الدوحة – الشرق
الحلقة : السابعة عشر
إشكالية معنى الحديث
وقد استشكل معنى الحديث في عدة جوانب منها:
1 ـ أن ما عليه الرسول صلى الله عليه وسلم كما في بعض روايات الحديث يشمل جميع الأركان والفرائض والواجبات، والسنن والمستحبات، ففي ضوء ذلك فإن الشخص الذي يكتفي بالفرائض فقط دون السنن والمستحبات هل يدخل في الفرقة الهالكة أو في النار؟ مع أن الأحاديث الصحيحة تدل على أن المطلوب لدخول الجنة هو الالتزام بترك المحرمات، ويفعل الأركان والفرائض منها ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما بعدة طرق: أن أعرابياً جاء إلى رسول الله ثائر الرأس فقال: يا رسول الله، أخبرني ماذا فرض عليَّ.. من الصلاة.. من الزكاة.. فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم شرائع الإسلام، قال: والذي أكرمك، لا أتطوع شيئاً، ولا أنقص مما فرض الله عليَّ شيئاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أفلح إن صدق، أو: “دخل الجنة إن صدق”، حيث يدل هذا الحديث الصحيح المتفق عليه على أن دخول الجنة يتحقق بإذن الله تعالى بالالتزام بالفرائض والأركان، والابتعاد عن الكبائر.
2 ـ إن الأدلة من الكتاب والسنة قطعية في أن المؤمنين الموحدين (غير المشركين) هم غير مخلدين في النار، فقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “ما من عبد قال: “لا إله إلا الله” ثم مات على ذلك إلاَّ دخل الجنة” وقال تعالى: (هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا ٱلْقَوْمُ ٱلظَّٰلِمُونَ) فهذه الأدلة وغيرها تدل بوضوح على أن الهلاك المؤكد للكافرين الظالمين المشركين فقط، وأن ماعداه يخضع لمشيئته، وعلى هذا إجماع الصحابة الكرام قبل الخوارج الذين كفَّروا المسلمين بارتكاب الكبائر، ولذلك يقول ابن تيمية الذي صحح هذا الحديث: “فمن كفَّر الثنتين والسبعين فرقة كلهم فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين لهم بإحسان”.
3 ـ إن رواية أنهم “الجماعة” مستشكلة أيضاً، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحددها، فهل المقصود بها أي جماعة، أو جماعة مقصودة؟ فالقضية تتعلق بالهلاك والنار وبالنجاة، ومع ذلك لا يحدد مفهوم الجماعة وقت البيان؟!
4 ـ إن الحديث لو صح لدلَّ على أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم هي أكثر الأمم شقاقاً وفراقاً واختلافاً في حين وصفت بأنها “خير أمة أخرجت للناس” وأنها الأمة الخاتمة القائمة على المنهج الوسط فقال تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) وأنها الأمة الوحيدة التي حفظ الله تعالى لها كتابها ولذلك قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) كل ذلك يجعل الحديث لو صح معلولاً فيه الشذوذ، والمخالفة للنصوص القاطعة.
وأما ألفاظ الحديث ففيها اضطراب واختلافات فبعض روايات الحديث تدل على أن الفرقة الناجية هي “الجماعة” وهذه رواية ابن ماجه، والحاكم في إحدى رواياتهما وفي رواية أخرى هي “من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي” وبعضها بدون “على” وهذا لفظ الترمذي، ولكنه قال: غريب لا نعرفه مثل هذا إلا من هذا الوجه ” والحاكم في إحدى رواياته، وذكر الحاكم أنه تفرد به الإفريقي وهو ممن لا تقوم به حجة” كما أن في سنده عبدالله بن سفيان الذي تفرد به وهو من الضعفاء، وفي رواية أخرى (الإسلام وجماعتهم) رواها الحاكم، وقال: تفرد به كثير بن عبدالله المزني وهو ممن لا تقوم به حجة وبلفظ” وما الواحدة؟ قال: الفرقة الناجية المتمسكة بالكتاب والرسول” رواه الحافظ العلوي في الجامع الكافي، والمرادي في كتاب المناهي وهي أيضاً ضعيفة جداً، وبلفظ “إلا السواد الأعظم” وهو أيضاً ضعيف جداً.
ثم إن بعض رواياته تقول: “ألا إن من كان قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة” وبعض رواياته عن عوف بن مالك عند ابن ماجه بلفظ “افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، واحدة في الجنة، وسبعون في النار، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين.. “، وفي بعض الروايات “افترقت اليهود على إحدى، أو اثنتين وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة” وهذه روايات أبي داود، والحاكم، حيث نجد الاضطراب واضحاً، وأن الشك هنا مؤثر، ثم إن في رواية أخرى عن عمرو بن عوف الفرق كبير، وهي رواية الحاكم الذي ضعفها بلفظ “ألا إن بني إسرائيل افترقت على موسى على إحدى وسبعين فرقة واحدة: الإسلام وجماعتهم، وأنها افترقت على عيسى بن مريم على إحدى وسبعين… “، حيث الفرق واضح ومختلف تماماً من حيث عدد الفرق السابقة.
فمثل هذا الاضطراب المخل والألفاظ المختلفة المتباينة لو وجد حتى في حديث مقبول يجعله مضطرباً معلولاً فكيف بحديث ضعيف من حيث طرقه وأسانيده كما سبق