سؤال:

نحن نعيش في أوروبا، ولنا شركات استثمارية، وحال الاقتصاد لا يخفى على فضيلتكم بسبب تفشي كورونا، والحجر الصحي، ومنع الحركة والتجوال، وقد خصصت الدول مبالغ كبيرة لعلا ج هذه المشكلة الاقتصادية، ولكنها في بعض الأحيان، أو في بعض الدول تأخذ الفوائد بنسب متفاوتة.

فما موقفنا نحن، ولعلم فضيلتكم إذا لم نأخذ هذه القروض يمكن أن يصيب شركاتنا أو بعضها الإفلاس؟

أفيدونا جزاكم الله خيراً.

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اتبع هداه، وبعد:

أولاً: لا شك أن الربا من المحرمات الموبقات، وأنه يضر بالاقتصاد، ولذلك إذا جاء أي أزمة اقتصادية، أو ركود اقتصادي، فإن الدول الرأسمالية تقلل من نسبة الربا، وقد تجعلها صفراً، والنصوص الشرعية في هذا الباب أكثر من أن تحصى.

ثانياً: أن الحكم فيما ذكر في السؤال حسب الحالات الآتية:

الحالة الأولى: التعاون بين أصحاب الأموال المسلمين، فيعطي بعضهم البعض القروض الحسنة، أو التمويلات الشرعية بربح منخفض، فهذا هو ما ندعو إليه المسلمين أصحاب الأموال أن يتكافلوا ويتضامنوا ويتعاونوا، فقد قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[1] ، وقال r:"إِنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ"[2].

فهذا هو المطلوب أولاً في ظل هذه الظروف الصعبة التي يمر بها العالم.

الحالة الثانية: إذا كانت الدولة تُعطي قروضاً بدون فائدة فهذا أمر طيب، ينبغي لشركات المسلمين أن تستفيد من ذلك، وهكذا الحال فيما إذا كانت الدولة تعطي الرواتب أو الأجور بدون فوائد.

الحالة الثالثة: أن تقرض الدولة أو البنك قروضاً بدون فائدة لمدة عام، ثم تشترط للعام الثاني فائدة، ثم في العام الثالث فائدة أكثر، ففي هذه الحالة فلا مانع في ظل الظروف الحالية أن تقبل بالقروض لمدة سنة واحدة مع الإصرار على ردها قبل أن تفرض الفائدة على المقترض، وهذا جائز؛ لأنه ليس مشروطاً لنفس السنة.

أما إذا كان القرض يتضمن شرطاً بدفع الفائدة، أو غرامة التأخير إذا لم يدفع المال خلال السنة، أو أكثر فإن الذي نفتي به في مثل هذه الحالات الطارئة أو القاهرة هو أن الشرط باطل، وبالتالي فإذا التزم المقترض بما لا يترتب عليه دفع الفائدة فلا حرج عليه، اعتماداً على حديث بريرة t، حيث جعل الرسول r شرط الولاء لغير المعتق باطلاً، وإن كان مائة شرط[3].

الحالة الرابعة: أن يصدر قرار من البنك المركزي بأن تمنح البنوك القروض للشركات والمؤسسات بدون فائدة لتقوية الاقتصاد، وتقليل البطالة وعدم وقوع الشركات في حالات الإفلاس والإعسار، ولكن الدولة هي التي تأخذ 0.25% قيمة للضمان والإدارة، ففي هذه الحالة ما دام المقرض هو غير الذي يأخذ الزيادة فلا مانع أيضاً من أخذ هذا القرض، لأن الفائدة ليست على القرض، وأنها ليست بين المقرض والمقترض، وإنما النسبة البسيطة من باب ما أجيز من أخذ الأجر على المصروفات الإدارية في خطاب الضمان، حيث تؤخذ من 0.25% إلى 0.80% باعتبارها تعادل المصروفات الفعلية أو الإدارية عند من أجاز أخذ النسبة عليه.

وبناءً على ذلك فإن هناك ثلاثة أطراف، المقرض وهو البنوك، والمقترض، حيث لا فائدة بينمها، والطرف الثالث ضامن، وهو الدولة تأخذ تلك النسبة القليلة من باب المصروفات، والجدية في الموضوع أيضاً.

وبناءً على ذلك فلا مانع من أن تأخذ الشركات هذا القرض بهذه الصورة التي ذكرناها.

الحالة الخامسة: أخذ القروض بفوائد من البنوك الربوية، أو من غيرها، فهل يجوز للشركات المملوكة للمسلمين أن تأخذها باعتبار أن كورونا جائحة عامة؟

للجواب عن ذلك فإن الربا محرم في جميع الأحوال إلا إذا بلغت الحالة حالة الضرورة الشرعية، ولكن الضرورة الشرعية في نظري تشمل الشخص الطبيعي، والشخص الاعتباري، فعندما تتعرض شركة عامة أو كبيرة أو متوسطة لها موظفون وعاملون للإفلاس حسب الظن الغالب المعتمد على أحوال السوق، أو تقرير الخبراء، ففي هذه الحالة فإن الإفلاس في حقيقته موت للشخص الاعتباري المعنوي، فكما أن الخوف المؤكد من هلاك الشخص الطبيعي او تلف بعضه، أو عرضه يعد من الضرورات التي تبيح المحظورات، فكذلك الحال في الشخص الاعتباري الذي اعترفت به الدول، والقوانين، والمجامع الفقهية.

وبناء على كل ما سبق فإن الشركات العامة، أو الخاصة التي تعد من مصادر الرزق لأصحابها والعاملين فيها إذا تراكمت عليها الديون ولا تستطيع أداءها في أوقاتها، و التي إن لم تدفعها سيُرفع أمرها إلى المحاكم التي تقضي بالإفلاس، أو الإعسار حسب الظن الغالب، أو أنها لا تستطيع دفع رواتب موظفيها بصورة كاملة مع الترشيد، أو أنها لن تستطيع إدارة الشركة وبقاءها مع تقليل المصروفات والابتعاد عن الإسراف والتبذير، ففي هذه الحالات تدخل الشركات في مرحلة الضرورات التي تجيز لها الالتجاء إلى البنوك الربوية للاقتراض منها ولو بفائدة بالضوابط الآتية:

  1. أن لا توجد لدى الشركة العامة سيولة، أو وسائل أخرى من بيع بعض الأصول، مثل: أن تكون لديها أسهم، أو صكوك، أو سندات (ولو محرمة) أو نحو ذلك.

وفي الشركة الخاصة يضاف إلى الشرط السابق أن لا توجد لدى أصحابها الشركاء سيولة كافية، أو قدرة على تمويل الشركة بأي وسيلة مشروعة، مثل زيادة رأس المال.

  1. أن لا توجد مؤسسات مالية إسلامية أو نحوها، تقوم بتمويل الشركة من خلال عقود مشروعة، وبأرباح مناسبة.
  2. أن تكون الشركة عامة، أو خاصة يكون لإفلاسها تأثير على أصحابها والعاملين فيها، أما إذا كانت شركة صغيرة بسيطة غير مؤثرة فلا يجوز لها الاقتراض بفائدة.
  3. بما أن هذه الحالة تكيف على أساس الضرورة، فإن الضرورات في الإسلام مقيدة ومقدرة بقدرها، فقال تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ (أي غير ظالم) وَلَا عَادٍ (أي لا يتجاوز ما يحقق غرضها من البقاء والاستمرار) فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ}[4]، فلا يجوز لهذه الشركات أو المؤسسات إلا بمقدار ضرورتها.

هذه ونوصي المسلمين بتقوى الله، وبالتعاون فيما بينهم والابتعاد عن المحرمات، وبخاصة الربا الذي ذمه الله تعالى ذماً كبيراً، فقال تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ*يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ}[5]، وقال تعالى: {وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[6].

 وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين


[1] – سورة المائدة (2)

[2] – رواه البخاري (2486) ومسلم (2500)

[3] – حديث بريرة في صحيح البخاري (2729،2563،2168) وصحيح مسلم (1504)

[4] – سورة البقرة (173)

[5] – سورة البقرة (276،275)

[6] – سورة البقرة (280)