للإيجار المنتهي بالتمليك صور حسبما ذكرها المعاصرون من أهمها:


الصورة الأولى: أن يتم الإيجار بين الطرفين، ثم يلحق هذا العقد بوعد بيع العين المستأجرة مقابل مبلغ (حقيقي، أو رمزي) يدفعه المستأجر في نهاية المدة بعد سداد جميع الأقساط الإيجارية المتفق عليها.


 


الصورة الثانية: أن يتعاقد الطرفان على تأجير العين (الدار، السفينة، أو نحوهما) ويلحق به وعد بالهبة في عقد منفصل، أي أن المؤجر يهبها للمستأجر بعد انتهاء زمن محدد يدفع فيه جميع الأقساط الإيجارية المستحقة.


    وكون الوعد ملزماً مختلف فيه([1]) سيأتي تفصيله.


 


الصورة الثالثة: أن يتضمن صلب العقد الإجارة والبيع سواء كان الثمن رمزياً أم حقيقياً، وذلك بأن يصاغ على عقد البيع معلقاً على شرط سداد جميع الأقساط الإيجارية المتفق على سدادها خلال المدة المعينة.


 


    وهذه الصورة مختلف فيها قديما وحديثاً:


    وتدخل قديماً: في باب تعليق عقد البيع على شرط حيث منعه الجمهور وأجازه أحمد في رواية، ورجح ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية ورجحه بعض المعاصرين([2])، قال الشيخ ابن بيه: وهو “أن يبيعه بشرط ألا يمضي البيع إلا بدفع الثمن، فيكون البيع معلقاً على دفع آخر الثمن، وحسبما يفيده الزرقاني عن أبي الحسن على  المدونة هذه الصيغة جائزة معمول بها وسلمه البناني، الدسوقي”([3]).


 


الصورة الرابعة: ذكرها بعض الباحثين، فقال: “أن يكون إيجاراً حقيقيا، ومعه بيع بخيار الشرط لصالح المؤجر ويكون مؤجلاً إلى أجل طويل (وهو آخر مدة عقد الإيجار) عند من يجيز الخيار المؤجل إلى أجل طويل كالإمام أحمد، ومحمد بن الحسن، وأبي يوسف وابن المنذر، وابن أبي ليلى وإسحاق وأبي ثور بشرط أن تكون المدة معلومة محددة، واجتماع البيع مع الإجارة جائز في عقد واحد بشرط أن يكون لكل منهم موضوع خاص به”([4]).


 


الصورة الخامسة: أن يصاغ العقد على أساس عقد الإجارة، ولكن يكون للمستأجر الحق في تملك العين المؤجرة في أي وقت يشاء على أن يتم البيع في وقته، بعقد جديد تراعى فيه قيمة العين المؤجرة، أو حسب الاتفاق في وقته.


    هذه الصورة جائزة لا غبار عليها وهي تدخل في قرار المجمع الآتي ذكره، وهذا الشرط الموجود فيه لا يؤثر في العقد، لأنه شرط ليس فيه أي تعارض مع نص من  الكتاب والسنة والاجماع ولا مع مقتضى عقد ا لإجارة.


 


الصورة السادسة: أن يصاغ العقد على أساس الإجارة كما في الصورة الخامسة، ولكن يعطى حق الخيار للمستأجر في ثلاثة أمور:


1- شراء العين المؤجرة بسعر السوق عند انتهاء مدة الإجارة.


2- مدّ مدة الإجارة لفترة أو لفترات أخرى.


3- إعادة العين المؤجرة بعد انتهاء مدة الإجارة إلى صاحبها، ولا مانع من أن يعطى له حق إنهاء عقد الإجارة.


    وهذه الصورة جائزة بقرار من مجمع الفقه الإسلامي في دورته الخامسة عام 1409هـ.


    ويلحق بهذه الصورة ما ذكرناه في عقد الليزنج من أن الثمن يراعى في تحديده المبالغ التي سبق له دفعها كأقساط إيجار.


    الصورة السابعة: أن يقوم شخص أو (مؤسسة) ببيع الدار، أو الطائرة، أو الباخرة للبنك، ثم بعد الشراء يقوم البنك بتأجيرها للبائع الأول مع وعد بالبيع، أو الهبة.


    وهذه الصورة لا تختلف عن الأولى والثانية إلا في شيء واحد، وهو أن المستأجر هنا كان هو البائع للعين المؤجرة في حين أن المستأجر في الصور السابقة لم يكن له علاقة بها، وهل في ذلك ضير؟


    وهذا الاختلاف قد يزيد الأمر تعقيداً من الناحية الشرعية حيث يزيد من احتمال الحيلة، ومجرد التمويل بالمرابحة، والتغطية لعملية ربوية  تحت هذا المسمى حيث هو أقرب ما يكون إلى بيع العينة([5]) من حيث المآل والمقاصد، وقد أفتت ندوة البركة الأولى (الفتوى رقم 14، وهيئة الرقابة الشرعية لبيت التمويل الكويتي بجواز ذلك بشرط أن يكون عقد البيع منفصلاً عن عقد الإجارة)([6]).


 


 اعلى الصفحة


    وقد صدرت بخصوص الإيجار المنتهي بالتمليك فتوى عن الندوة الفقهية الأولى لبيت التمويل الكويتي عام 1981م هذا نصها:


    إذا وقع التعاقد بين مالك ومستأجر على أن ينتفع المستأجر بمحل العقد بأجرة محددة بأقساط موزعة على مدد معلومة، على أن ينتهي هذا العقد بملك المستأجر للمحل فإن هذا العقد يصح إذ روعي فيه ما يأتي:


أ‌-  ضبط مدة الإجارة، وتطبيق أحكامها طيلة تلك المدة.


ب‌- تحديد مبلغ كل قسط من أقساط الأجرة.


ج‌-  نقل الملكية إلى المستأجر في نهاية المدة بواسطة هبتها إليه تنفيذاً لوعد سابق بذلك بين المالك والمستأجر.


 


   كما صدر قرار عن مجمع الفقه الإسلامي في دورته الخامسة عام 1409هـ ، هذا نصه:


أولاً: الأولى الاكتفاء عن صور الإيجار المنتهي بالتمليك ببدائل أخرى منها البديلان التاليان:


الأول: البيع بالأقساط مع الحصول على الضمانات الكافية.


الثاني: عقد الإجارة مع إعطاء المالك الخيار للمستأجر بعد الانتهاء من وفاء جميع الأقساط المستحقة خلال المدة في واحد من الأمور التالية:


– مدّ مدة الإجارة.


– إنهاء عقد الإجارة وردّ العين المأجورة إلى صاحبها.


– شراء العين المأجورة بسعر السوق عند انتهاء مدة الإجارة.


 


    ثانياً: هناك صور مختلفة للإيجار المنتهي بالتمليك تقرر تأجيل النظر فيها إلى دورة قادمة بعد تقديم نماذج لعقودها، وبيان ما يحيط بها من ملابسات وقيود بالتعاون مع المصارف الإسلامية لدراستها وإصدار القرار في شأنها.


 


    البنوك الإسلامية والإيجار المنتهي بالتمليك:


    أولت البنوك الإسلامية أهمية بهذا العقد لتنشيط استثماراتها، وإفادة المصانع والشركات المتعامل معها، حيث تدخل كطرف ثالث ممول كما شرحناه في عقد الليزنج، غير أن هناك اختلافاً بين ما تقوم به البنوك الإسلامية، وبين البيع الإيجاري السائد في القانون – كما سبق – يتمثل في أنه يجوز للعميل أن ينهي اتفاقية الإيجار مع البنوك الإسلامية في أي وقت شاء بشراء الأصل بالسعر المحدد مسبقاً في الاتفاقية، في حين أنه في ظل البيع الإيجاري في القانون لا يجوز للعميل أن ينهي الاتفاقية من جانب واحد، وعليه أن يؤدي كافة المدفوعات قبل أن تنتقل ملكية الأصل من المؤسسة المالية إليه.


 


    والذي يجري عليه العمل في بعض البنوك الإسلامية هو الخطوات العملية الآتية:


1- اتفاق مبدئي يكيف على أساس الوعد أو  المواعدة يتضمن بحث كافة العمليات من شراء البنك، إلى شراء العميل وما يتضمنه من شروط.


2- قيام البنك الإسلامي بشراء الشيء المطلوب (طيارة، باخرة، بيت …)


3- ثم قيام البنك بتأجير الشيء المطلوب للعميل حسب الأجرة المتفق عليها.


4- التأمين على المعدات والأشياء المؤجرة.


5- وعد في ملحق منفصل يتعهد فيه المستأجر بشراء العين المؤجرة.


    وهذا الوعد قد يتضمن السعر المتفق عليه للشراء، سواء أكان رمزياً أم حقيقياً، وهو الغالب، وقد يكون مجرد وعد بالشراء بالسعر المتفق عليه عند إرادة الشراء، أو حسب سعر السوق، وهذا هو الأفضل.


6-بعد انتهاء مدة الإجارة ووفاء المستأجر بكافة الشروط الواردة في العقد، يتم نقل ملكية الشيء المؤجر إلى المستأجر بموجب عقد جديد، وإذا رغب المستأجر أن ينهي عقد الإجارة في أي وقت شاء ليشتري العين المؤجرة ووافق على ذلك المؤجر (البنك) فلا مانع من ذلك شرعاً وقانوناً، والبنوك الإسلامية حريصة على عدم الربط بين العقدين: عقد الإجارة، وعقد البيع، بل يكون الوعد، أو ما يسمى بالعقد الابتدائي في ملحق منفصل، وهي حريصة كذلك على أن يتم تحديد سعر العين المستأجرة وفق الأسس الآتية:


أ‌-  القيمة السوقية المعروفة في السوق، أو حسب ما يقيمها الخبراء.


ب‌- تحقيق العدالة من حيث النظر إلى الأقساط المدفوعة للإجارة، وإلى قيمة الشيء ملاحظاً فيه الاستهلاك ونحو ذلك.


    وهذا النوع لا غبار عليه من الناحية الشرعية، حيث هو عقد إجارة، ثم بعد انتهاء مدتها أو إنهائها تم عقد البيع للمعدات التي اشتراها البنك بنفسه وقبضها كمالك لها، ثم أجرها لعميله لمدة معلومة، ثم باعها إياه.


 


    طريقة أخرى: ولكن إذا قام البنك بإجراء عقد مع العميل قبل تملكه الشيء المؤجر، وذلك بأن يؤجر معدات ليس مالكاً لها وقت التعاقد، ثم يشتريها من  الموردين باسم عميله المستأجر، ويجعله وكيلاً له في قبضها وتسلمها، والقيام بالإشراف على تركيبها، ثم يؤجرها للعميل من فترة معينة يتوقع أن يتم تركيبها فيها، فإذا انتهت مدة الإجارة واستوفى البنك كل ما يجب له على العميل اعتبرت المعدات مبيعة له بثمن رمزي.


 


    فهذه الطريقة بهذه الصورة عليها ملاحظات من أهمها أنها تدخل في إجارة ما لا يملك وهي لا تجوز، لأنها شبيهة ببيع ما لا يملك المنهي عنه([7]).


 


 اعلى الصفحة


    وحل هذه المشكلة يمكن بإحدى الطريقتين الآتيتين:


الأولى: أن يكون عقد الإجارة وارداً على الذمة، وليس على العين، وذلك بأن يتعهد البنك بترتيب الشيء الذي يريده المستأجر حسب المواصفات بأن يقول: عليّ بأن آتي لك بطيارة (باخرة، دار …) على المواصفات المتفق عليها خلال شهر (أقل أو أكثر) وبذلك أصبح العقد وارداً على الذمة، وليس على العين، وبذلك صح العقد، ولزم، ثم يقوم البنك بترتيب الشيء المتفق عليه بشرائه، وتركيبه بنفسه، أو عن طريق وكيله ويجوز أن يوكل المستأجر بضوابط من أهمها أن تكون الفواتير باسم البنك، وأن تكون جميع الأمور المتعلقة بالشراء والتركيب معلومة محددة للبنك.


الطريقة الثانية: أن يقوم البنك بوعد، أو تعهد بالشراء، بحيث لا يتم التعاقد بينه وبين العميل على الإجارة إلا بعد الشراء والتركيب، وفي هذه الحالة لا مانع أيضاً من توكيل العميل بالضوابط السابقة.


 


    والمقصود في هاتين الطريقتين أن المعدات تكون في ضمان البنك بحيث إن هلكت هلكت في ماله وليس في مال المستأجر، ويكون قبض العميل – في حالة  التوكيل – لتلك المعدات قبض أمانة لا يضمن إلا عند التعدي أو التقصير أو مخالفة الشروط.


    وهناك ملاحظة ثانية: أن هذا العقد يتضمن شرط البيع في صلبه وهذا يفسده.


    للإجابة عن ذلك إن هذه المسألة خلافية – كما ستأتي – ولكن ترد الشبهة من جانب آخر أن عقد البيع الذي تضمنه العقد مشروط بانتهاء مدة الإجارة، وفراغ ذمة المستأجر من كل ما يجب عليه وهذا لا يصح شرعاً، لأن البيع من العقود التي لا تقبل التعليق، ولا تصح إضافتها إلى المستقبل(8).


   


   وهناك بديل لهذه الحالة يتمثل في صياغة هذه الاتفاقية بين البنك وعميله بطريقة الوعد، أو المواعدة لإنشاء الإجارة أولاً، ولإنشاء البيع ثانياً، ثم تعقد الإجارة وقتها من غير أن يذكر فيه شروط البيع، ويعقد البيع في وقته من غير شرط فيكون العقدان خاليين عن شرط فتتكوّن الاتفاقية من:


1- توكيل البنك للعميل بشراء المعدات.


2- وعد العميل باستئجارها بعد التسلم والتركيب.


3- وعد البنك للعميل ببيعها بعد انتهاء مدة الإجارة([9]).


 


    الإجارة مع شراء تدريجي للعين المؤجرة:


    قد يتفق البنك في الاتفاق المبدئي (الوعد، أو المواعدة) على أن العميل يشتري مباشرة من البنك (الممول المؤجر) 50% من الشيء المستأجر، أو أية نسبة منه بمبلغ نقدي أو مؤجل عن طريق المرابحة، ثم يؤجر البنك ما يملكه للمستأجر على أن ينتهي بالتمليك حسب الصور التي ذكرناها.


    وقد يتم التوافق على أن يكون تمليك النصف، مثلاً بعد سنة، ثم بعد سنتين يتم تمليك نصف الباقي (أي ربع الكل)، ثم في السنة الثالثة تمليك الكل، ويبقى البنك مالكاً مؤجراً لحصته، وكلما قلت نسبته من العين المؤجرة قلت أجرته لحصته، وتوزع حسب النسب منها.


 


    كل هذه الصور لا مانع منها شرعاً إذا توافرت الشروط المطلوبة من أهمها:


1-  أن تتم عملية التمليك الجزئي بعقد مستقل في وقته ولا يتضمن عقد الإيجار نفسه ذلك، ولكن لا مانع أن يصاغ ذلك عن طريق الوعد، أو المواعدة، منفصلاً عن عقد الإجارة.


2-  إبرام عقد جديد مع المستأجر السابق عند شراء المستأجر نسبة من الشيء المستأجر تحدد فيه الأجرة الجديدة على ضوء تغير نسبة الملكية.


    والبنوك الإسلامية تلاحظ في الإجارة المنتهية بالتمليك نوعية السلع من حيث إنها هل هي من السلع التي تتحسن قيمتها بل تزداد مع مرور الزمن كما في العقارات، أو السلع التي تقل قيمتها مع مرور االزمن كما في السيارات والطائرات ونحوها؟ ففي النوع الأخير تحتاط لعدم استرجاعها إليها أكثر من النوع الأول الذي حتى لو استرجع لا تتضرر بل قد تربح.




 


 اعلى الصفحة




[1]- يراجع للتفصيل: مبدأ الرضا في العقود، ط. دار الثائر 1985: 2/1032.



[2]- منهم أستاذنا الدكتور حسن الشاذلي. وانظر كتابه نظرية الشرط، ط. القاهرة من 132؛ وبحث عن الإيجار المنتهي بالتمليك، ص42.



[3]- بحثه المقدم بعنوان: الإيجار الذي ينتهي بالتمليك، المقدم إلى مجمع الفقه الإسلامي في دورته الخامسة عام 1409هـ، ص12.



[4]- الشيخ ابن بيه: بحثه السابق؛ ويراجع: الخيار وأثره في العقود للدكتور عبدالستار أبوغدة، ط. دلة البركة، ص221.



[5]- يراجع للتفصيل في بيع العينة: مبدأ الرضا في العقود: 2/1225…. .



[6]- الفتاوى الشرعية لبيت التمويل الكويتي: 4/20؛ والفتاوى الشرعية في الاقتصاد الصادرة عن ندوة البركة، 1403هـ- 1980م، ص47.



[7]- ورد النهي عنه بلفظ “لا تبع ما ليس عندك” رواه أبوداود في سننه، الحديث رقم 3486؛ وعون المعبود: 9/401؛ والترمذي في سننه مع تحفة الأحوذي: 4/430؛ والنسائي، الحديث رقم 4612؛ وابن ماجة، الحديث رقم 2188؛ وأحمد في مسنده: 3/402؛ وغيرهم؛ ويراجع بحثنا حول: حديث: “لا تبع ما ليس عندك” سنده وفقهه.



[8]- شرح المجلة العدلية لخالد الأتاسي: 1/234؛ ويراجع: بحوث في قضايا فقهية معاصرة للشيخ تقي العثماني، ط. دارالعلوم، كراتشي، ص211.



[9]- المراجع السابقة.