الزكاة من الصناديق الاستثمارية للدول الإسلامية :
لا شك أن أموال
الدولة المرصودة لصرفها في المصالح العامة لا تجب فيها الزكاة ، ولكن ثار خلاف
قديم منذ عصر الإمام محمد بن حسن الشيباني صاحب أبي حنيفة ، حيث ذهب إلى أن الزكاة
تجب في استثمارات الدولة بنسبة 2,5% باعتبارها ملكاً خاصاً لها[1]
خلافاً للجمهور .
والذي يظهر لي
رجحانه هو قول محمد بن حسن الشيباني وبالتالي فتجب الزكاة في كل استثمارات الدولة
المستمرة المتمثلة في الأسهم والصكوك ( أو السندات ) وفي الصناديق الاستثمارية
التي تسمى : الصناديق السيادية التي تقدر الموجودات العربية فيها قبل الأزمة
المالية بحوالي 2,5 تريليون ، وهي استثمارات دائمة ، إذن فكيف تعفى عن الزكاة ؟
وهذا الرأي قال به بعض المعاصرين[2]
.
فإذا أضيفت هذه
الأموال إلى الزكاة فإنها كثيرة جداً بوالتالي فهي في مجموعها قادرة على القضاء
على الفقر والبطالة ، وتحقيق التنمية الشاملة .
والأموال
الزكوية ليست قليلة إذا أخذت بشكل كامل ، فإذا فرضنا أن الأموال الاسلامية
المستثمرة في الخارج تريليون وخمسمائة مليار ، فهذا يعني أن الزكاة 37.5 مليار
دولار ، فإذا أضيفت إليها بقية الأموال الزكوية ، وبخاصة أموال الشركات الموجودة
المستثمرة في بورصات العالم الاسلامي وبنوكه ، فإن زكاتها في حدود مائة مليار
دولار أي أن زكاة الأموال الموجودة للعالم الاسلامي في حدود 137,5 مليار دولار
سنوياً .
فإذا وضعت لهذا
المبلغ خطة محكمة للتحصيل ، والتوزيع العادل ، واستهدفت الخطة حل مشكلة الفقر من
خلال ما ذكره الشافعية رحمهم الله وهو إعطاء الفقير تمام الكفاية ، من خلال إعطائه
أدوات الحرفة ان كان محترفاً ، أو رأس مال التجارة إن كان تاجراً ، يقول الإمام
النووي : ( والفقير والمسكين يعطيان ما تزول بهما حاجتهما وتحصل كفايتهما ، ويختلف
ذلك باختلاف الناس والنواحي حيث يعطي المحترف أدوات حرفته ، والتاجر رأس ماله الذي
يحسن التجارة فيه )[3]
.
الشرط العاشر : تخصيص جزء من
واردات المعادن للتنمية الشاملة للأمة الاسلامية
، وهذه الفكرة مرتبطة بالفقرة السابقة ، طرحتها في بحث خاص بالموضوع[4]
تتلخص في النقاط الآتية :
i)
ان الاسلام قد
فرض في الركاز الخمس ـ أي 20% ـ وذلك من خلال حديث صحيح يدل على ذلك ، يرويه
البحاري ومسلم بسندهما عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (…وفي
الركاز الخمس )[5]
والركاز لغة ، وحسب الراجح من أقوال الفقهاء ( الحنفية وبعض التابعين ) يشمل
الكنوز والمعادن .
ii)
وأن المعادن على
الراجح من أقوال أهل العلم ( المالكية وغيرهم ) ملك لله تعالى ، أو ما يسمى بالحق
العام الذي تمثله الدولة ، وأما الجمهور فقد فرقوا بين المعادن التي وجدت في أرض
خاصة لشخص حيث تكون ملكاً له وحينئذ يجب فيما تنتجه الخمس ، وفيما عداها ملكاً
للدولة .
iii)
أن مصير ما يؤخذ
من الركاز اما مصارف الفيء ، أي المصالح العامة للأمة الاسلامية ، أو مصارف الزكاة
الثمانية .
فبناء على المقدمات الثلاث السابقة أن المعادن تكون لها
حالتان :
أ)
أن تقوم الدولة
نفسها ـ كما هو الحال في معظم العالم الاسلامي وغيره ـ باستخراجها واستثمارها
وحينئذ تصرف عوائدها لمصالح الدولة العامة .
فإذا اعتبرنا خمس الركاز زكاة فيجب أن تصرف الدولة الخمس
20% منه ـ بعد خصم جميع المصاريف
التشغيلية والادارية ـ لصالح الزكاة ، وحينئذ تصرف في المصارف الثمانية بدءاً
بالبلد الذي فيه المعدن ثم إلى بقية العالم الاسلامي حسب قواعد نقل الزكاة ،
للقضاء على الفقر والبطالة ولتنمية العالم الاسلامي الذي هو في نظر الشرع عالم
واحد ، وأن الأمة الاسلامية أمة واحدة وجسد واحد ، كما دلت على ذلك نصوص شرعية
كثيرة لا تحصى .
وإذا اعتبرنا خمس الركاز فيئاً فيصرف أيضاً لمصالح
المسلمين عامة حسب التسلسل السابق بدءاً بالبلد الذي فيه المعدن إلى بقية البلدان
الاسلامية الأخرى وحسب قواعد نقل الزكاة السابقة .
ب)
أن تعطي الدولة
المعدن لشركة ما لتقوم هي باستخدامها ، واستثمارها ، وحينئذ يجب أن تأخذ منها مالا
يقل عن 20% .
ثم إن هذا
الخمس 20% تطبق عليه القواعد السابقة حسب الاعتبارين السابقين .
إن فقهاء
المسلمين لم يفصلوا في هذه المسألة كثيراً بناءً على أن الخلافة الاسلامية الراشدة
، ثم الخلافة الأموية والعباسية ، ثم السلطنة العثمانية كانت تمثل الأمة الاسلامية
تقريباً ، وعلى الأقل لم تكن هناك حدود بين العالم الإسلامي ، فالمسلم يصول فيه
ويجول دون حدود تمنعه تطبيقاً لقوله تعالى : (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا
مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)