الأقل يكون مقصوداً ، أي أن نية العاقدين لم تكن متجهة غليه أصالة ، فمثلاً الذي يشتري المنـزل يكون قصده الأساس ما هو المعد للسكن دون ملحقاته من الأشجار ونحوها .


 


 وأما التبعية فالمقصود بها هنا ما يدخل في الشيء تبعاً مثل الحمل بالنسبة لشراء الحيوان الحامل ،   فالتبعية هي كون الشيء مرتبطاً بغيره إما ارتباطاً يتعذر انفراده مثل الحمل مع الحامل ، ولذلك تحصل ذكاة الجنين بذكاة أمه عند الجمهور أو يمكن انفصاله عن متبوعه مثل مرافق المنـزل ونحوها [1].


 


 وقد انبثقت عدة قواعد فقهية منها :


 


أ . التابع تابع ، والتابع لا يفرد بالحكم ، وهي القاعدة التي ذكرتها مجلة الأحكام العدلية في مادتها 48 والمقصود بذلك أن التابع المرتبط بمتبوعه لا يفرد بالحكم مثل الحمل فلا يجوز بيعه منفرداً ، ومما يذكر مع هذه القاعدة : ( التابع لا يفرد بالحكم ما لم يصر  مقصوداً ) مثل زوائد المبيع المنفصلة المتولدة إذا حدثت قبل القبض تكون تبعاً للمبيع ، ولا يقابلها شيء من الثمن ، ولكن لو اتلفها البائع سقطت حصتها من الثمن فيقسم الثمن على قيمة الأصل يوم العقد وعلى قيمة الزيادة يوم الاستهلاك [2].


ب . من ملك شيئاً ملك توابعه مثل ملحقات الدار والحمل .


جـ . التابع يسقط بسقوط المتبوع مثل إذا سقطت صلاة الفرض بالجنون سقطت سننها الراتبة[3]. وإذا برئ الأصل برأ الكفيل .


د . يغتفر في التوابع ما لا يغتفر في المتبوع ، ومن فروعها : أن النسب لا تثبت ابتداءً بشهادة النساء أما لو شهدن بالولادة على الفراش فقد ثبت النسب تبعاً حتى ولو كانت الشاهدة القابلة وحدها [4].


 


 ومنها جواز رمي المسلمين الذين تترس بهم الكفار تبعاً ، ولا يجوز أصالة [5]، ومنها أن بيع الثمرة التي لم تبد صلاحها جائز مع أصلها ، ولكن لا يجوز بيعها دونه ، لما في ذلك من الغرر ، قال ابن قدامه : ( لأنه إذا باعها مع الأصل حصلت تبعاً في البيع فلم يضر احتمال الغرر فيها )[6] .


 


 الأدلة على اعتبار هذا الأصل :


 


  يدل على اعتبار هذه القاعدة استقرار فروع الفقه الإسلامي وجزئياته ومسائله التي اعتبرت في عدد غير يسير منها رعاية الأصالة والتبعية .


 


  ويدل على ذلك أيضاً الحديث الصحيح المتفق عليه  الذي ذكرناه سابقاً حول بيع العبد : ( من باع عبداً وله مال فماله للذي باعه إلاّ أن يشترطه المبتاع )، والحديث يدل بوضوح على أنه لا ينظر عند بيع العبد الذي معه مال إلى نوعية ماله نقداً ، أو عرضاً ، أو ديناً ، أو ربوياً أو غيره ، فقد ذكر الحافظ ابن حجر أن اطلاق الحديث يدل على جواز بيعه ولو كان المال الذي معه ربوياً ، لأن العقد وقع على العبد خاصة ، والمال الذي معه تبع له لا مدخل له في العقد [7].


 


 وهذا رأي مالك حيث قال : ( الأمر المجتمع عليه عندنا أن المبتاع إن اشترط مال العبد فهو له نقداً كان أو ديناً ، أو عرضاً يُعلم أو لا يُعلم وإن كان للعبد من المال أكثر مما اشترى به كان ثمنه نقداً أو ديناً أو عرضاً . )[8].


 


 وكلام مالك هذا يدل على عدم اشترط كون المال التابع أقل من ثمنه ، وفي هذا دلالة على عدم النظرة إلى الكثرة والقلة عند كون الشيء تابعاً .


 


 قال ابن القاسم ، عن مالك يجوز أن يشترى العبد وماله بدراهم إلى أجل وإن كان ماله دراهم ، أو دنانير ، أو غير ذلك من العروض [9] . وفي هذا دلالة على عدم اشتراط أحكام الصرف ما دامت دراهمه ودنانيره وذهبه وفضته تبعاً للعبد حتى ولو كان ثمنه من نفس الجنس .


 


أ . فعلى ضوء رأي مالك أنه لا يشترط لصحة ذلك البيع أن يكون القصد متجهاً نحو العبد فقط ، وإنما الحكم هو أنه إذا اشترى العبد ومعه مال أي مال بأي ثمن كان فإن العقد صحيح وأن ماله للمشتري إن اشترط وإلاّ فلسيده ، قال ابن عبدالبر : ( ويجوز عند مالك شراء العبد وإن كان ماله دراهم بدراهم إلى أجل وكذلك لو كان ماله ذهباً أو ديناً )[10] .


 


 وهذا قول الشافعي في القديم ، وأبي ثور وأهل الظاهر [11]، وقال الشاطبي : ( فالحاصل أن التبعية للأصل ثابتة على الاطلاق )[12] ، وهو رواية عن أحمد اختارها ابن تيمية[13] ، وقد ذكر النووي أنه لو باع داراً بذهب ، فظهر فيها معدن ذهب …صح البيع على الأصح ، لأنه تابع)[14] .    


 


ب . وذهب عثمان البتي إلى رعاية القصد حيث قال : ( إذا باع عبداً وله مال ألف درهم بألف درهم جاز إذا كانت الرغبة في العبد لا في الدرهم )[15] .


 


 وهذا هو المنصوص عن أحمد حيث ذكر الخرقي أن البيع صحيح وإن كان مع العبد مال أي مال بشرط أن يكون قصده للعبد ، لا للمال ، وهذا منصوص أحمد وهو قول الشافعي ـ أي في القديم ـ وأبي ثور وعثمان البني ، فمتى كان كذلك صح اشتراطه ودخل في البيع به سواء كان ديناً أو عيناً وسواء كان مثل الثمن أو أقل أو أكثر[16] ، وهو المختار عن الشيخ تقي الدين[17].


 


 ج. وذهب إلى عدم صحة ذلك مطلقاً الحنفية ، والشافعي في الجديد ، لما فيه من الربا[18] ولحديث فضالة بن عبيد الأنصاري الذي اشترى قلادة فيها ذهب وخرز بذهب فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بنـزع الذهب فقال : ( الذهب بالذهب وزناً )[19] .


 


 ولكن الحديث واضح في دلالته على أن شراء الذهب كان مقصوداً أصالة لفضالة فيختلف عن موضوع العبد ، ولا تعارض بينهما ، فمسألة مال العبد داخلة في التبعية التي لا جدال فيها .


 


  ومما يتعلق بهذا الموضوع ما يسميه الفقهاء بمسألة ” مد عجوة ” وهي أن يبيع مالاً ربوياً ـ كالدراهم والدنانير ـ بجنسه ومعهما أو مع أحدهما ما ليس من جنسه ، مثل أن يكون غرضهما بيع دراهم بدراهم فيبيع كيلو من التمر مع عشرة دراهم بخمسة عشر درهماً مثلاً ، فهذا غير جائز وغير صحيح عند المالكية والشافعية والحنابلة ، وأجازه الحنفية [20].


 


 ولكن شيخ الإسلام طبق على هذه المسألة أيضاً مسألة التبعية والأصالة ، ومسألة الحيل ، فقال :     ( وأما إن كان كلاهما مقصوداً كمد عجوة ودرهم بمد عجوة ودرهم ، أو مدين ، أو درهمين ففيه روايتان عن أحمد ، والمنع قول مالك والشافعي ، والجواز قول أبي حنيفة وهي مسألة اجتهاد)[21].


 


 وقد فرق المالكية بين مسألة ” مد عجوة ” التي حرموها وبين بيع العبد الذي له مال من النقود والديون بالنقود ، مع أنهم أجازوه ـ كما سبق ـ بأن موضوع العبد داخل في باب التبعية ، لأن  العبد هو المقصود بالبيع وليس ماله إضافةً إلى أن الحديث الوارد فيه واضح الدلالة على الجواز مطلقاً ، وليس هناك دليل يقيده في نظرهم فيبقى على اطلاقه ، كما أن ذلك يحقق مصالح معتبره ، حيث قال الإمام أبو بكر بن العربي : ( إن ما جاء في مال المملوك ينبني على القاعدة العاشرة وهي المقاصد ، والمصالح التي تقتضي جوازه ، لأن المقصود ذاته ، لا ماله ، والمال وقع تبعاً ) [22].


 


تطبيق هذه القاعدة على الأسهم والوحدات :


 


 إذا أردنا تطبيق هذه القاعدة على الأسهم والوحدات التي تتكون من الأعيان والمنافع والحقوق المعنوية ، والديون والنقود فنرى أننا أمام ثلاثة آراء فقهية في موضوع وجود نقود ونحوها من الأموال الربوية مع الأعيان غير الربوية .


 


الرأي الأول : للحنفية والشافعي في الجديد حيث يرون منع ذلك .


 


الرأي الثاني : لأحمد وبعض التابعين حيث يرون الاعتبار بالقصد فإن كان قصد المشتري الأعيان غير الربوية وجاءت الأموال الربوية تبعاً وعرضاً فهذا جائز ، وإلاّ فغير جائز .


 


الرأي الثالث : رأي مالك ومن معه من أهل المدينة حيث يرون أن العبد ـ مثلاً ـ ما دام هو محل العقد من حيث هو فإن شراءه بنقد ، أو غيره جائز ولو كانت معه نقود وذهب وفضة ونحوها من الأموال الربوية حتى ولو كانت هذه الأموال أكثر من غيرها ، لأنها جاءت تبعاً ، ولأن الحديث الوارد فيه عام ، أو مطلق لم يخصص ، أو يقيد بأي شيء ، والتخصص ، أو التقييد بدون دليل معتبر غير جائز ، كما أنهم جمعوا بين هذا الحديث ، وحديث فضالة بن عبيد بأن حديث العبد وارد في كون العقد وارداً على العين أصالة ، وأن ما معه من الأموال جاء تبعاً ، وحديث فضالة حلَّ العقد فيه أصلاً على الذهب ـ كما سبق ـ.


 


 وعلى هذا الرأي أن التبعية لا تخضع لمبدأ اعتبار القلة أو الكثرة ، فلا حرج إذن أن يكون التابع أكثر من قيمته أو كميته من المتبوع الأصل ( فالأتباع يعطى حكم المتبوعات )[23] .


 


 وهذا الرأي يحل هذه المشكلة تماماً ، وهذا ما أفتى به من المتأخرين العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي الديار السعودية سابقاً رحمه الله حيث سئل عن التعامل بأسهم الشركات التي تتكون من نقود وديون لها وعليها ، ومن قيم وممتلكات وأدوات مما لا يمكن ضبطه بالرؤية ولا بالوصف حيث استشكل السائل القول بجواز بيع تلك السهام لعدم جواز بيع الدين في الذمم . فأجاب رحمه الله بقوله : ( فلا مانع من بيعها بشرط معرفة الثمن ، وأن يكون أصل ما فيه الاشتراك معلوماً ، وأن تكون أسهمه منها معلومة أيضاً ، فإن قيل : إن فيها جهالة ، لعدم معرفة أعيان ممتلكات الشركة وصفاتها ؟


 


فيقال : إن العلم في كل شيء بحسبه ، ثم ذكر بأن العلم بذلك من خلال نشراتها السنوية وميزانيتها تحقق المعرفة الكلية الممكنة ، وأن ” تتبع الجزئيات في مثل هذا فيه حرج ومشقة ، ومن القواعد المقررة أن المشقة تجلب التيسير ، وقد صرح الفقهاء ـ رحمهم الله ـ باغتفار الجهالة في مسائل معروفة في أبواب متفرقة مثل جهالة أساس الحيطان ، وغير ذلك .


 


فإن قيل : إن في هذه الشركات نقوداً ، وبيع النقد بنقد لا يصح إلاّ بشرطه .


 


فيقال : إن النقود هنا تابعة غير مقصودة ، وإذا كانت بهذه المثابة ، فليس لها حكم مستقل ، فانتفى محذور الربا ، كما سيأتي في حديث ابن عمر .


 


فإن قيل : إن للشركة ديوناً في ذمم الغير ، أو أن على تلك السهام المبيعة قسطاً من الديون التي قد تكون على أصل الشركة ، وبيع الدين في الذمم لا يجوز إلاّ لمن هو عليه بشرطه .


 


فيقال : وهذا أيضاً من الأشياء التابعة التي لا تستقل بحكم ، بل هي تابعة لغيرها ، والقاعدة : أنه يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً ، ويدل على ذلك حديث ابن عمر مرفوعاً ( من باع عبداً وله مال فماله للبائع إلاّ أن يشترطه المبتاع )رواه مسلم وغيره ، فعموم الحديث يتناول مال العبد الموجود والذي له في ذمم الناس ، ويدل عليه أيضاً حديث ابن عمر الآخر : ( من باع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها للذي باعها إلاّ أن يشترط المبتاع ) متفق عليه ، ووجه الدلالة أن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها لا يجوز ، لكن لما كانت تابعة لأصلها اغتفر فيها مالم يغتفر لو كانت مستقلة بالعقد .


 


ومما يوضح ما ذكر أن هذه الشركات ليس المقصود منها موجوداتها الحالية ، وليست زيادتها أو نقصها بحسب ممتلكاتها وأقيامها الحاضرة ، وإنما المقصود منها أمر وراء ذلك وهو نجاحها ومستقبلها وقوة الأمل في إنتاجها والحصول على أرباحها المستمرة غالباً .وبما ذكر يتضح وجه القول بجواز بيعها على هذه الصفة والله أعلم )[24].


 


توضيح لهذا الرأي :


لا شك أن التبعية أنواع من أهمها :


 


1. تبعية القلة للكثرة ، وتبعية اليسارة والندرة للغلبة ، كما قال ابن شاس : ( اليسارة لها حكم التبعية ، والمشهور أن الأتباع لا تراعى ) [25] ، وقال الباجي : ( الثلث وما دونه في حكم التبع )[26] قال ابن شاس : (ما هو التبع ؟ فيه ثلاثة أقوال :أحدها : الثلث ، والثاني : أنه دون الثلث ، وهما على ما تقدم في عد الثلث يسيراً او كثيراً ، وحكى القاضي أبو الوليد عن بعض أصحابنا العراقيين أن النصف تبع ، وبالزيادة عليه يخرج عن حد التبع)[27].


 


وهذا النوع قد عولج من خلال القاعدة السابقة بالتفصيل .


 


2. التبعية بالقصد أن يكون الاعتبار للقصد الأساس للعاقدين وهذا هو رأي أحمد الذي ذكرناه ، وهو يحل جزءاً من المشكلة ، ولكنه يرد هنا تساؤل حول الأسهم ووحدات الصناديق : فما هو الذي يجعل اصلاً متبوعاً ، وما هو التابع في تداولها ؟


 


 للإجابة عن ذلك هنال