العرب الدوحة

النمل يعمل بروح الفريق المتكامل فيحقق احتياجاته الغذائية، حيث يعي كل فرد من أفراده ما عليه من أعباء ينفذها على أكمل وجه دون كلل ولا ملل، ولا اعتراف بالفشل مع الإيثار والتضحية من أجل حياة الآخرين، حيث يعملون جسوراً حية بأجسادهم التي قد تموت لأجل نقل ما غنموه من الغذاء عليها، يقول العلماء الذين أجروا بحوثاً على سلوكيات النمل التعاونية: (إن النمل يضحي بعدد قليل من النملات لبناء الجسر ولكنه يجني فوائد عظيمة في تأمين المرور اللازم لآلاف النملات، وهذا النظام الاجتماعي تقوم به النملة بكل طواعية وسرور).

فالنمل تنطبق عليهم صفة البنيان المرصوص من أجسادهم لخدمة الآخرين، الذي وصف الرسول صلى الله عليه وسلم به المؤمنين فقال: (المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضاً) كما أن النمل له نظام دقيق قائم على التخطيط والأهداف والتعاون العظيم في توزيع الأدوار.

وكذلك النحل، حيث يقوم على النظام والانضباط، والتناغم والاتساق من خلال تعاون بنّاء وشراكة حقيقية، حيث يعمل الكل حسب سنّه ودوره، فالمهندسات والبناءات يشيدن قرص العسل، والعاملات يقمن برحلات للكشف عن أماكن الرحيق، والكيميائيات يتأكدن من نضوج العسل وحفظه، والخادمات يحافظن على النظافة، والحارسات على باب الخلية يراقبن الداخل والخارج، ويطردن الدخلاء، والملكة تقوم بإنتاج البويضات، والهرمونات التي تحدد مختلف نواحي سلوك النحل.

والخلاصة أن النحل التي أكرمها الله تعالى بالوحي إليها {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} لا تعيش إلاّ في مجتمع متعاون متكامل عامل عملاً دؤوباً منتجاً.. على أعلى المستويات.

فالتعاون هو أصل التعايش بين جميع المخلوقات الحية التي سماها الله تعالى {أُمَمٌ أَمْثَالُكُم} ولذلك يؤصل العلماء أن جميعها يعيش على التعاون وأن بعضها يفوق تعاونها على تعاون بعض البشر، يقول الأستاذ مايكل بروكس: (عندما تحتشد الحيوانات تبدي ذكاءً جماعياً معقداً قد يساعدنا في تصميم الروبوتات… إن قدرة السرب المجمعة من الطيور على معالجة المعلومات تفوق حاصل قدرات أفراده) ويرجع ذلك إلى ما قاله فيتشك من وجود علاقات القيادة والتابعية الحساسة التي تتحول إلى نقطة قوة لاتخاذ قرار جماعي.

وإذا عدنا إلى جسد الإنسان الذي خلقه الله تعالى في أحسن تقويم نرى كيفية التعاون والتكامل بين جميع أجهزة الجسم (من الجهاز الهضمي، والجهاز العصبي..) وأعضائه والخلايا بحيث تعمل كلها في تناسق تام وفي إطار منظومة متكاملة كأنها دولة منتظمة لها رئيس، وجنود وكل ما تحتاج إليه، فالجهاز العصبي هو بمثابة هيئة القيادة، والدماغ هو الرئيس الأعلى، فإذا وصل إليه الخبر بدخول فيروس (ميكروب) وجّه كل طاقاته الممكنة للقضاء عليه، وكذلك إذا احتاج جهاز أو عضو أي شيء يسعى لتوفيره، ولذلك فهو يصدّر الأوامر الآتية:

1- أمر لزيادة وتيرة الانقباض لعضلة القلب لزيادة جريان الدم نحو خلايا العضلات ليزودها بسرعة أكبر بالأوكسجين، والغذاء، وإخلاء الفضلات وثاني أكسيد الكربون، ونقل الحرارة الفائضة منها.

2- أمر إلى عضلات التنفس لتزيد من وتيرة انقباضها حتى تزداد وتيرة التنفس وذلك لأجل استيعاب الأوكسجين للدم والتخلص من ثاني أكسيد الكربون من الدم، وهكذا فالجسد عالم متكامل متعاون لن يعيش إلاّ بالتعاون، ليكون قدوة لصاحبه ليكون جزءاً متعاوناً ومتكاملاً في جسد أمته.;