الملتقى الفقهي- فضل الله ممتاز
الموقع: رسالة الاسلام

أكد فضيلة الأستاذ الدكتور علي محي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن العلاقة بين الفقه والطب علاقة وثيقة في مجالات متعددة، وأن أن جميع مسائل الطب تخضع في الإسلام لأحكام الشريعة من حيث الحل والحرمة مشيرا أن المستجدات الطبية يحتاج حلها من الناحية الشرعية إلى تعاون الفقهاء مع الأطباء، فالأطباء يكشفون عن حقائقها وتفاصيلها فالأطباء يكشفون عن حقائقها وتفاصيلها، والشرعيون يصدرون عن فهم ورؤية أحكامها وبذلك يتحقق التكامل والدقة.
 
جاء ذلك خلال ورقة عمله التي قدمها إلى المؤتمر العاشر لرابطة أطباء الأمراض الجلدية والتناسلية لدول مجلس التعاون الخليجي بعنوان ” منهج الإسلام في علاج الأمراض العادية والمعدية  دراسة فقهية طبية مقارنة”.
 
وقال فضيلته :إن الإسلام ينطلق في مسألة العلاج والتداوي والجوانب الصحية بصورة عامة من منطلق أن الحفاظ على النفس والبدن والعقل والفكر من الضروريات الأساسية التي جاءت الشريعة لأجل الحفاظ عليها، وحمايتها وتنميتها، ولذلك أمر الله تعالى رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم بالتداوي، فقال :{وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ} وقوله تعالى: و{َلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} ، مستشهدا بالأحاديث النبوية الشريفة أمرت بالتداوي مثل حديث أسامة بن شريك قال: “أتيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه كأنما على رؤوسهم الطير، فسلمت، ثم قعدت، فجاء الأعراب من ههنا وههنا، فقالوا: يا رسول الله أنتداوى؟ فقال: تداووا فإن الله تعالى لم يضع داءً إلاّ وضع له دواء غير داء واحد الهرم “.
 
موقف الإسلام من الطب والمرض:
 
 كما بين فضيلته موقف الإسلام من الطلب والمرض قائلا :الإنسان في نظر الإسلام أعظم وأكرم وأشرف مخلوق على وجه الأرض، فقال تعالى{لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَـٰنَ فِىۤ أَحْسَنِ تَقْوِيم}، وهو عجيب في تكونيه الجسماني، وغريب في تكوينه الروحاني، وفيه من الأسرار العظيمة ما لا تعدّ ولا تحصى حتى قال الشاعر:
 
وتزعم أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
 
ولذلك أمرنا الله تعالى بالنظر إلى أنفسنا فقال تعالى{وَفِىۤ أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ} بل إن الله تعالى بيّن بأنه سيُري الناس آياته في الآفاق والأنفس حتى يتحقق لهم اليقين بأن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم حق فقال تعالى {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } (فصلت53) منبها  أن القرآن الكريم ليس كتاب طب، وإنما هو كتاب هداية، ولكنه تناول هذه الموضوعات من خلال الاستدلال على عظمة الله تعالى وعلمه وقدرته، أو من خلال ذكر القصص أو من خلال بيان خصائص الإنسان، أو نحو ذلك، كما أن هذه الآيات ليست جميعها على سنن واحد من حيث الدلالة على الموضوعات الطبية، وإنما غالبها يؤخذ منها بالاستنباط في الأمور الطبية.
 
خلاصة المنهج الإسلامي في العلاج:

وقد لخص فضيلته المنهج الإسلامي في الطب والعلاج في النقاط الآتية:
 
أولاً: العلاج من خلال الإيمان بالله تعالى وبالقضاء والقدر، وإرجاع الأمر كله إلى الله تعالى مع الأخذ بجميع الأسباب المتاحة لدفع المرض، والأخذ بالحيطة والوقاية قبل الوقوع والإصابة، ثم الأخذ بجميع الأسباب المتاحة للعلاج والشفاء.
 
ثانياً: يغرس الإسلام في نفوس أتباعه الرضا والقناعة، والصبر والمصابرة على ما أصابه.
 
ثالثاً: يأمره الإسلام بالوقاية والحماية، سيأتي تفصيله في الطب النبوي والوقائي.
 
رابعاً: يأمر الإسلام بعد ذلك المسلم بالتداوي ـ كما سبق ـ.
 
خامساً: يوسع الإسلام دائرة التداوي بالأدوية والعلاج الطبي والعمليات ونحوها.
 
سادساً: يبين الإسلام للناس جميعاً بأن لكل داء دواء ولكل مرض شفاء علمه من علمه، وجهله من جهله، يختلف ذلك حسب العصور والأزمان وتطور الأدوية والعلاج والوسائل الطبية، حيث يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (إن الله لم ينزل داءً، ـ أو لم يخلق داءً ـ إلاّ أنزل ـ أو خلق ـ له دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله إلاّ السام، قالوا : يا رسول الله، وما السام؟ قال: الموت).
 
وهذ الحديث الصحيح يعطي أملاً ـ ما بعده أمل ـ لكل مريض حيث قضى بأنه لكل داء دواء، ولكل مرض شفاء، وبذلك لا يفقد الأمل مهما كان مرضه خطيراً على عكس ما هو الحال اليوم حيث تصنف بعض الأمراض على أنه لا شفاء لها
 
وأخيراً فمنهج الإسلام منهج قائم على الزوجية (أي الطب الروحي والنفسي والطب المادي) وليس على الأحادية أي الاعتماد على الجانب المادي فقط، أو الجانب الروحي فقط، وهكذا الإسلام في كل شيء حيث يجمع بين الدين والدنيا، وبين المادة والروح، وفي ذلك وغيره ذلك جمع للخيرين.

العلاقة المتبادلة بين الفقه والطب:
 
كما تحدث فضيلة الدكتور القرة داغي عن العلاقة بين الفقه والطب قائلا:
 
إن العلاقة بين الفقه والطب علاقة وثيقة في مجالات متعددة، نذكر أهمها بإيجاز شديد، وهي:

أولاً: أن جميع مسائل الطب تخضع في الإسلام لأحكام الشريعة من حيث الحل والحرمة، ومن حيث الالتزام بالأخلاق والآداب المطلوبة.
 
ثانياً: يحتاج الفقه الإسلامي إلى الطب للوصول إلى الحكم الشرعي لجميع المسائل الطبية، لأن الحكم على الشيء فرع من تصوره.
 
وكذلك يحتاج الفقيه إلى الطب في كثير من مسائله، منها:

1.       معرفة كون الشيء ضاراً أو خبيثاً حتى يحكم عليه في الفقه بالحرمة إذا كان الضرر كبيراً، وبالكراهة إذا كان قليلا، ولذلك قال الإمام الشافعي في الماء المشمس (الذي وضع أمام الشمس في أواني منطبعة وفي بلاد حارة) : (لا أكره المشمس، إلاّ أن يكره من جهة الطب)
 
2.       في مسألة كون الإنسان مريضاً فيرخص له الرخص الشرعية في الطهارة، والصلوات، والحج والصيام ونحوها، وكذلك في كونه مختل العقل، أو مجنوناً إذا اشتبه الأمر حيث يترتب على ذلك الحجر عليه، ومنعه من التصرفات
 
3.       في إثبات النسب في حالات معينة.
 
4.       في إثبات الجرائم من خلال الطب الشرعي.
 
5.       في أحكام الزواج ، وثبوت بعض العيوب الموجبة للفسخ مثل العنة.
 
وغير ذلك كثير، ولذلك لام فقهاؤنا السابقون بعض علماء عصرهم في عدم عنايتهم بالطب الذي هو فرض كفاية ـ كما سبق ـ.
 
وأخيراً فإن المستجدات الطبية يحتاج حلها من الناحية الشرعية إلى تعاون الفقهاء مع الأطباء، فالأطباء يكشفون عن حقائقها وتفاصيلها، والشرعيون يصدرون عن فهم ورؤية أحكامها، وبذبك يتحقق التكامل والدقة.
 
ضوابط وآداب الطبيب:

كما ذكر فضيلته آداب الطبيب وضوابط عمله مشيرا أن الشريعة الإسلامية  وضعت الشريعة مجموعة من الضوابط والأحكام، والآداب للمعالج الذي يعالج الإنسان أي معالجة كانت سواء كانت معالجة للجانب البدني، أو النفسي، أو غير ذلك، نذكرها هنا بإيجاز:
 
أولاً: أن يكون المعالج ذا علم وخبرة وحذق بمهنته الطبية، وفي وقتنا الحاضر: ضرورة الحصول على الشهادة الطبية، والإذن ببمارسة المهنة الطبية من الدولة، وهو أمر معتبر أيضاً في الشرع.
 
ثانياً: أن تكون أعماله على وفق الرسم المعتاد.
 
ثالثاً: أن يكون مخلصاً لعمله أميناً محافظاً على حقوق الآخرين يسعى بكل ما في وسعه للإتقان والإبداع.
 
رابعاً: أن يعرف الأحكام الشرعية الخاصة بالطب والمريض.
 
خامساً: أن يتسم بالأخلاق الإسلامية الراقية.
 
سادساً: احترام تخصصه الطبي بمزيد من الاهتمام و الدراسة والإبداع، مع احترام تخصص الآخرين.
 
سابعاً: أن يلتزم بأسرار المهنة وقيمها الأخلاقية الإنسانية التي أقرها الإسلام
 
ثامناً: أن يكون حريصاً على استشفاء المريض.
 
تاسعاً: ان لا يقوم بإجراء التجارب على مرضاه إلاّ بعد الحصول على إذنهم، وعلى موافقة جهة الاختصاص.
 
عاشراً: أن يلتزم بالقوانين والأنظمة واللوائح والقرارات الصحية التي تصدر من السلطات المختصة.
 
موقف الإسلام من الأمراض المعدية:
 
كما بين القره داغي  موقف الإسلام من الأمراض المعدية ويمكن تلخيصه فيما يأتي:
أولاً: الجانب العملي الذي يتثمل فيما يجب على المريض ، وما يجب على غيره.
 فيجب على المريض أن يسعى جاهداً للعلاج إن كان ذلك ممكناً، ويكون آثماً إذا تركه، وعليه كذلك أن يبذل كل جهده لعدم انتشار مرضه وتعديته إلى غيره، من خلال عدم الاختلاط، وعدم الخروج إلاّ للضرورة، وذلك لأن إيذاءه للآخر محرم وإضراره بالآخر ـ بأي طريق كان ـ ممنوع شرعاً، حيث يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار ) إضافة إلى الأدلة الدالة على منع الضرر والإيذاء ـ كما سبق ـ.
 
وأما غير المريض فيجب عليه أيضاً أن لا يقترب من المريض المصاب بمرض معد، ولكن بلطف ولباقة دون إيذاء لمشاعره.
 
وإذا كانت هناك وسائل لعدم عدوى المرض إليه فينبغي الاستفادة منها، وبالتالي يكون تعامله مع المريض طبيعياً.
 
ثانياً الحانب العقدي:

حيث يجب على المريض أن يكون راضياً بقضاء الله تعالى صابراً على مرضه محتسباً لله تعالى الأجر العظيم لكل مصاب بقدر مصيبته.
 
وأما غير المريض فيجب عليه التوكل على الله تعالى وأن لا يكون خائفاً.
 
ومع هذه العقيدة الصحيحة العميقة القوية يأخذ بالأسباب بلطف دون إيذاء لمشاعر الآخرين، وهذا هو المقصود بقول الرسول صلى الله عليه وسلم حينما قال: (لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل الصالح، والكلمة الحسنة) أي لا يسري المرض إلى الغير بذاته، بل بقدر الله وسنته.
 
والإسلام يقصد من خلال ذلك ان يدفع الإنسان نحو الاطمئنان الداخلي من خلال إرجاع الأمر كله إلى الله تعالى، ونحو الأخذ بالأسباب التي هي سنة من سنن الله تعالى، وبذلك يجمع بين الخيرين.
 كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم جمع بين قوله: (لا عدوى) وبين قوله: (وفرّ المجذوم كما تفر من الأسد) حيث قال : ( لا عدوى ولا طيرة… وفرّ من المجذوم كما تفرّ من الأسد) للتأكيد على هذين الأمرين، أمر بالإيمان بقدر الله تعالى، وأمر الأخذ بالأسباب، وان كليهما من قدر الله، وأننا نفرّ من قدر الله الخاص بالتوكل إلى قدر الله الخاص بالأسباب، وأنه لا تناقض بينهما.