شدد خبير متخصص في فقه المعاملات على عدم مهاجمة الطروحات والأفكار الإسلامية المصرفية والتأمينية والتشويش حولها، معتبرا أن نظام البنوك الإسلامي ميزة كبيرة يجب الاعتراف بها، وتطويرها بدلا من إشاعة المآخذ حولها، مبينا أنها ماضية في تحقيق أهدافها بشكل طيب.

وأشار إلى أن الأزمة المالية العالمية أثبتت نجاحها ونجاعتها بدليل أنها لن تتأثر بهذه الأزمة كما حدث لغيرها من المؤسسات المالية التي تعمل وفق النظام التقليدي، مضيفا أن هناك اتجاها نحو التطوير وتوسيع الاهتمام بحيث تنتقل من دائرة الجزئيات البسيطة إلى دوائر الأعمال الكبيرة.

وأقر الدكتور علي محيي الدين القره داغي أستاذ الشريعة الإسلامية ورئيس هيئات شرعية في بنوك خليجية مختلفة، بوجود أخطاء جزئية وليست منهجية في بعض التعاملات والمنتجات الإسلامية، لوجود بعض المطامع المالية والقضايا الاقتصادية، كتلك التي تتعلق بالتورق المنظم أو المرابحة العكسية، مشيرا إلى بعض الصكوك التي صدرت ولم تتوافر فيها الشروط الشرعية والحقيقية كالصكوك التي صدرت على المطارات، مع أن المطارات لا تباع.

وقال القره داغي الامين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين «نحن بدأنا إعادة النظر في بعض الفتاوى التي صدرت في ندوات البركة الثلاثين في العام الماضي، حيث تمت مناقشة 15 إلى 30 فتوى، بها أخطاء صورية أو شكلية أو فيها تحايل، كما أن هناك بعض الفتاوى التي فيها بعض الاختلافات، ونحن منذ 4-5 سنوات بدأنا بحركة تصحيحية أو بالأحرى تطويرية للمنتجات الإسلامية، بمعنى هل حري بنا مثلا أن ننتقل إلى المرابحة بدلا من التورق، أعتقد من الأهمية بمكان أن ننتقل إلى المشاركات وإلى التنمية، بمعنى أن ننتقل إلى كل ما يمكن أن يعطينا قيمة إضافية، لأن الاقتصاد الإسلامي في الأصل قائم على القيمة المضافة».

* كيف تنظرون إلى واقع المصرفية والتأمين الإسلامي من حيث توافقه مع الشريعة الإسلامية وما عليه من مآخذ، سواء كان ذلك على مستوى الشركات أو البنوك الإسلامية؟

– أولا لا بد من الإشارة إلى أن البنوك الإسلامية وشركات التأمين الإسلامي وبقية المؤسسات المالية الإسلامية، عندما بدأت قبل أربعين سنة، كانت بمثابة رحمة تتنزل على المسلمين لرفع الحرج عنهم في عملية التعامل مع المنتجات والتعاملات المالية والإسلامية، والتي لم تكن موجودة من قبل هذا التاريخ، فقبل عام 1975 لم يكن هناك بنك إسلامي واحد، مما أوقع المسلمين في حرج كبير حيث عدم وجود مخرج شرعي يبيح لهم تعاملهم مع المسائل المالية والتأمينية بكيفية معينة، ولذلك لا يجوز مهاجمة هذه الطروحات والأفكار الإسلامية المصرفية والتأمينية، لأنها على أقل تقدير رفعت الحرج عن المسلمين وأبعدتهم عن المخاطر في إدارة الأموال بالطرق التقليدية، وبالتالي وقايتهم من الوقوع في المحظورات الشرعية، خاصة أن المسلمين كانوا في حاجة ماسة إلى خطابات الضمان والاعتمادات المستندية، مما اضطرهم إلى التعامل مع المؤسسات والبنوك التقليدية، وبالتالي يعتبر نظام البنوك الإسلامي ميزة كبيرة يجب الاعتراف بها، وتطويرها بدلا من إشاعة المآخذ حولها.

* ولكن هناك كثير من الأخطاء التي يجب الاعتراف بها حتى يتم تلافيها ومعالجتها.. أليس كذلك؟

– لا بد لأي عمل بشري من الوقوع في خطأ ما، وبالتالي هناك أخطاء في بعض التعاملات والمنتجات الإسلامية، بحكم أن هناك بعض المطامع المالية والقضايا الاقتصادية، ولكن أستطيع أن أقول لك إن هذه الأخطاء ليست أخطاء منهجية، وإنما أخطاء جزئية، وهناك أخطاء فردية وقد تكون هناك أخطاء لبعض المؤسسات.

* هل يمكننا التعرف على شكل هذه الأخطاء التي تتحدث عنها؟

– كنا نتمنى أن تواصل البنوك الإسلامية مسيرتها ومشوارها بعدما رفعت الحرج عن المسلمين في مسألة وجود مرابحة بأن تتقدم نحو الفصل في التنمية الشاملة، وهي ماضية في تحقيق أهدافها بشكل طيب وأثبتت الأزمة المالية العالمية نجاحها ونجاعتها بدليل أنها لن تتأثر بهذه الأزمة كما حدث لغيرها من المؤسسات المالية التي تعمل وفق النظام المالي العالمي التقليدي.

* ولكنك لم تذكر حتى الآن الأخطاء التي وقعت وتقع فيها البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية؟

– من الأخطاء التي يمكن ذكرها، تلك التي تتعلق بالتورق المنظم أو المرابحة العكسية مثل بعض الصكوك التي صدرت ولم تتوافر فيها الشروط الشرعية، وأولها الشروط الحقيقية، فمثلا إن بعض الصكوك صدرت على المطارات، حيث جعلوا المطارات محلا للصكوك، مع أن المطارات لا تباع ولذلك فهذه اقتصادات موجهة، ونحن منذ 4 إلى 5 سنوات بدأنا بحركة تصحيحية أو بالأحرى تطويرية للمنتجات الإسلامية، بمعنى هل حري بنا مثلا أن ننتقل إلى المرابحة بدلا من التورق.. أعتقد أنه من الأهمية بمكان أن ننتقل إلى المشاركات وإلى التنمية بمعنى أن ننتقل إلى كل ما يمكن أن يعطينا قيمة إضافية، لأن الاقتصاد الإسلامي في الأصل قائم على القيمة المضافة، وعادة في الاقتصاد الغربي الرأسمالي يكون الأساس وجود نقد زائد.. نقد مقابل فائدة، ثم تأتي السلعة في نهاية المطاف، بمعنى تأتي السلعة بعدما تتحصل الفائدة تبعا، بينما الاقتصاد الإسلامي عبارة عن سلعة ونقد مقابل سلعة زائد ربح بمعنى أنه ينتج عن هذه العملية منتج حقيقي وهو الربح، أو يكون هناك سلعة مقابل سلعة ينتج عنها ربح حقيقي أو عمل أي خدمة ما مع النقد أو زائد عمل لينتج عنها المنفعة أو الخدمة أو الربح، ففي كل الإنتاج الاقتصادي الإسلامي لا بد من أن يكون هناك نقد مرتبط إما بالسلعة وإما بالخدمة وإما بأي شيء من هذا القبيل، ولذلك ليس في الاقتصاد الإسلامي نقد مقابل نقد، وهذا ما نسعى لتحقيقه.

* رغم تمجيدك لتجربة البنوك الإسلامية يرى بعض المراقبين أنه ليس من أثر ملموس يوضح ذلك.. ما تعليقكم؟

– هذا الحدث غير دقيق ومناف للواقع، وأنا شخصيا سمعت بعض المسؤولين في دبي يتحدثون عن أنه لولا البنوك الإسلامية التي وجدت مساحة اهتمام لما ظهرت الأبراج في البداية، وهذا ناتج عن أن البنوك الإسلامية لا تقرض وإنما تدعو لعمل استصناع أو مرابحة وما إلى ذلك، فقد أنتجت البنوك الإسلامية الكثير من المنتجات الإسلامية التي وجدت رواجا وحققت نجاحا كبيرا وقبولا واسعا لدى المتعاملين معها، ولكن مع ذلك نحن نريد أن نتطور بشكل يخرجنا من دائرة الجزئيات البسيطة إلى دوائر الأعمال الكبيرة، وهذا ما نسعى للعمل عليه.

* هل نفهم من ذلك أنكم بصدد مراجعة بعض الفتاوى التي ثار حولها بعض اللغط؟

– بالطبع، نحن بدأنا إعادة النظر في بعض الفتاوى التي صدرت في ندوات البركة الثلاثين في العام الماضي، حيث تمت مناقشة 15 إلى 30 فتوى. أما بالنسبة إلى التأمين الإسلامي فنحن تحدثنا عن بعض الأخطاء في بعض الفتاوى، وإن شاء الله سيتم تصحيحها وأعتقد الآن أننا نسير في الطريق الأصح.

* ما هذه الفتاوى التي بها بعض الأخطاء؟ وهل تمت محاصرتها؟

– نعم لقد قمنا بمحاصرة الفتاوى التي بها أخطاء وسوف تناقش بشكل مستفيض. ونحن نقصد بهذه الفتاوى التي بها أخطاء تلك التي نعتبرها صورية أو شكلية أو فيها تحايل، كما أن هناك بعض الفتاوى التي فيها بعض الاختلافات، وهي أيضا نحاصرها الآن. ولكن عموما معظم الفتاوى صحيحة ومعظم عمل البنوك الإسلامية صحيح.

* ما أهم التحديات التي أفرزتها الأزمة المالية العالمية بالنسبة إلى صناعة المصرفية الإسلامية؟

– اتضح لي أن أهم التحديات التي تواجه البنوك الإسلامية، تحدي الجودة وتحدي التنمية وتحدي الاقتصاد العيني، وهناك تحد آخر، وهو ما الذي بإمكاننا تقديمه للاقتصاد العالمي.. وأنا شخصيا أرى أنه يتوجب علينا تقديم اقتصاد تتوافر فيه الشروط الجيدة، حتى لا نعيد للعالم نفس بضاعتهم المزجاة إلينا من قبلهم بنفس عناصرها بشكل أو بآخر، إذ أرى أنه لا بد لنا أن نعيدها لهم بشكل إسلامي أصيل قائم على القيمة المضافة.

——

المصدر/”الشرق الاوسط”