رسالة الاسلام – حوار علاء ابوالعينين
أشار فضيلة الشيخ علي محي الدين القره داغي، الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين إلى أن تصاعد الهجوم في الغرب على الإسلام ومظاهرة له دوافع كثيرة من أهمها: شعور الغرب بأن المشروع الإسلامي هو الوحيد الذي يقف أمام مشروعة الاستعماري.
ورأى القره داغي في حوار خاص مع “شبكة رسالة الإسلام” أن التمزق والتفرق هو أكبر تحدي يواجه الأمة الإسلامية، معتبرا أن طريق نهوض هذه الأمة لن يكون إلا من خلال منهج متوازن وقائم على استراتيجيات جامعة بين الأصالة والمعاصرة.
وإلى تفاصيل الحوار:
نلاحظ أن الهجوم الغربي على الإسلام وكل مظهر إسلامي في أوج مراحله حاليا.. في نظر فضيلتكم ما هي دوافع هذا الهجوم؟
لتصاعد الهجوم في الغرب على الإسلام والمسلمين عدة أسباب:
أولا: إن الإسلام أصبح له وجود في الغرب وأصبح له قوة وبدأ يستيقظ من غفوته، وفضلا عن ذلك يشعر الغرب بأن الإسلام هو الجهة الوحيدة التي تقف أمام مشروعه في الاحتلال والاستعمار واستغلال ونهب ثروات الشعوب وفي إبقاء هذه الشعوب الإسلامية فقيرة وغير قادرة على النهوض من جديد.
فهم – أي أهل الغرب – عندما يجدون أمامهم هذا التحدي فمن الطبيعي أن يحاولون تحطيمه، لكن على هؤلاء أن يعلموا أن الإسلام يحمي المسلمين من الاستغلال والاستعمار والاحتلال وفي نفس الوقت هو رحمة للعالمين يقول تعالي: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } (الأنبياء: 107) ، ويقول جل جلاله: {وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْرًا لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ} (النحل: 30) .
ثانيا: من أسباب تصاعد الهجوم الغربي على الإسلام أيضا البعد الصليبي الذي لا يزال متأصلا في أفكار الغربيين خاصة في أفكار اليمين المسيحي المتصهين.
ثالثا: يعلم المشروع الصهيوني جيدا أن المشروع الإسلامي هو الوحيد الذي يمكن أن يتصدى له وأنه كلما كان الإسلام ضعيفا والمسلمون مستضعفين كلما بقى هذا المشروع الصهيوني قائما؛ لذلك يستغل الصهاينة حول العالم كافة قدراتهم وإمكانياتهم في شتى المجالات لكي يدفعوا الجميع إلى معاداة الإسلام والمسلمين في محاولة منهم لإبقاء مشروعهم أو على أقل تقدير تأخير انهياره.
رابعا: العمل الإستشراقي أيضا لا يزال له تأثير في المجتمعات الغربية، والذي بدأ على يد الرهبان وكان الهدف منه إيجاد أوجه قصور في الإسلام للطعن فيه وتشويه محاسنه وتحريف حقائقه.
خامسا: وسائل الإعلام في الغرب التي تصور الإسلام على أنه مصدر الإرهاب ومصدر كل المشاكل الذي يعاني منها العالم، وقد ساعدها على ذلك – وللأسف الشديد – تصرفات غير محسوبة صدرت من قبل بعض الجماعات الإسلامية.
البعض ينظم مظاهرات هناك وهناك والبعض الأخر يدعو إلى مقاطعة الدول التي تصدر منها هجمات على الإسلام ورموزه.. فهل ترى أن هذه الوسائل الشعبية لها مردود جيد في الرد على الهجوم الغربي ضد الإسلام؟
إن هذه الوسائل الشعبية مطلوبة طالما بقت في إطار سلمي ولم تصل إلى مرحلة العنف؛ لأن الشعور هو الأساس للتحريك، والشعوب لن تتحرك إذا لم تكن هناك مشاعر وعواطف جياشة.
إذن المشاعر والعواطف الجياشة مطلوبة ومهمة بشرط أن تبقى تحرك وتثير في إطار المقبول والمعقول وهو: ألا تصل إلى العنف ومرحلة مخالفة القوانين.
وأؤكد هنا: يجب أن تكون هذه المظاهرات وغيرها من وسائل التعبير الشعبية في صورة حضارية طيبة.
لكن هل تكفي هذه الوسائل الشعبية – بنظر فضيلتكم- في التصدي للهجوم الغربي على الإسلام ووضع حد له؟
هذه الأمور وحدها لا تكفي؛ فنحن نحتاج حقيقة إلى أمة إسلامية موحدة وقوية، نحتاج إلى إعلام قوى في شتى وسائله سواء: المرئية أو المقروءة أو المسموعة أو الإلكترونية.
يجب علينا أن نعالج ونتصدى للأسباب التي ذكرناها وكانت من أهم دوافع تصاعد الهجوم الغربي على الإسلام.
نحتاج حقيقة إلى خطة إستراتيجية لهذه الأمة تضع لها قواعد واضحة وخطوات جليه لمواجهة عدة تحديات وهي: كيف تستطيع أن تحمي نفسها أولا وتواجه هذه التحديات؟ ثم كيف تستطيع أن تحقق لنفسها التنمية والحضارة والتقدم؟
برأي فضيلتكم.. ما هو أكبر تحدي يواجه العالم الإسلامي؟
إن تمزق وتفرق العالم الإسلامي هو أكبر تحدي يواجه امتنا الإسلامية من وجهة نظري.
كيف ينهض العالم الإسلامي مرة أخرى؟
اعتقد أن العالم الإسلامي بإمكانه النهوض من خلال منهج متوازن وقائم على استراتيجيات جامعة بين الأصالة والمعاصرة، استراتيجيات معتمدة على الثوابت الإسلامية التي لا يستطيع أحد أن ينكرها وقائمة على عوامل التغيير والحداثة المقبولة شرعا؛ لأن الثوابت هي التي تحمي الأمم من الانصهار وعوامل التغيير والحداثة هي التي تطورها وتصل بها إلى المستوى الحضاري المطلوب.
ما هي الجهة في العالم الإسلامي التي تعتقد أن بإمكانها وضع هذا المنهج وتبنيه؟
إن كل الناس وكل الجهات فيها خير، والأمة كلها فيها خير – إن شاء الله -، لكن العلماء لهم دور كبير جدا وكذلك الأمراء؛ ولذلك في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أقول دائما: إن العلماء هم القلب والأمراء والساسة والحركات السياسية كلها بمثابة الرأس فيجب على القلب – وهم العلماء – أن يكون نابضا ومتوسطا بين الرأس وبين بقية الأعضاء.
ينتقد بعض المفكرين والعلماء تخاذل فئة من الحكام وتخليها عن قضية فلسطين والقدس وترك هذه القضية للقوى الغربية لكي تتصرف بشأنها كيفما تشاء.. ما رأيك في ذلك؟
إن قضية فلسطين عموما والقدس خصوصا لا يمكن أن تُترك؛ لأنها جزء من عقيدتنا وجزء من حياتنا، والمسلم عندما يصلي يتذكر أن قبلته الأولى هي القدس وعندما يقرأ القرآن سيطالع قول الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الإسراء: 1)
كلمة توجهها للحكام والعلماء بخصوص قضية فلسطين والقدس؟
أقول لهم: هذه هي قضيتنا الأولى ويجب علينا أن نتبناها، وهي دائما مثل المؤشر على تقدم الأمة أو هبوطها على مر التاريخ؛ فإذا تقدمت الأمة يظهر ذلك في فلسطين وإذا تأخرت يظهر أيضا في فلسطين.
ولذلك يجب علينا أن نولي قضية فلسطين العناية بكل الوسائل وليس من الناحية الجهادية فقط، لأبد من تسخير كل الوسائل للوصول إلى تحرير فلسطين كلها إن شاء الله تعالى والقدس الشريف على وجه الخصوص.
في الختام.. أسأل فضيلتكم عن أفضل طريقة للرد على من هاجم أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها وبصفة خاصة في حادثة الإفك؟
إن الآيات القرآنية تقطع الطريق أمام هؤلاء؛ لأن عائشة – من سوء حظ هؤلاء ومن حسن حظها وحظنا – برأها الله بقرآن يتلى إلى يوم الدين، ولذلك يكفي أن نرد على مثل هؤلاء بالقول لهم: إذا كنتم تهاجمون عائشة فأمامكم سورة النور وسورة الأحزاب والرد الشافي فيهما.