أثارت تصريحات أحد أساتذة الأزهر لقناة العاصمة في 16/09/2015م المحسوب على الانقلاب واللاشرعية حول المسجد الأقصى بأن حرمة دم المسلم أعظم من الكعبة، وبالتالي يترك الأقصى والقدس ” ده بتاع ربنا وهو يدافع عنه مش احنا”، كما صرح بأنه لا يجوز أن تكون الحرب باسم الدين، ولا يجوز نصر الدين، ولا النخوة للدين، ثم هاجم حماس و الجهاد ونحوهما من المجاهدين بأنهم يتاجرون باسم الدين، ثم هوّن من أمر الاحتلال الصهيوني فقال ” إن الرسول (صل الله عليه وسلم) كان يستقبل في صلاته 17 شهرا نحو المسجد الأقصى وهو في قبضة النصارى.
تأتي هذه التصريحات متزامنة مع تصريحات رئيس وزراء الدولة المحتلة (نتنياهو) مهددا المرابطين والمرابطات ومعربا عن مخاوف حرب دينية…الخ.
وصاحب هذه التصريحات الأخيرة (سعد الدين الهلالي) هو الذي بشر بأن الله تعالى أرسل رسولين في العصر الحاضر،( السيسي ومحمد إبراهيم المعزول حاليا)، لإنقاذ الدين كما أرسل موسى وهارون، وهو صاحب الفتوى المشهورة بان المسيحيين في مصر مسلمون لأن المسلم ليس هو من نطق بالشهادة، وإنما هو المسالم.
نقول لهؤلاء وغيرهم ما يأتي:
أولا: إن الدين الإسلامي قد تكفل الله تعالى بحفظه من خلال الحفاظ على كتابه العظيم المعجز الذي (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) }فصلت 42{
فقد تكفل الله بحفظ القرآن الكريم بلفظه وسماته ومعانيه وأحكامه فقال تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) }الحجر9{ وقال تعالى (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ( }القيامة{. وقال تعالى (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ) }الحاقة 44-46{.
ولذلك قيض الله تعالى من كل عصر طائفة من الأمة ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.
فالدين محفوظ، والمنحرف دائما مكشوف، والذي يضل الناس دائما مفضوح، وأن من يتحدث باسم الدين ويستغله لخدمة أهوائه وأهواء سادته فهو مفتون في الدنيا قبل الآخرة قال تعالى (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) }النور{63
وقد حذر الله تعالى تحذيرا شديدا من الركون إلى الظلم فقال تعالى) وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُون) } هود 113{، كما حذر تحذيرا شديدا وخطيرا من الميل إلى الظلمة والانحراف بالكلمة والحق للقرب منهم فقال تعالى (وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا )}الإسراء 74-75{
ثانيا: أجمع العلماء قاطبة على أن الدين مقدم على النفس والمال، ولذلك أوجبوا الجهاد بالنفس والمال في سبيل حماية الدين، وتدل على ذلك جميع آيات الجهاد التي اشترطت أن يكون الجهاد في سبيل الله، ولنصرة دينه وأوليائه، ولدرء الظلم والطغيان فقال تعالى في أول آية نزلت في الجهاد (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)} الحج 39{. ثم قال في وصفهم (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ) }الحج 40{.، فهولاء أخرجوا بسبب الدين، وهم يجاهدون لنصرة الدين، ولدرء الظلم عنهم، وقال تعالى (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)}الأنفال {3، وقال تعالى في سورة التوبة بعد الأمر بقتال المشركين المعتدين: (فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ)} التوبة 11{.
وهذه القضية هي مما علم من الدين بالضرورة فلا ينكرها إلا جاهل جاحد.
ثالثاً: دلّت النصوص الشرعية الصريحة الواضحة من الكتاب والسنة على وجوب مقاومة المحتلين اذا احتلوا أرضنا وديارنا، وعلى ذلك اتفقت كلمات الفقهاء من جميع المذاهب الفقهية، وأجمعوا على وجوب الجهاد الذي سمي بجهاد النفير، وعلى ذلك اتفقت القوانين الدولية والأعراف والمواثيق الأممية بأن مقاومة المحتلين حق ثابت في جميع الشرائع والنظم والقوانين في حق كل أرض محتلة، فما بالك بالمسجد الأقصى الذي هو أولى القبلتين، ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنطلق معراجه فقال تعالى (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}(الإسراء 1{
فلا يوجد كتاب في فقه المذاهب الإسلامية إلا وينص على أن مقاومة المحتل، وجهاده بكل الوسائل الشرعية المتاحة فرض عين.
رابعاً: أن القول المشهور بين الناس بلفظ “لهدم الكعبة حجراً حجراً أهون من قتل المسلم” لم يرد بهذا اللفظ ونحوه في الصحيحين، ولا في كتب السنة المعتمدة، يقول الحافظ السخاوي في المقاصد الحسنة (401) “لم أقف عليه بهذا الفظ” وهكذا قال الكثيرون من علماء الحديث، وقال ملا علي قاري في الأسرار المرفوعة ص (282): “لا أصل له، أو بأصله موضوع” ولكن ورد قريب منه مرفوعاً كما قال الشوكاني وهو “من آذى مسلماً بغير حق فكأنما هدم بيت الله”
إن قصدي من ذلك أنه لم يرد الحديث بهذا اللفظ ولكن حرمة دم المسلم عظيمة بلا شك، فهي أعظم من زوال الدنيا، كما ورد بذلك أحاديث ترقى بمجموعها إلى درجة الصحيح لغيره.
ولكن هذه الأحاديث لا تدل أبداً على الاستهانة بالكعبة المشرفة، أو على عدم جواز التضحية بالروح في سبيلها، فالكعبة المشرفة هي قبلة المسلمين ومن أعظم الشعائر الإسلامية، وكذلك المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين، ومسرى رسوله من أعظم الشعائر وقال تعالى (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) } الحج 32{ فمن لم يدافع عن الكعبة، أو عن القدس فعمن يدافع؟
هذه الدعوة من مثل هؤلاء المتعالمين داخلة ضمن المخطط الصهيوني بسلب قوتهم المعنوية والدينية للانبطاح، والهزيمة النفسية، حتى تُقتل روح المقاومة والجهاد في النفوس وتستسلم الأمة للاحتلال والذل والمهانة، وهذا لن يحدث أبدآ فإن الله تعالى قد قال (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ) }المنافقون 8{
خامساً: إن ما قيل “المسجد الأقصى بتاع ربنا، وإن الله تعالى هو الذي يدافع عنه” أو القول بـ”أن للبيت رباً يحميه” أقوال يراد بها الآن الباطل، فإن مما لا شك فيه أن الكون كله لله تعالى، ولكن هل هذا يعني أن يجلس الناس دون الأخذ بالأسباب، فإن من سنن الله القاضية الحاكمة أن النصر لن يأتي إلا بعد الأخذ بجميع أسبابه المادية بعد التوكل على الله تعالى، وأنه لم ولن ينزل نصر دون الأخذ بسننه تعالى فقال سبحانه (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) }الأنفال 62{ وقال تعالى: (بَلَىٰ إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ) }ال عمران 125{.
سادساً: إن ما ذكره (من أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يستقبل بيت المقدس وهو في حوزة النصارى) أراد به التهوين من أمر الاحتلال، فهذا أمر مشين وقياس باطل، واستشهاد مخل في غير محله، وذلك لأن الصهاينة اليوم محتلون حتى حسب قرارات الأمم المتحدة، ناهيك عن إجماع علماء المسلمين قديماً وحديثاً على وجوب مقاومة المحتل وطرده بكل ما يمكن – كما سبق – فالقدس أرض إسلامية، وعربية محتلة.
وأخيرا يبدو أن السلطة الانقلابية بمصر قد جهزت كل أجهزتها، وهيأت جميع أدواتها للتخلي عن قضية القدس وفلسطين، وسحب الأسس الدينية عنها، بل أصبحت في تعاملها مع أهل غزة أشد من الصهاينة من الحصار الخانق، وتدمير الأرض وجعلها غير صالحة من خلال صب ماء البحر عليها، ولكن لا نشك بأنه (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) }يوسف 21{ وأن من سننه (إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) }يوسف 23{ وأنه (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ) }الشعراء 227{ .
سابعاً: إن ما ذكره من تعظيم حرمة الدماء لا ندري هل هو خاص بدماء الصهاينة أم إنه عام، وإذا كان كذلك فلماذا لم يدافع عن الدماء الزكية المظلومة التي أريقت في “الرابعة”، و”النهضة”، وداخل السيارات المكبوتة، وداخل السجون، بل لماذا برّرها هو ومفتو الفتنة والقتل والظلم، أوما يخافون الله تعالى من أن هذه الأرواح المؤمنة تأتي يوم القيامة مطالبة بحقها أمام الله تعالى، وستكون لعنة عليهم.
وأخيراً فنحن لا نشك أن النصر قادم بإذن الله، وأن الحق منتصر، والظلم مندحر، والكفر منهار، والنفاق خزي وعار، وأن الركون إلى الظلم فتنة وشنار، وعاقبته ذل ونار.
(وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) }إبراهيم 42{ صدق الله العظيم