ألقى فضيلة الشيخ القره داغي الأمين العام للإتحاد العالمي لعلماء المسلمين في مؤتمر مكة ، اضافة الى بحثه في “فقه الدعوة في ظل الكتاب والسنة”، كلمة تحت عنوان “الدعوة والتطوير”، حيث بيّن فضيلته أن الدعوة مهما بلغت شأواً بعيداً ومهما تطوّرت فإنها تحتاج أن تتطوّر وتتقدّم أكثر وأكثر، وأكّد فضيلته على ثلاثة عناصر بحاجة إلى التطوير والتجديد والفهم العميق.
العنصر الأول هو المحتوى والمضمون، إذ لا بد وأن يتطور وأن يتناسب مع متطلبات ومقتضيات العصر، ومع معطيات العالم بنسبة عامة. وإذا أردنا أن نطوّر الدعوة من حيث المضمون، فذلك باستعمال الجوانب العقلية والبراهين والحجج العقلية، واستعمال وسائل الترقيق والعاطفة بالنسبة لعامة الناس لأن هذه الوسيلة مهمة جداً، بشرط الإعتدال عند استعمال الوسائل العاطفية حتى لا تؤدي إلى عكس المطلوب ومن هنا تأتي حكمة الداعية. كذلك فإن تطور المعلومات تتناسب مع العقول، وهذا يتطلب حكمة من الداعية فكل صنف من الناس تستعمل معه طريقة، العلماء لهم أسلوب والمثقفين لهم أسلوب والعاملين لهم أسلوب والموظفين والشباب…
أما العنصر الثاني كما بين فضيلته هو الأسلوب والأدوات في الوسائل، وهي عبارة عن الكلمات كالكتابة والخطابة وغيرها، وعبارة عن الفعل أي القدوة، وعبارة عن الأفعال الحركية كالأفلام والمسرحيات وغيرها، فهذه الوسائل يجب أن نستعملها وأن نطوّرها، وأن نستفيد من كل وسائل العصر الحديثة في الإنترنت وغيرها، وذلك عن طريق استعمال الآلة مع نكهة جمالية.
والعنصر الثالث هو التعامل مع المدعو، فالدعوة للجميع للمسلمين وغير المسلمين، ومن هنا عناصر التعامل تختلف مع المسلمين من غير المسلمين. وكذلك داخل المسلمين هناك فئات، فهناك أناس يحتاجون للتذكير، وهناك من يحتاج للترغيب والترهيب. فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: الدين النصيحة. قالوا: لمن يا رسول الله، قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. من هنا يجب أن نعلم كيف نتعامل وندعو كل فئات المسلمين. لذلك فرّق القرآن بالدعوة بين المسلمين وغير المسلمين، فمع المسلمين أمر بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، ومع غير المسلمين أمر بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، فهنا التعامل في الأسلوب يتغيّر من شخص إلى آخر. لذلك على الداعية حتى يكون ناجحاً ومتطوراً أن يحيط بكل الأمور النفسية والثقافية والعصرية والميتافيزيقية ليحسن التعامل مع المدعويين.
والقرآن أوضح أن الدعوة تربط بالنتائج والثمار، وذلك ما عبر عنه فضيلته بحسب فهمه للآية الكريمة القائلة: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27)} [سورة إبراهيم الآية:24-27].
بيّن الشيخ أنه فهم من هذه الآية الكريمة أربعة أمور:
أولها أن تكون الدعوة مرتبطة بمجموعة من الأصول والثوابت، فالشجرة لها أصل وهو ثابت لا يتزعزع، وهكذا الدعوة لها أصول وأسسس ثابتة.
ثانيها بحسب فضيلته وهو أن الفرع الذي هو الأغصان، فهي تقطع من حين إلى حين إذا ماتت أو ذبلت، وهذا ما هو قابل للمتغيرات، فهذا يشير إلى هذا الجانب من المعاصرة والتجديد، لأن الوسيلة ربما تختلف من يوم إلى يوم.
ثالثها قوله تعالى: تؤتي أكلها، أي حين يغرس الإنسان الشجرة، فلا يغرسها إلا لمنفعة، فمن هنا الداعية يجب أن يكون لديه أهداف وبرامج تؤتي أكلها مع المدعوين والناس، فالدعوة لا بدّ أن يترتّب عليها ثمار مع المدعوين من حيث الأخلاق ومن حيث العقيدة…
رابعها في قوله تعالى: بإذن ربها، ومعنى ذلك أن الداعية يجب أن يكون دائماً مرتبطاً بالله، فلا يغترّ بنفسه ولا بجمال أسلوبه بل يعرف أن الفضل كله لله.
هذه كانت كلمة الأمين العام للإتحاد بإيجاز، كذلك يشارك فضيلته في ندوتين في منى، الندوة الأولى حول الأقليات المسلمة والوسائل التي ينبغي اتخاذها وذلك يوم الأحد 10/12/1432 ه. والندوة الثانية حول واقع الإستقامة في حياة الناس وذلك يوم 12/12/1432ه.
وكان فضيلته قد قام بطلب من الرابطة في مكة بإلقاء عدة محاضرات في منى.