الدوحة – الشرق

أفتى فضيلة الشيخ د. علي محيي الدين القره داغي، الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بأن الشراكة بين المؤسسات الخيرية بعضها مع بعض، أو مع القطاع العام، أو الخاص تقوم على أساس التعاون على البر والإحسان وخدمة الناس أجمعين، وتوصيل الخير إليهم بأحسن الطرق، وأفضل الوسائل، وأشملها.

جاء ذلك في معرض إجابة فضيلته لسؤال حول هذا الموضوع.. قال فضيلته هذا ما أمر الله تعالى به بصريح القول حيث قال تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) وقد جاءت هذه الآية الكريمة مباشرة بعد قوله تعالى في بداية سورة المائدة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) مما يشعر بأهمية إلزامية العقود في الحياة، حيث إنها تحقق التبادل بين الناس في الأعيان والمنافع والحقوق.

أمر الله تعالى بالتعاون واجب

ويفهم من هذه الآية بوضوح:

أ- أن الله تعالى أمر بالتعاون، والأمر حقيقة في الوجوب أو الطلب الشامل للإيجاب والندب كما هو رأي الأصوليين.

ب- أن الأمر جاء بصيغة الجمع (وتعاونوا) مما يدل على أن الجماعة مطالبة بتحقيق هذا التعاون.

ج- أن صيغة (تعاونوا) هي صيغة المشاركة لباب (التفاعل) الذي يدل على أن على كل واحد أن يشارك في هذا التعاون على وجه المساواة ، لأن مشاركة باب (التفاعل) للتساوي في الشراكة.

د- أن الله تعالى حدد محل التعاون وهو البرّ، أي الإحسان والتقوى في كل ما يحقق الوقاية من غضب الله والنار، من فعل الطاعات: أي المصالح، والمنافع، والخيرات، فقال تعالى: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ)، ومن فعل المعاصي والآثام أو بعبارة أخرى من فعل المفاسد، والمضار، والخبائث، لأن الله تعالى حرّم هذه الأشياء فقط (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ).

هـ- ولخطورة محل التعاون أكد ذلك بالنهي فقال تعالى: (وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) أي على الشرور والعدوان على الإنسان، أو الحيوان أو البيئة.

و- لم يحدد الله تعالى المتعاون معه، فلم يقل: وتعاونوا مع المؤمنين مثلاً، حتى يفهم منه بأن المطلوب هو تحقيق التعاون على البر والتقى مع أي شخص سواء كان مسلماً أو غير مسلم، كما أكد النهي بأن لا نتعاون على الإثم والعدوان سواء كان مع مسلم أم غيره.

وبالتالي فإن هذه الآية تفسح لنا المجال في التعاون مع جميع المؤسسات الدولية والمحلية – مع قطع النظر عن توجهاتها – بشرط واحد وهو أن يكون التعاون على البر والتقوى، وأن لا يكون التعاون على الإثم والعدوان، يقول القرطبي: (هو أمر جامع لجميع الخلق بالتعاون على البر والتقوى، أي فَلْيُعن بعضكم بعضا).

ز- لم تحدد الآية الوسائل والآليات والأدوات التي يتحقق بها التعاون، حتى يبقى كل ذلك مفتوحاً وعلى أصل الإباحة إلاّ إذا كانت إحداها تتم بطريقة غير مشروعة فتكون محظورة.

ح- لم تحدد الآية مَن يوجه إليه البر والإحسان حتى يبقى حكم التعاون شاملاً لجميع مَن يستحق الإحسان من الإنسان والحيوان، والبيئة.

ط- هذه الآية جامعة لجميع مصالح العباد في معاشهم ومعادهم فيما بينهم وبين ربهم، وهي التقوى التي تتقوى بالجماعة والتعاون، وفيما بينهم وبين بعضهم البعض وهو البر والإحسان الذي يتحقق بالتعاون، قال ابن القيم: (وقد اشتملت هذه الآية على جميع مصالح العباد في معاشهم ومعادهم فيما بينهم، بعضهم بعضا وفيما بينهم وبين ربهم فإن كل عبد لا ينفك عن هاتين الحالتين وهذين الواجبين: واجب بينه وبين الله وواجب بينه وبين الخلق فأما ما بينه وبين الخلق من المعاشرة والمعاونة والصحبة فالواجب عليه فيها أن يكون اجتماعه بهم وصحبته لهم تعاونا على مرضاة الله وطاعته التي هي غاية سعادة العبد وفلاحه ولا سعادة له إلا بها وهي البر والتقوى اللذان هما جماع الدين كله).