التأمين التكافلي (البديل عن التأمين على الحياة) :
ذكرنا في الباب الأول التأمين على حياة في التأمين التجاري ، وصوره ، وذكرنا كذلك في الفصل الأول من هذا الباب أن التأمين التجاري حرام بجميع صوره لدى المجامع الفقهية ، وجماهير العلماء المعاصرين ـ كما سبق ـ ، بل إن التأمين على الحياة هو الذي أثار نقاشاً أكثر من بقية أنواع التأمين ، حتى أن بعض من أجاز بعض أنواع التأمين التجاري حرم التأمين على الحياة بجميع صوره ، مثل الشيخ محمد أحمد فرج السنهوري ، والدكتور عبدالعزيز الخياط[1] ، والشيخ عبدالله بن زيد رئيس المحاكم الشرعية بدولة قطر سابقاً[2] ، حتى إن المحكمة العليا الشرعية في مصر قد أصدرت قراراً في 27 ديسمبر 1906م بعدم جواز التأمين على الحياة ورفضت دعوى الوارث ….[3] .
وذلك بسبب أن الربا بنوعيه : الفضل والنساء ظاهر في عقوده إضافة إلى الغرر وغيره من المحرمات[4] .
ولكن يرد السؤال حول إمكانية بديل في التأمين التعاوني ؟
للإجابة عن ذلك نقول : إن التأمين التعاوني بإمكانه استيعاب معظم صور التأمين على الحياة التي لا تتعارض مع أحكام ومبادئ الشريعة الغراء على نفس المبادئ والأسس التي ذكرناها لتأمين التعاوني الإسلامي .
فالتأمين على الحياة لا يختلف في جوهره وحقيقته عن التأمين من الأضرار ، أو ضد الاصابات ، أو التأمين الصحي او نحو ذلك ، ولكن ربما أثر في سمعته اسمه الذي يفهم منه التأمين ضد الأقدار ، أو عدم التوكل على الله تعالى[5] إضافة إلى صياغة عقوده التي تشتمل على الربا ـ كما سبق ـ .
ولأجل ما صاحب التأمين على الحياة من جدل ونقاش ، وسوء فهم وسمعة ، ارتأى المفكرون والعاملون في مجال التأمين الإسلامي تسميته بالتكافل ، او التأمين التكافلي (البديل عن التأمين على الحياة) أو التكافل الإسلامي لحماية الورثة وحالات الضعف[6] .
فالتأمين التكافلي ، أو التكافل الإسلامي لحماية الورثة وحالات الضعف يقصد به ترتيب نوع الحماية والضمان والأمن في حالة عجز المشترك (المؤمن عليه) بدفع مبالغ التأمين دفعة واحدة أو على شكل أقساط ، أو رواتب شهرية ما دام حياً ، او لورثته بعد موته في حالة التأمين لحالة الموت ، أو للمستفيد ، او لدرء خطر بيع عقاره من خلال التأمين لصالح الورثة ضد آثار الرهن ، أو لأداء ديونه حتى لا يتضرر ورثته بذلك .
فالتأمين التكافلي هو التأمين لصالح الإنسان نفسه ، أو غيره فيما يخص حالات الموت ، او العجز الكلي ، أو الرهن او نحو ذلك .
هل يصطدم التأمين على الحياة مع العقيدة ؟
ونحن هنا نتحدث بإيجاز شديد عن أصل فكرة التأمين على الحياة وأنه لا يصطدم مع العقيدة أو التوكل على الله ، لأنه من الطبيعي بل من الفطرة السلمية أن يبحث الإنسان بعد التوكل على الله تعالى عن مستقبل أولاده وورثته ويسعى جاهداً في أن يتركهم أغنياء متعففين لا فقراء متسولين ، وفي الأخذ بكل الأسباب التي توفر الحماية لهم من شرور العوز والفاقة والحاجة وهذا ما أرشده إليه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم حينما طلب منه سعد بن أبي وقاص الموافقة على أن يتبرع بجميع أمواله فلم يقبل حتى وصل إلى الثلث فقال : (الثلث والثلث كثير إنك أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس في أيديهم)[7] .
وكذلك تفكير الخليفة الراشد عمر ـ رضي الله عنه ـ في الأجيال اللاحقة وتضمين مستقبلهم من خلال ترتيب مورد مالي مستمر حيث لم يقسم الأراضي المفتوحة في العراق والشام على المجاهدين ، وإنما أبقاها في أيدي أهلها ، ولكنه فرض عليهم خراجاً ليكون مصدراً دائماً لدخل بيت مال المسلمين وقد اعتمد في ذلك على قول الله تعالى : (…والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالإيمان…)[8] حيث جاءت هذه الآية بعد قوله تعالى : ( وما أفاء الله …)[9] حيث قسم الله تعالى الفيء على المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وقد قال عمر : ( والله لا يفتح بعدي بلد فيكون فيه كبير نيل ، بل عسى أن يكون كلاًّ على المسلمين فإذا قسمت أرض العراق بعلوجها وأرض الشام ، فما يسد به الثغور ؟ وما يكون للذرية والأرامل بهذا البلد وبغيره)[10] .
إذن تبين لنا أن التفكير في مستقبل الأولاد والسعي لتحقيق رواتب التعاقد لهم ، أو ترتيب شيء من الحماية والضمان من خلال التأمين التكافلي كل ذلك جزء من الأخذ بالأسباب التي أمرنا الله تعالى بها ، وأنه من قدر الله ، كما أن الموت من قدر الله ، وبالتالي فليس فيه ما يتعارض مع الإيمان بالقضاء والقدر ، وإنما المهم هو أن تكون تلك العقود والوثائق المنتظمة لهذه العملية مشروعة لا تتعارض مع النصوص الشرعية والمبادئ العامة للدين الحنيف الذي جعل الله من أهم دعائمه التعاون على البر والتقوى .
حكم التأمين التكافلي (البديل عن التأمين على الحياة) :
التأمين على الحياة بصوره الواقعة في شركات التأمين التجاري حرام كما صدرت بذلك قرارات المجامع الفقهية السابقة ، ثم نوقش هذا الموضوع بالتفصيل في الندوة الفقهية الثالثة لبيت التمويل الكويتي (6-8 ذي القعدة 1413هـ الموافق 27 – 29 إبريل 1993م) حيث ناقشت حكم التأمين على الحياة وأساس الفكرة ونحوهما وصدرت منها بعض الفتاوى والتوصيات المهمة وهي :
أولاً : التأمين على الحياة :
-
إن التأمين على الحياة بصورته التقليدية القائمة على المعاوضة بين الأقساط والمبلغ المستحدثة عند وقوع الخطر أو المستردة مع فوائدها عند عدم وقوعه هو من المعاملات الممنوعة شرعاً لاشتماله على الغرر الكثير والربا والجهالة .
-
لا مانع شرعاً من التأمين على الحياة إذا أقيم على أساس التأمين التعاوني (التكافل) وذلك من خلال التزام المتبرع بأقساط غير مرتجعة وتنظيم تغطية الأخطار التي تقع على المشتركين من الصندوق المخصص لهذا الغرض ، وهو ما يتناوله عموم الأدلة الشرعية التي تحض على التعاون وعلى البر والتقوى وإغاثة الملهوف ورعاية حقوق المسلمين والمبدأ الذي يقوم عليه لا يتعارض معه نصوص الشريعة وقواعدها العامة .
-
يوصي المشاركون باستكمال العقود والصور العملية لمزاولة التأمين على الحياة وإعادة التأمين وفق مبادئ الشريعة الإسلامية وضابطها .
كيفية صياغة عقود التأمين التكافلي البديل عن التأمين على الحياة مباشرة :
إذا كانت فكرة التأمين على الحياة من حيث المبدأ والنظرية ـ مقبولة شرعاً ـ لأنها تقوم على التعاون والتفكير في المستقبل بعد التوكل على الله ، وفي إيجاد نوع من الضمان للإنسان عند عجزه أو مرضه ، ولو لورثته من بعده او للمستفيد وإنما الاشكال الشرعي في صياغة عقودها ، وأساس بنيتها ، وما تضمن عقودها من جهالة فاحشة ، وغرر وربا ، ونحو ذلك ، ومن هنا فإذا أزيلت هذه العقبات ، وصيغت صياغة لا يكون فيها مخالفة لنصوص الشرع ، وأقيم بنيانها على المبادئ والأسس التي ذكرناها للتأمين التعاوني الإسلامي ، وليست على أساس الاسترباح من عمليات التأمين ، فإن هذه العقود ستصبح سليمة مقبولة شرعاً ، ولا سيما في عصرنا الحاضر الذي لا نجد فيه نظام التكافل الاجتماعي في عالمنا الإسلامي بصورة عامة ، ولا بيت مال المسلمين الذي يكفل العيش الكريم للمحتاجين والفقراء والعجزة والمرضى والشيوخ ويضمن إغاثة الملهوف ، فلا بدّ إذن الاعتماد على الله ثم على جهود الأفراد ولا سيما القادرين ولذلك أقرت الندوة الفقهية الثالثة لبيت التمويل الكويتي هذه الفكرة وطالبت العلماء والمفكرين باستكمال العقود والصور العملية لمزاولة التأمين على الحياة وإعادة التأمين وفق مبادئ الشريعة الإسلامية وضوابطها .
وقبل أن نتصدى لتلك العقــود أود أن أذكــر أســـاسـاً جيداً لعـقـد التأمين على الحياة :
أساس عقود التأمين التكافلي :
يمكن أن تصاغ عقود التأمين التكافلي استرشاداً بالعقود التي أقرت في شركات التأمين في غير الحياة إذ لا بدّ أن تقوم على نفس الأسس التي تقوم عليها هذه العقود من عدم مخالفتها لأحكام الشريعة الإسلامية ومن قيامها على فكرة التبرع وتوزيع الفائض منها على المشاركين في الإدارة والخسارة .
ثم إن التأمين الإسلامي لا بدّ أن يقوم على تعاون وعقود تبرعية ولكنها مشروطة بشروط لصالح المتبرع .
فإذا كانت العمرى والرقبى : تعطى نوعاً من الضمان الموهوب له ، حيث ضمن الواهب للموهوب له نوعاً من الراحة والاطمئنان بأنه يتمتع بتلك الدار مدة حياته ، وفي الوقت نفسه هناك ضمان للواهب حيث ترجع إليه داره ثم تكون لورثته ، وفي ذلك من اليسر ورفع الحرج وتحقيق أغراض الطرفين ما لا يخفى حيث يعطى باب الهبة الإشارة إلى التوسع ، والمرونة ، وعدم الوقوف عند حالة معينة سابقة ، فكذلك التأمين على الحياة يمكن أن يصاغ ليعطى نوعاً من الضمان عند الموت بأن ورثته يعيشون في أمن وأمان وحياة كريمة أو أن المؤمن له لا يخاف من فقر يصيبه في آخر عمره وعند شيخوخته فيدفع جزءاً من أمواله لترد عليه في الوقت الذي هو أحوج ما يكون إليها .
ويمكن تنفيذ هذه الفكرة من خلال اتفاق جماعة على التعاون في حالة وفاة أحدهم أو عجزه وعوزه على أساس التعاون والتبرع وعلى ضوء عقود منظمة يحدد فيها زمن وحجم ما يدفع للمستفيد وما يؤخذ من المشترك المستأمن من تبرعات محدودة التواريخ محسوبة بأساليب فنية تعتمد على الاحصائيات والاحتمالات والحسابات الدقيقة وتصب هذه الاتفاقية في قالب شركة تشرف على هذه الأموال وإدارتها واستثمارها وتقوم بإبرام العقود مع الناس ، وتكون وكيلة في إدارة هذا الحساب الخاص بالتكافل .
والأفضل أن لاتكون هذه الشركة مستقلة بل تكون فرعاً من فروع شركة التأمين الإسلامية بل الأفضل أن يسمى ( التكافل الإسلامي لحماية الورثة ودفع العوز والضعف ، التامين في حالة الوفاة والتأمين لدفع العوز عند الشدة) .
أهداف الشركة الخاصة أو صندوق التكافل الإسلامي :
-
التعاون على البر والتقوى لتحقيق التكافل الإسلامي بين المشتركين .
-
توفير الحياة الكريمة من خلال مرتب شهري أو مبلغ محدد للذرية الضعاف والورثة بعد وفاة المشترك وحمايتهم من شر العوز ومن الفقر والتشرد .
-
دفع العوز في حالات الشيخوخة وقطع المرتبات من خلال دفع مبلغ إليه يعين به على حوائجه وهو قد كبرت سنه وخارت قواه وضعفت بنيته وهو في أمس الحاجة إلى المال أو بعبارة أخرى ( ضمان العيش الكريم للمشترك في حالة الشيخوخة أو العجز المؤقت أو الدائم بسبب الحوادث او المرض)[11]
-
استثمار أموال المشتركين بالأساليب الشرعية .
-
تشجيع المسلمين على الادخار .
الخطوات العملية :
طلب اشتراك من خلال نموذج مفصل يبين فيه جميع أحوال الشخص وصفاته المطلوبة للتأمين عليه واعتقد أن النموذج الذي اعتمدته (اياك) جيد ومفيد وربما يضاف إليه بعض الأسئلة الأخرى التي تخص التأمين لحالة الوفاة أو لدفع العوز عند الشدة .
-
طلب اشتراك من خلال نموذج مفصل يبين فيه جميع أحوال الشخص وصفاته المطلوبة للتأمين عليه واعتقد أن النموذج الذي اعتمدته (اياك) جيد ومفيد وربما يضاف إليه بعض الأسئلة الأخرى التي تخص التأمين لحالة الوفاة أو لدفع العوز عند الشدة .
-
تحديد قدر الاشتراك الذي يتبرع به المستأمن .
-
أخذ قدر مقطوع من المال في مقابل الأعمال الإدارية ويسمى رسم الاشتراك .
-
أن تقوم الهيئة المشرفة على الصندوق أو الشركة بإدارة الأموال واستثمار أقساط المؤمن لهم طبقاً لأسلوب المضاربة بحيث تحدد نسبة المضاربة في العقد .
-
أن تقوم الهيئة المشرفة بأداء التزاماتها الواجب دفعها عن طريق دفع ما تم الاتفاق عليه في السابق حسب شروطه وضوابطه المدونة في العقد فإن لم تكف فسيكتمل من صندوق الأقساط المتبرع بها أو من هيئة إعادة التكافل أو إعادة التأمين التي أجرت الهيئة اتفاقاً معها وقد ضرب الأخ عبداللطيف الجناحي[12] مثالاً نذكره هنا وهو : مشترك طلب الاشتراك في صندوق التكافل بعقد تكافل مع الأرباح (عقد مختلط) بمبلغ 10000 دينار تدفع عند الوفاة لعائلته أو له عند بلوغه سن الستين .
قررت الهيئة أن يكون قسط التبرع هو 100 دينار سنوياً ، بعد دفع المشترك خمسة أقساط حصلت الوفاة تدفع الشركة في مثل هذه الحالة للمستفيد ما يلي :
-
الأقساط التي دفعها 100× 500 دينار
-
حصته من أرباح الاستثمارات لما دفع من أموال وليكن مثلاً مبلغ 10 دنانير .
-
المبلغ اللازم وفاؤه من صندوق التكافل هو كما يلي :1000 ـ 510 = 9,490 ديناراً
ويدفع هذا المبلغ إما من الصندوق نفسه او من صناديق أخرى باتفاق فيما بينها على التعاون في مثل هذه الحالات أو من شركات إعادة التأمين التقليدية .
ملاحظات :
أ ـ لا مانع شرعاً من احتساب قسط التأمين على الأسس الفنية المتبعة في التأمين التجاري.
ب ـ يقدم المشترك القسط على أساس التبرع ليس للشركة ، وإنما لحساب التأمين ، أو هيئة المشتركين ـ كما سبق ـ .
ج ـ لا يجوز أن يخضع مبلغ التأمين للأهواء والمقامرة كما هو الحال في التأمين على الحياة في التأمين التجاري ، بل ينبغي أن يقدر بمبلغ معلوم ، ولا أرى أنه يجب تحديد سقفه الأعلى بالدية الشرعية 1250 غراماً من الذهب الخالص أو ما يعادله بالعملات كما ذهب إلى ذلك أحد الباحثين[13] ، لأن هذا ليس دية ، ولا يقاس عليها ، لأن الدية شرعاً إنما تكون في حالة القتل ، ولا قتل هنا ، كما أن الباحث نفسه أجاز بأقل من الدية ، وإنما منع الزيادة عليها ، وهذا تحكم وترجيح بلا مرجح ، فالدية شرعاً لا يجوز النقص منها كما لا يجوز المطالبة بأكثر مما حددها الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولكن لو دفعت الزيادة عن طريق الصلح فلا مانع منها شرعاً ، إضافة إلى أن أصل الأصول للديات هي مائة جمل ، وهي تختلف قيمتها من عصر إلى عصر ، ولذلك اختلفت قيمتها بالدراهم فمرة قيل عشرة آلاف درهم ، ومرة قيل اثنا عشر ألف درهم ، وهكذا الأمر بالنسبة للذهب .
د ـ أن مبلغ التامين المتفق عليه في التأمين