حذر د.علي محيي الدين القره داغي من آثار وعواقب الفساد المالي والإداري والسياسي في المجتمعات المسلمة ووصفه بأنه منظومة تخريب وإفساد تطول كل مقومات الحياة، فهو هدر للأموال والثروات والأوقات والطاقات، وعرقلة لأداء المسؤوليات، وتجارة بالوظائف العامة، وعقبة أمام التنمية والبناء والحضارة، كما أنه تحطيم للأخلاق والقيم، وانحراف للسلوك القويم، فهو تذمير للإنسان ولما يملكه الإنسان.
جاء التحذير في بحث جديد لفضيلته قدمه قبل يومين في المؤتمر الذي نظمه مركز الدوحة لحوار الأديان عن «الرؤية الدينية للأزمة الاقتصادية العالمية».
وتناول د.القره داغي في البحث جوانب فقهية جديدة تتعلق بالفساد الإداري والمالي والسياسي وتتعلق بالرشوة وخطورتها وعلاجها وأبرز صورها.
أوضح الشيخ القره داغي أن الفساد الإداري هو التعدي أو التقصير في ولاية شرعية خاصة، أو عامة بما يترتب عليه إخلال بمقاصدها، وبيَّن أن معيار الفساد الإداري يتكون من عنصرين أساسيين، وهما:
-
القصد السيئ سواء وصل هذا القصد السيئ إلى مرحلة التعدي المباشر، أم توقف عند الإهمال الجسيم الذي ترتب عليه الإضرار بمقاصد الوظيفة.
-
تحقق الضرر، أو الإخلال بمقاصد الولاية، بحيث يترتب على ذلك ضرر بالشيء المؤتمن عليه أو بصاحبه، أو بالبيئة إما ضرراً واقعاً فعلاً، وإما مآلاً.
وفي معرض حديثه عن الفساد الإداري تناول د.القره داغي الرشوة (خطورتها وعلاجها) موضحا أن المعيار في الرشوة يتحقق بثلاثة عناصر:
العنصر الأول: أخذ شيء مادي أو معنوي.
العنصر الثاني: القصد الجنائي، أو النية السيئة.
العنصر الثالث: العمل الذي يراد فعله بوجه غير مشروع شرعاً.
وذكر أن أركان الرشوة في الفقه الإسلامي تشمل:
الراشي: هو من يعطي الذي يعينه على الباطل.
والمرتشي: هو الذي يأخذ.
والرشوة: هي ما يأخذه المرتشي سواء أكان مادياً كالنقود والعقارات، أم معنوياً مثل الجاه.
مقابل الرشوة: هو ما يسعى إلى تحقيقه الراشي سواء أكان مالاً، أم جاهاً، أم ترخيصاً وموافقة، أم نحو ذلك.
وقد يدخل بينهما الوسيط فيسمى «الرائش»، وهو أيضاً ملعون لأنه يتعاون على الإثم والعدوان.
وعرض فضيلته للحكم الشرعي في الرشوة لدفع الضرر أو كسب الحق، مشيرا إلى أن بعض الفقهاء قسموا الرشوة إلى 4 أقسام وهي:
-
الرشوة على تقليد القضاء والإمارة.
-
دفع الرشوة للقاضي ليحكم.
-
أخذ المال لتسوية أمر عند السلطان دفعاً للضرر، أو جلباً للنفع.
-
إعطاء إنسان عبر موظف عند القاضي، أو السلطان مالاً لتحصيل حقه.
أهم أسباب الفساد
وذكر الشيخ القره داغي أن من أهم أسباب الفساد الإداري والمالي والسياسي ما يأتي:
-
ضعف الوازع الديني والأخلاقي، أو عدمه.
-
حب الدنيا والمظاهر والغنى على حساب الآخرين.
-
عدم وجود قدوة صالحة في رأس الدولة، أو المؤسسة.
-
عدم وجود فصل بين السلطات الثلاث: التشريعية، والقضائية، والتنفيذية.
-
عدم وجود قوانين رادعة، أو قضاء قوي عادل يصل إلى الجميع من دون فرق.
-
عدم وجود لوائح وقوانين تنظم الحقوق والواجبات بشكل عادل.
-
الأثر السلبي للوسائط والشفاعات.
-
وجود فقر ناشئ يظن بعض أصحابه أنه ناشئ بسبب الظلم الاجتماعي الذي يثير الحقد والحساسية والثأر.
وقال إن من الآثار السلبية للفساد الإداري: التخلف والفقر، وعدم التقدم وروب رأس المال إلى الخارج، وعدم التحمس للاستثمار في داخل البلد. وعدم وجود الجودة الحقيقية في المنتجات وغياب الثقة، وتردي حالة التوزيع العادل، وعدم الادخار في المؤسسات والشركات.
وانتهى إلى أن الفساد الإداري منظومة تخريب وإفساد تطول كل مقومات الحياة، فهو هدر للأموال والثروات والأوقات والطاقات، وعرقلة لأداء المسؤوليات، وتجارة بالوظائف العامة، وعقبة أمام التنمية والبناء والحضارة، كما أنه تحطيم للأخلاق والقيم، وانحراف للسلوك القويم، فهو تدمير للإنسان ولما يملكه الإنسان.
الحل الإسلامي للفساد
وعرض د.القره داغي للحل الإسلامي لمشكلة الفساد الإداري فذكر أن الاستراتيجية الإسلامية في القضاء على الفساد شاملة لمختلف أوجه الفساد وصوره، ومرتكزة على بناء الإنسان النزيه الطاهر، والمجتمع الطاهر، والدولة الطاهرة القوية، وهي تتكون من 6 عناصر متكاملة ومترابطة، وهي:
أولاً: تحصين الفرد والمجتمع ضد الفساد، بالعقيدة، والقيم الأخلاقية والتربوية وتنمية الوازع الديني.
ثانياً: الجانب التشريعي الخاص بالعقوبات الدنيوية والأخروية على الفساد الإداري (الرشوة، واستغلال السلطة، والتعسف في استعمال الحق).
ثالثا: الثواب الدنيوي والأخروي للولاة العادلين الناجحين؛ حيث يستحقون الشكر والدعاء والتقدير في الدنيا، والجزاء الأوفى عند الله تعالى.
رابعاً: اشتراط مواصفات معينة فيمن يكلف بأداء الوظائف العامة أو المهمة وإحساسه بمسؤوليته أمام الله تعالى ثم أمام المجتمع والأمة.
خامساً: الجانب الاحترازي والوقائي.
سادساً: دور الأمة في الاختيار، والرقابة الشعبية، والمساءلة والتعيير.
الرقابة الشعبية
وأشار الشيخ القره داغي إلى أن الإسلام أصّل مبادئ الرقابة الشعبية على السلطة التنفيذية من خلال أمرين هما:
– أن الأمة الممثلة في أهل العقد والحلّ، هم الذين يختارون من يكون المسؤول الأول عن رعاية مصالح العباد، وحراسة الدين، وسياسة الدنيا.
– حق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحق النصح من الجميع للإمام وبالعكس.
الفساد السياسي
وتحدث د.القره داغي في بحثه عن الفساد السياسي وهو الفساد المتعلق بأمن المجتمع، وهو ما يتعلق بالجرائم التي تمس أمن المجتمع والدولة جميعاً، وهو ضد الأمن والاستقرار اللذين يعتبران من أهم الشروط الأساسية للاستثمار، والادخار، والتنمية، إذ من دون الأمن خرب كل شيء، وهاجرت رؤوس الأموال إلى الخارج، ولا يكون هناك تحمس لإدخال رؤوس الأموال في الداخل.
جريمة غسيل الأموال
وتناول د.القره داغي في بحثه قضية «غسيل الأموال» وقصد بها تهريب الأموال المسروقة والمنهوبة إلى الخارج.
وعرض للحكم الشرعي لغسيل الأموال، موضحا أن غسيل الأموال يتكون من جريمتين في نظر الإسلام:
إحداهما الأصل، وهي النشاط المحرم نفسه، مثل الاتجار بالمخدرات، والبغاء والدعارة، والرشوة والفساد الإداري والسياسي، والاختلاس والسرقات ونحوها من المحرمات.
والجريمة الثانية: هي جريمة الإخفاء على المحرمات، وإضفاء الشرعية عليها، وهي جرائم الغش والنصب والخداع والتعزير والتدليس والكذب والنصب والاحتيال، وكل ذلك من المحرمات التي أجمع عليها المسلمون.
الفساد البيئي
وتحدث د.القره داغي عن قضية الفساد البيئي، وأثره على الاقتصاد، وقصد به: التصرفات الضارة التي تؤدي إلى تلوث ما يحيط بالإنسان من أرض وهواء وسماء، وتغير خواصه، بحيث يترتب عليها الضرر والإخلال بالتوازن.
وقال: إن الفساد البيئي يؤدي إلى تحول المكونات المفيدة المحيطة بنا إلى مكونات ضارة، أو أنها تفقد قيمتها، ودورها الطبيعي، فهو تغير غير طبيعي في الخصائص الفيزيائية، أو الكيميائية بما يضر الحياة في كوكبنا.
وذكر الشيخ القره داغي أن القرآن الكريم لخص علاقتنا بالبيئة من خلال أننا خلقنا من الأرض، إذن فهي أمّنا، ولها حقوق علينا، وأنه لا يجوز لنا أن نضرّ بها، لأن الإضرار بها عقوق، ومع هذا الإيجاز فصل القرآن الكريم أهمية الحفاظ على البيئة، وحمايتها من الفساد والتلوث وكل ما يضر بها، إضافة إلى أن آثارها السلبية، أو الإيجابية تكون للإنسان، أو على الإنسان.
* الأمن من أهم شروط الاستثمار والتنمية ومن دونه يخرب كل شيء وتهاجر رؤوس الأموال إلى الخارج
* انتشار الفساد الإداري والمالي والسياسي سببه ضعف الوازع الديني والأخلاقي وعدم وجود قوانين رادعة وعدم وجود قدوة
* الفساد عقبة أمام التنمية والبناء والحضارة.. كما أنه تحطيم للأخلاق والقيم وانحراف للسلوك القويم.. فهو تذمير للإنسان ولما يملكه الإنسان
* الأرض أمّنا ولها حقوق علينا ولا يجوز لنا أن نضرّ بها لأن الإضرار بها عقوق