الفلاح والتنمية :

 

  إن الفلاح
الشامل في نظر الاسلام لا يتحقق بمجرد أداء الشعائر الدينية على الرغم من أهميتها
، وذلك لأن مفهوم الفلاح في الاسلام ـ كما سبق ـ شامل للسعادتين والحسنتين (
الدنيا والآخرة ) وأنه نتيجة طبيعية لتحقيق هاتين السعادتين ، كما أن الانسان نفسه
ليس مؤلفاً من المادة فقط ، ولا من الروح فحسب ، بل هو مزيج أمشاج من الأمرين ،
لذلك فإن السعادة الدنيوية هي أحد المكونين الأساسين لسعادته ، ومن المعلوم أنها
عبارة عن كيبات الدنيا وزينتها ، وهذه لا يتتحقق إلاّ بالتنمية الشاملة .

ومن هنا فعلاقة الفلاح بالتنمية من ناحيتين :

الأولى : أن الفلاح نتيجة وأثر من آثار التنمية التي
حققت الطيبات ـ كما سبق آنفاً .

الثانية  : أن
الشخص السعيد هو القادر على الانتاج ، اما الشخص الكئيب ، او المصاب بأمراض النفس
والقلق فهو أبعد ما يكون من تحقيق التنمية لنفسه ولغيره ، بل هو مريض ، أو يصبح
مريضاً يحتاج إلى علاج ويصبح عبئاً على مجتمعه .

وبذلك ظهرت أيضاً علاقة الفلاح بالنمو الاقتصادي للفرد ،
والدول .

 

الفلاح في نظر الاسلام كونيّ ، ومفهوم إنساني ومجاله
الانسانية جمعاء :

1)  
فقد دلت الآيات
الكريمة بوضوح أن الاسلام لا يحصر الفلاح بنوعيه في الدنيا والآخرة على شعب معين ،
وإنما يعممه لكل المؤمنين الصادقين ، وأما الفلاح بمعناه الدنيوي فهو كونيّ شامل
لكل إنسان ( أو شعب ، أو أمة ) يأخذ بالسنن الخاصة بالفلاح والفوز ، من الأخذ
بالأسباب ، حيث إن الله تعالى لا يفرق في العطاء والمال والخيرات والفلاح الدنيوي
بين مسلم وغيره فالكل تشمله رحمته فهو الرحمن الرحيم للجميع في الدنيا ، حيث يقول
سبحانه وتعالى : ( وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا )[1]
ويقول تعالى : ( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ
اللَّهِ وَاسِعَةٌ )[2]
.

2)  
إن الفلاح لا
يحرم منه غير المسلم في ظل الدولة الاسلامية ، وهذا ما تشهد به التطبيقات
الاسلامية ، فقد روى أبو عبيد في الأموال : أن عمر رضي الله عنه وضع الجزية عن
كبار السن من غير المسلمين ، بل أنه أجرى على شيخ منهم من بيت المال[3]
، وفي رواية أبي يوسف : ان عمر قال لخازن بيت المال : ( انظر هذا وضرباءه ـ أمثاله
ـ فوالله ما أنصفناه إن أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم …… )[4]
.

 وهذا دليل واضح على أن الاسلام يريد تحقيق
الفلاح لكل إنسان يريد الفلاح ، بل لكل ذي روح ، ولذلك سمى الله تعالى رسوله
الخاتم الذي ارتضى أن يكون دينه الاسلام : بالرحمة للعالمين فقال تعالى : ( وَمَا
أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)[5]
 .

 

الفلاح مفهوم إنساني متوازن :

أ ـ الفلاح مفهوم متوازن يجمع بين سعادتي الدنيا والاخرة
، كما سبق .

ب ـ مفهوم إنساني وضع الإسلام له ملامحه وشروطه وضوابطه
، وبالتالي فهو متاح لكل من يريد أن يكون مفلحاً فعليه أن يطبق شروطه ، ويأخذ
بأسبابه السابقة ، وحينئذٍ يتحقق له الفلاح بإذن الله ، فالفلاح ، والخير في نظر
الإسلام للإنسانية جمعاء ، فقال تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً
لِلْعَالَمِينَ)[6]
.

ج ـ الفلاح في نظر الاسلام يجمع بين سعادة الفرد ،
والمجتمع معاً ، وذلك لأن الاسلام لا يقبل من شخص أن يعيش هو في خير وغنى ورفاهية
، وغيره يتضور جوعاً وضنكاً وشقاءً وألماً ، حيث يقول الرسول الكريم صلى الله عليه
وسلم : ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى
منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى )[7]
بل إن الأغنياء يسألون يوم القيامة إذا مات شخص بسبب الجوع وهو قادرون على إنقاذه
حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( … وأيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائع
فقد برئت منهم ذمة الله )LinkedInPin