الدوحة – الشرق

الحلقة :الثالثة و العشرون

يعتبر من ثوابت هذا الدين وقواطعه وجوب الاتحاد والوحدة والترابط بين المسلمين ، وحرمة التفرق والتمزق فيما بينهم ، فاتحاد الأمة فريضة شرعية يفرضها الدين الحنيف وضرورة واقعية يفرضها الواقع الذي نعيشه ، حيث أصبحت بسبب تفرقها وتمزقها ضعيفة مهددة في وجودها وكيانها وسيادتها طمع فيها الطامعون ، وغلب على معظمها المستعمرون والحاقدون، ولا سيما عالمنا اليوم الذي تكتلت فيه القوى وأصبح الإسلام الهدف الأساس لها .

ولا نجد ديناً ولا نظاماً أولى عنايته بالاتحاد وخطورة التفرق مثل الإسلام حيث توالت الآيات الكثيرة والأحاديث المتضافرة على وجوب التعاون والاتحاد ، وحرمة التفرق والاختلاف .

فمنها قوله تعالى: ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ، ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ، ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم).

حيث دلت هذه الآيات على ما يأتي :

1 ـ أن أعداء الإسلام يبذلون كل جهودهم لتفريق الأمة الإسلامية وأنهم وراء ذلك وبالأخص الصهاينة والصليبيون ، والاستعمار الذي رفع شعار (فرق تسد) .

2 ـ أن اتباع هؤلاء الأعداء وطاعتهم في ذلك كفر ( يردوكم بعد إيمانكم كافرين ) وهذا أعظم هجوم على التفرق وبالأخص إذا كان بسبب التبعية لأهل الكفر حيث سماه الله تعالى كفراً.

3 ـ هناك علامة تعجب واستغراب لمن يتفرق عن الجماعة المسلمة ويكفر مع وجود القرآن الكريم ، والرسول في حال حياته ، وسنته في حالة موته ، وهذا يعني أن سبيل هذه الأمة هو الاتباع للكتاب والسنة المطهرة ، وان طريق الوحدة ميسور إذا توافرت الإرادة والعزيمة ، حيث أن أسباب وحدة السلمين لا زالت قائمة .

4 ـ أهمية التقوى والاخلاص والتجرد عن الأهواء وخطورة التعصب والعصبية القومية ، والقبلية والطائفية والمذهبية في إيجاد الاختلاف المذموم والتفرق المشئوم فهذه هي الأمراض القاتلة التي فتكت بالأمة ، ونخرت في عظامها.

5 ـ العناية القصوى بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإصلاح الناس وفعل الخير ، والدعوة إليه ، ونشر الإحسان والتكافل بين المسلمين ، فهذه وسائل عظيمة لحماية الأمة وجمعها على الطريق المستقيم والهداية والفلاح .

6 ـ أهمية الاعتصام بحبل الله المتين ، والانشغال بالدعوة والجهاد لتوحيد الأمة ، حيث وردت بذلك آيات كثيرة : منها قوله تعالى : ( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون).ومنها قوله تعالى : (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) .

وأما السنة النبوية فمنها ما رواه الشيخان بسندهما عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( من فارق الجماعة شبراً فمات فيمتته جاهلية ).

وكما أن الوحدة فريضة شرعية فهي كذلك ضرورة ومصلحة ملحة لتحقيق النهضة والتنمية الشاملة ، والحضارة والتقدم.

بين الوحدة على الثوابت ، والاختلاف المشروع والتفرق المذموم :

إن الوحدة الإسلامية على الثوابت هي الأًصل والمبدأ العام ، ولكنها لا تمنع من وجود اختلافات في دائرة الفروع والاجتهادات ( المتغيرات ) ، ومن المعلوم في هذا الدين أن من سنن الله تعالى اختلاف الناس في العقائد والأفكار والتصورات والشعائر والمشاعر ولذلك أرسل الرسل والأنبياء ، فهي سنة دائمة فقال تعالى : (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) .

تلك هي الغاية من خلقا لإنسان فقال تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) ولذلك يكون الأصل والمطلوب أن يجتمع الناس على عبادة الله ، ويتجدد على الإسلام له ، ولكنهم اختلفوا بسبب البغي واتباع الأهواء والشهوات ، وتأثروا بالبيئة والتقاليد والعادات ،.

إذن فالاختلاف والتفرق سنة لازبة ولازمة لا محيص منه ، وبالتالي يجب التعامل معه ، ولكن هذا التعامل تختلف كيفيته وقوته وضعفه :

أ- فإن كان الاختلاف حول العقائد والأصول والثوابت وما علم من الدين بالضرورة فإنه داخل في الاختلاف المذموم ، والتفرق المحرم الذي جاءت الآيات الكثيرة والأحاديث الشريفة بالنهي عنها ، والحذر منها ، والابتعاد عنها .

وفي هذا النطاق فإن الإسلام يطبع لنا منهجاً عظيماً وأسلوباً حكيماً في التعامل مع هذه الاختلافات في الأديان والملل والنحل ، وداخل الفرق الضالة ، يكمن فيما يأتي :

(1) بيان الحقائق الثابتة فيما يتعلق بالعقائد والشعائر والقيم وعالم الغيب ونحوها بالحكمة والموعظة الحسنة وبالجدال والحوار بالتي هي أحسن .

(2) الالتزام بكل ما يؤدي إلى التعايش السلمي مهما اختلفت الأديان والآراء من الالتزام بأسس التعامل ومبادئه وقيمه العظيمة التي أرساها الإسلام .

ب- الاختلاف الداخل في إطار الإسلام بين المسلمين أنفسهم ممن يتشركون في الإيمان والعمل على الثوابت العامة للإسلام وأصوله العامة التي سنذكرها – إن شاء الله .

وهذا الاختلاف أيضاً منه ما اختلاف فقهي فقط فهذا تنوع وثراء لفقهنا الإسلامي العظيم كالاختلاف بين جميع المذاهب الفقهية المعتمدة مثل الحنفية ، والمالكية ، والشافعية ، والحنابلة ، والظاهرية ، والإمامية ، والزيدية ، والإباضية ، والمذاهب الفقهية المندثرة مثل مذاهب أبي ثور ، والأوزاعي ، والطبري… .

فهذه المذاهب الفقهية كلها من حيث هو مذهب فقهي ليس هناك إشكال في قبولها ، وإنما الإشكال في الجانب العقدي والأصولي لدى بعضها ، فمثلاً إن الشيعة تتوزع على عدة فرق فمنهم الغلاة فلا نتحدث عنهم ، وإنما نتحدث عن الشيعة الإمامية الذين يؤمنون ببعض الأصول زيادة على أركان الإيمان المعترف بها لدى المذاهب السنية والإباضية والزيدية .

وبهذه النصوص وغيرها في تكفير من لا يؤمن بإمامة هؤلاء الأئمة الأطهار تكون حائلاً آخراً وحاجزاً للتقارب الحقيقي إلاّ على المصالح المشتركة التي تقتضيها حالة الأمة في جميع الأحوال ، ولكن من باب الأمانة فإن التكفير لأهل السنة ليس مذهب جميع الإمامية ، وبخاصة المعاصرون الذي يدعون التقريب ، ومهما يكن فلا بدّ من العلاج إذا أردنا التقارب ، والوحدة .