بداية، هلا حدثتنا عن حدث تأسيس المجلس الفرنسي للصيرفة الإسلامية، وعن السياق الذي جاء فيه.

– بسم الله الرحمن الرحيم، انعقد مؤخرا في باريس لقاء نتج عنه تأسيس المجلس الفرنسي للصيرفة الإسلامية، وكان هذا المجلس يتكون من حوالي 21 عالما وخبيرا اقتصاديا داخل فرنسا وخارجها، وهدفهم هو القيام بتلبية متطلبات الصيرفة الإسلامية، ليس على مستوى فرنسا، بل على مستوى أوروبا. وشاركنا في تدشين هذه المؤسسة، كما شاركت فيها مؤسسات رسمية ومالية كبرى في فرنسا، حيث أسهمت فرنسا وأبدت استعدادها لتغيير بعض القوانين التي قد تعوق تحقيق أهداف الصيرفة الإسلامية.


وقد كان في هذا اللقاء مناقشات مستفيضة، وأبدى الفرنسيون مجموعة من الملاحظات، خاصة كبار المسؤولين الاقتصاديين وكبار المسؤولين في الشركات المهمة، وقالوا: ما معنى قبول الصيرفة الإسلامية؟ وهل معناه الدخول في الإسلام، أو أنكم تريدون أسلمة المجتمع الفرنسي؟ وهل الصيرفة الإسلامية تحمل في طياتها العقيدة الإسلامية؟


وناقشنا كل هذه الأمور وطمأناهم، وقلنا لهم إن الأمر عكس ما تظنون. كما نوقشت مسائل أخرى من بينها: مسألة اختلاف الفتوى، وأنهم إذا دخلوا في الصيرفة الإسلامية فإنهم سيواجهون هذه المشكلة، فبيّنا لهم بأن الأمر ليس بهذا الشكل، لأن هذا الاختلاف يُغني نشاط الصيرفة الإسلامية، كما أننا نمتلك في هذا المجال حوالي 80 معيارا شرعيا للصيرفة الإسلامية والمؤسسات المالية الإسلامية، وهذه المعايير معترف بها في بعض الدول الإسلامية والعربية، وهذا -نوعا ما- يرفع الاختلاف، وعندنا كذلك مركز للتحكيم الدولي للصيرفة الإسلامية، والمجلس العام للبنوك، ونحن نتجه نحو وضع قانون لكل عقد من العقود للصيرفة الإسلامية، وبالتالي فليس هناك أي تخوف من هذا، إضافة إلى أن الهيئة الشرعية إن وجدت في أي مؤسسة فإنها تحسم الخلاف وترفعه، وقد اطمأنوا بهذه الردود، وذلك لأننا تكلمنا بلغتهم وفهموا هذه الرسالة.

 

أين وصلت جهود الفرنسيين في دعم واستقطاب مؤسسات العمل المصرفي الإسلامي؟

– في اعتقادي أن فرنسا تأخرت في الصيرفة الإسلامية، لكنها بدأت بقوة وتقدمت في وضع مؤسسة كبيرة، هي المجلس الإسلامي الفرنسي للصيرفة الإسلامية، وذلك لكي لا يحصل أي اضطراب في البداية، كما أنهم عرضوا علينا استثمار وتوظيف تقنيات متطورة جدا في عالم الصيرفة، ورحبنا بذلك وقلنا لهم إننا نتشرف بالأخذ بهذه التقنيات، وأبدوا حماسهم في دمج التقنية الفرنسية في مجال الصيرفة بمبادئ الشريعة الإسلامية. وأشير إلى أنه حضر أكثر من 30 طالبا من طلبة الماجستير والدكتوراه بدعوة من الفرنسيين، وهذا دليل على أن فرنسا تسير في دعم وتشجيع الصيرفة الإسلامية في بلادها.

 

 


ما مهام هذه المؤسسة الجديدة، وهل هي مؤسسة ربحية؟

– هذه المؤسسة نوعا ما ليست ربحية، وإنما مؤسسة تسعى أولا إلى تدريب من يرغب في فهم والعمل في مجال الصيرفة الإسلامية والتأمين الإسلامي، وكذلك اختيار وترشيح عدد من الأطر ليكونوا أعضاء في المؤسسات المالية الإسلامية الجديدة، وكذلك القيام بالتدقيق الشرعي إذا طلب منهم ذلك من أي مؤسسة مالية إسلامية، كذلك من المهام التي سيقوم بها هذا المجلس الاستشارات الشرعية والاقتصادية في مجال الصيرفة والتأمين الإسلامي، وقد وضعت الهيئة مجموعة من الأهداف والوسائل باتفاق معنا، وكان الفرنسيون متحمسين لهذه الأهداف والوسائل.

بحكم التقائكم بالعديد من المسؤولين الفرنسيين المهتمين بهذا المجال، وبالنظر إلى ما يروج من أنباء عن رغبة بعض البنوك الإسلامية الخليجية في دخول السوق الفرنسية، هل هناك فرص قريبة لفتح بنوك أو فروع إسلامية في فرنسا؟

– هناك جهود من قطر من بعض البنوك الإسلامية لفتح بنوك إسلامية مستقلة في فرنسا، وهناك جهود كبيرة جدا من المؤسسات الفرنسية لفتح فروع إسلامية، كما أن هناك جهودا أيضا من الحكومة الفرنسية لتشجيع إنشاء مصارف وشركات تأمين وشركات مساهمة تشارك فيها المؤسسات الفرنسية والمؤسسات المالية الإسلامية، وقالوا إن بريطانيا سبقتهم في هذا المجال، حيث تستثمر عن طريق الصيرفة الإسلامية حوالي 8 مليارات يورو، ونحن نريد أن نجعل باريس عاصمة للصيرفة الإسلامية.

كما أنهم لا يريدون إنشاء فروع لبنوك إسلامية فقط، وإنما إنشاء شركات مالية إسلامية كبرى، وهناك طلبات من دول خليجية لفتح فروع إسلامية وبنوك إسلامية مستقلة، كما كان هذا اللقاء مناسبة طرحنا على الفرنسيين فيها إشكالية بعض القوانين الفرنسية التي تعرقل مسيرة البنوك الإسلامية، وأكدوا أنهم غيّروا البعض وسيقومون بتغيير القوانين الأخرى لكي تكون متفقة مع الصيرفة الإسلامية حتى لا تكون هناك قوانين ضد الاستثمارات الإسلامية.
 

هل يمكن أن نفسر الإقبال الغربي على النظام المالي الإسلامي بأنه تأكيد على أن هذا النظام هو مستقبل العالم في مجال المال والاقتصاد؟


– عقلية الغرب عقلية ديناميكية متطورة وتبحث عن كل ما هو نافع، وهذا هو السبب في أن الرأسمالية رغم المشاكل لم تسقط إلى الآن، لأن الغرب يأخذ ويستفيد من هذه التغيرات، فالغربيون الآن في أزمة كبرى، ولا بد من مخرج، والرئيس الفرنسي صرّح بهذا في أكثر من مناسبة، ودعا إلى تغيير النظام المالي العالمي والاقتصاد العالمي، وكذلك تغيير نظام الرقابة، فهم الآن أنشؤوا هيئة مركزية أوروبية تقوم بمراقبة المصارف الموجودة في أوروبا، وذلك لمزيد من وضع القيود والانضباط ببعض الأخلاقيات المطلوبة، بحيث لا تخضع البنوك إلى النظام السابق الذي ترتبت عليه هذه الأزمة المالية الكبرى.فمن هذا المنطلق الغرب يتجه نحو الاقتصاد الإسلامي، ولكن المشكل يكمن في هل نحن مستعدون لتقديم هذا الاقتصاد الإسلامي كما نريد؟ أظن أن هذه مسؤولية الدول والحكومات.

 

 

كيف تنظرون وتقيّمون جهود الدول العربية والإسلامية في دعم نظام الصيرفة الإسلامية؟

– الدول العربية والإسلامية ليست على مستوى واحد، فهناك دول تدعم الصيرفة الإسلامية، وهناك من لا يقدم أي شيء، والدول العربية والإسلامية لم تنظم حتى الآن مؤتمرات عالمية في الموضوع على مستوى الوزراء والخبراء والاقتصاديين الإسلاميين والغربيين، وجمعهم في مكان واحد لمناقشة هذه القضية، ثم تقديم مشروع اقتصادي عملي من جانب السياسة النقدية والسياسة المالية والسياسة الائتمانية ووضع المبادئ الأساسية الحاكمة للنشاط الاقتصادي. هناك جهود فردية ليست على المستوى المطلوب.


وهذه مناسبة لأقول إننا نحن في العالم الإسلامي للأسف لم نخطُ هذه الخطوات المطلوبة التي قامت بها فرنسا إلا في الفترة الأخيرة، والمفروض أن تكون لنا جامعات وكليات متخصصة في الصيرفة الإسلامية.


والمؤسسات المالية الإسلامية تنمو بنسبة 15 إلى %20، فأين ما يقابلها من الكوادر المؤهلة والتي لها معرفة بالاقتصاد الإسلامي والمدربة على الصيرفة الإسلامية؟ فلا شك أن النمو في هذا المجال ضئيل، ولذلك سنعاني من هذه المشكلة. ومن وجهة نظري يجب تشجيع الدراسات في مجال الصيرفة الإسلامية، وتأسيس مراكز في هذا المجال حتى نواكب هذا النمو الحاصل في مجال الصيرفة الإسلامية، ويكون هناك توازن بين النمو العلمي والنمو البشري.
 

 

هل النظام المالي الإسلامي جاهز لكي يلعب دورا مهما في المنظومة المالية العالمية؟

– أعتقد أنه كأفكار ومبادئ وأسس جاهز، لكن كمشروع عملي يتم تقديمه بالصورة التي يفهمونها، فهذا الأمر يحتاج إلى دراسة ومؤتمرات ومناقشات وخبرات. والغرب لا يكتفي بالمبادئ، وإنما يحتاج إلى إجراءات عملية، وهو أن نصوغ هذه الإجراءات وهذه القوانين، وليس بالضرورة أن نصل إلى ذلك بنسبة %100، لأن من طبيعة هذه الإجراءات أنها تكون قابلة للتعديل.