بما أن الاستثمار من طبيعته الربح والخسارة ، وأن معظم الاستثمارات التي تقوم بها الدولة ، أو المؤسسات الحكومية إن لم تكن فاشلة فليست على المستوى المطلوب ، ولا على مستوى الاستثمارات الخاصة ، وبما أن أموال الوقف أموال خيرية عامة لها خصوصية رأيناها معتبرة لدى فقهائنا الكرام حيث لم يجيزوا التصرف فيها بالغبن ، وبأقل من أجر المثل لذلك كله يشترط في استثمار أموال الوقف ما يأتي :


1.الأخذ بالحذر والأحوط والبحث عن كل الضمانات الشرعية المتاحة ، وقد ذكرنا أن مجمع الفقه الدولي أجاز ضمان الطرف الثالث لسندات الاستثمار ، ومن هنا فعلى إدارة الوقف ( أو الناظر ) البحث عن مثل هذا الضمان بقدر الإمكان ، وإن لم تجد فعليها مفاتحة الحكومة بذلك .


2.الاعتماد على الطرق الفنية والوسائل الحديثة ودراسات الجدوى ، ورعاية أهل الإخلاص والاختصاص والخبرة فيمن يعهد إليهم الاستثمار .


3.التخطيط والمتابعة والرقابة الداخلية على الاستثمارات .


4.ومراعاة فقه الأولويات وفقه مراتب المخاطر في الاستثمارات ، وفقه التعامل مع البنوك والشركات الاستثمارية ، بحيث لا تتعامل إدارة الوقف إلاّ مع البنوك الإسلامية والشركات اللاتي تـتوافر فيها الأمن والأمان والضمان بقدر الإمكان . ومن هذا المنطلق عليها أن تتجه إلى الاستثمارات التي لا تـزال أكثر أماناً وأقل خطراً وهي الاستثمارات العقارية .


 


الشخصية الاعتبارية للوقف ، وأثرها على تطويره :


 الشخصية الاعتبارية يراد بها أن تكون للشركة ، أو المؤسسة شخصية قانونية مستقلة عن ذمم أصحابها ، أو شركائها يكون لها وحدها حقوقها والتـزاماتها الخاصة بها  وتكون مسؤوليتها محدودة بأموالها فقط .


 وهذه الشخصية الاعتبارية لم يصل إليها القانون إلاّ في القرون الأخيرة في حين سبقه فقهنا الإسلامي الوضعي في الاعتراف بالشخصية الاعتبارية للوقف ، حيث نظر الفقه الإسلامي إلى من يدير الوقف نظرة خاصة فرّق فيها بين شخصيته الطبيعية ، وشخصيته الاعتبارية كناظر للوقف ، أو مدير له ، وترتب على ذلك أن الوقف ينظر إليه كمؤسسة مستقلة عن أشخاصها الواقفين والناظرين ، لها ذمة مالية تـترتب عليها الحقوق والالتـزامات فقد قرر جماعة من الفقهاء منهم الشافعية  والحنابلة  جواز انتقال الملك إلى جهة الوقف مثل الجهات العامة كالفقراء والعلماء ، والمدارس والمساجد ، كما ذكر فقهاء الحنفية والشافعية  أنه يجوز للقيّم على الوقف أن يستدين على الوقف للمصلحة بإذن القاضي ، ثم يسترده من غلته ، فهذا دليل على أن الوقف له نوع من الذمة المالية التي يستدان عليها ، ثم يسترد منها حين إدراك الغلة ، قال ابن نجيم : ( أجر القيّم ، ثم عزل ، ونصب قيّم آخر ، فقيل : أخذ الأجر للمعزول ، والأصح أنه للمنصوب ، لأن المعزول أجره للوقف لا لنفسه )  فهذا يدل على أن الوقف من حيث هو يقبل الإجارة ، حيث اعتبرت الإجارة له ، وهناك نصوص كثيرة تدل على إثبات معظم آثار الشخصية الاعتبارية في القانون الحديث للوقف  .   


 


 ولا أريد الخوض في تفاصيل ذلك ، وإنما الذي أريد أن أقوله هو أن هذا التكييف الفقهي للوقف جعله مؤسسة مستقلة تطورت في القرون الأُولى وقدمت خدمات جليلة لهذه الأمة وحضارتها ، واستطاعت أن تحافظ على عدد كبير من القضايا الأساسية للحفاظ على متطلبات الأمة وتطويرها مثل المدارس ، والجامعات والمستشفيات ، وبعض المؤسسات والميراث الخاصة بالأعمال التطوعية والخيرية .


 فهذا التكييف الفقهي أضفى على العمل الوقفي والخيري طابعاً مؤسسياً تميز عن الطابع الشخصي بعدة مميزات من أهمها أن المؤسسات أكثر دواماً من الشخص الطبيعي ، وأن عملها أكثر قابلية للتأطير ( بمعنى أن عملها يوضع في إطار منظم يتضمن حصراً للموارد المتاحة ، وكيفية تعبئتها ، والأهداف المبتغاة والوسائل المستخدمة للوصول إلى الأهداف ) كما أنها أكثر قابلية وتعرضاً للمحاسبة والتقويم والتقييم من خارجها ، بالإضافة إلى أنه يمكن تصميمها بحيث تحتوي على نظام فعال للرقابة الداخلية ، كل ذلك يعود بالتطوير على المؤسسة الوقفية .


 


ولذلك كانت معظم المؤسسات الوقفية تحت إشراف الدولة الإسلامية ، وبالأخص تحت إشراف القضاء ، وبالأخص تحت إشراف القضاء وبالأخص في فترات ازدهار لهذا الجانب إلاّ مع ضعف الأمة الإسلامية في مختلف مجالاتها .


 ويدل على هذه الأهمية للوقف تركيز أعداء الإسلام ( وبالأخص المستعمرون ) على تحطيم المؤسسات الوقفية وتعيـبها وتشويش صورتها وصورة القائمين عليها ، ثم اختيار سيء السمعة والإدارة لإدارتها ، ولا أظن أن هذا يحتاج إلى دليل .وقصدي من ذلك أن الوقف لو ترك دون قصد تخريبه ليتطور تطوراً كبيراً وقام بخدمات جليلة أكثر مما قدمه على مرّ التأريخ الإسلامي.


 


 لذلك يجب علينا حينما نـتحدث عن الوقف أن نوجه كل طاقتنا وإمكانياتنا لتطوير هذه المؤسسة في كل المجالات ، وقد استفاد الغرب من فكرة الوقف كمؤسسة في شتى مجالات الحياة وبالأخص في مجالات التعليم والأبحاث فمعظم المراكز العلمية ، والكليات والجامعات لها أوقافها الخاصة للاستمرارية مع كل هذا لدعم الهائل من حكوماتها .


 


 


 اعلى الصفحة