أيها الإخوة المؤمنون

 إذا نظرنا إلى التاريخ، وإلى سنن الله سبحانه و تعالى في هذا الكون، وسننه في الذين  خلوا من قبلكم، لتوصلنا أنه لايمكن لأي أمة أو شعب أو دولة أو جماعة أو حتى فرد من الأفراد أن يحقق الغاية المنشودة، وأن يحقق المقاصد الأسمى والمقاصد العلى إلا إذا وجدت تضحيات جسام على مقدار هذه الأهداف وتلك الغايات وتلك المقاصد سواء كانت هذه الغايات دنيوية، أم أخروية، أم جامعة بين الدنيا والآخرة، كما هو الحال في  الحضارة الإسلامية.

كل هذه الأمور لايمكن أن تتحقق إلا بالتضحية، والتضحية في المفهوم الإسلامي ليست تضحية بالمال فقط ،ولا تضحية بالنفس فحسب، ولا تضحية بالأولاد والبنين، وإنما لابد أن تكون هذه التضحية أساساً يبدأ من التضحية بحظوظ النفس، من الجاه، من القوة، من المناصب، فهذه التضحية هي الأساس في بناء الأمة، حينئذ تستحق هذه الأمة وتستحق تلك الجماعة بل يستحق أيضاً ذلك الفرد و تستحق تلك الدولة أن تصل إلى ما تريد وإلى ما تصبوا إليه.

فتلك الأمور لن تتحقق بمجرد الأماني ولا بمجرد الشعارات مهما كانت رنانة ومهما كانت جميلة وحتى أقول مهما كانت عظيمة. فالشعارات هي شعارات ولكن الأساس لتحقيق الشعارات هي التضحية، فلذلك يقول الله سبحانه تعالى في تربية هذه الأمة في آيات كثيرة منها هذه الآية الجامعة في سورة التوبة: (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها) – يعني أموال المقبوضة وليس الأموال الموهومة، فالذي في الجيوب أعز من الأموال الذي قد تكون ديناً أو قد تكون لم تستلمه (وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها) – إذا كانت هذه الأشياء كلها – (ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله) – ما ذا تكون النتيجة؟ – (فتربصوا) – والتربص دائماً في  الغالب يكون  للعذاب، للابتلاءات، للشدائد، للمصائب فتربصوا أي تربصوا الشدائد، تربصوا الابتلاءات، تربصوا المصائب، تربصوا الفتن – (حتى يأتي الله بأمره والله لايهدي قوم الفاسقين).

الآية واضحة محكمة لا تحتاج إلى التفسير من شدة وضوحها. خيّرنا الله تعالى بين أمرين إما أن نكون الأمة وإما أن نكون بلا أمة، فإما أن نهتدي ونكون من المؤمنين الصادقين فذلك سبيلنا ونكون من السعداء الأقوياء الأعزاء في الدنيا والآخرة فهذا هو صراطنا المستقيم، هذ طريق واضح جداً ، فمن هنا إذا وضعنا هذا المعيار العظيم أمام أنفسنا وأمام أمتنا وأمام ما نرى فسوف يكون توضيح وتفسير ما يحدث لأمتنا واضحاً جداً.

الكلام ليس عاماً لكل فرد إنما هو لمجموع الأمة، والمصائب والابتلاءات تأتي على الأكثرية إذا الأكثرية فسدت وإذا الأكثرية لم تكن بالمستوى وإن كانت الأقلية طيبة. “واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة” ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم رداً على سؤال إحدى أمهات المؤمنين كما في الحديث الصحيح:  أنُهلك وفينا الصالحون؟ قال نعم إذا كثر الخبث. والرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل المصلحون لأن المصلحين يصلحون، أما  الصالحون فهم ناس طيبون وليس لهم علاقة بالإصلاح.

وانظر إلى هذه الأمة تمر بنفس الشيء، فحينما وقعت الواقعة وحينما حدثت الكارثة لفلسطين وما حدثت لهم من مصائب وطرد وتهجير ومثل ما نراه اليوم لإخواننا في سوريا، الأمة لم تقف موقفها الصحيح المطلوب من التضحية والفداء حتى تقضي على هذه المسألة، وتكونت الجرثومة الأولى في قلب هذه الأمة وأصبحت هذه الجرثومة تنتشر.

 وهكذا لما حدثت الحادثة في العراق، ما قامت الأمة وخاصة العربية بواجبها في وجودها حتى يحمي هذا البلد من طمع الطامعين من احتلال المحتلين وطمع المتربصين، فحدث ما حدث. واليوم كذلك سوريا الجريحة تتقطع لها القلوب وتبكي لها العيون وتقعشر لها الجلود. إننا لم نقم بالواجب على الوجه المطلوب، فالقضية هي قضية إنقاذ الأرواح بالآلاف، بعشرة آلاف، بالملايين. القضية هي التشريد،  والمنهج المراد والمقصود من  النظام أن يطرد الشعب الذي يقدر بحوالي خمسة وثمانين بالمائة من أهل السنة، أن يطرد هؤلاء بكل الوسائل حتى يحل محلهم آخرون وتغير الدولة هويتها وحقيقتها وتاريخها. الحل هو أن يزود الشعب بكل الوسائل للدفاع عن نفسها وأن يمنع هذا النظام من هذا الطغيان الذي فاق كل التصورات، فاق جرائم الصهاينة، فالناس قد نسوا جرائم الصهاينة في فلسطين وغزة بسبب ما يحدث في سوريا وفي بعض الدول المجاورة.

الناس وجدوا أن الصهاينة رغم أنهم أعداء أشداء لكنهم مع ذلك لم يصلوا في الإجرام والتقتيل إلى ما وصل إليه هذا النظام في دمشق، نظام الأسد المتوحش، يقتل هؤلاء ببراميل، تجمع  براميل رخيصة جداً من المواد المتفجرة ثم ترمى، ثم تأتي الطائرات الروسية وتكمل، ثم تأتي المليشيات الطائفية أيضاً فتكمل، و ليس هناك من يجمع هذا الشعب  حتى من يسمى بالمقاتلين حتى لواء الجيش الحر، يختلفون ويتقاتلون فيما بينهم، بل إنه تأتي داعش وتضرب وتقتل من الوراء وتحتل مناطق ثم بعملية موهومة كما حدث في تدمر؛ تترك هذا المجال للنظام.

حينما يفكر المرء بحجم المؤامرة الموجودة على سوريا، يدرك تماماً لماذا سوريا كلها؟ لأن سوريا هي التاريخ، لأن سوريا هي الشام المبارك، لأن سوريا هي الأمل دائماً مع مصر في تحرير أي احتلال يحدث في فلسطين على مر تاريخنا، العراق ومصر وسوريا كانوا السند لهذه الأمة من الاحتلالات دائماً، بالإضافة بالتعاون مع اليمن والخليج بالتأكيد، هذه الجرائم تحتاج إلى وقفة، تحتاج إلى دعم عسكري متميز، تحتاج إلى مضادات للطائرات. أنا مستغرب لماذا لا يعطى لهؤلاء لا أقول للجبهات القتالية التي لا تثق بها بعض الدول، هناك مجاهدون أو مقاتلون، أو سميهم ما شئت، أو جيش الحر،  تثق فيهم بعض الدول مثل السعودية وقطر، لِمَ لا يزود هؤلاء بالسبيد، السلاح المضاد للطائرات، هذا السلاح الذي منح للمجاهدين الأفغان واستطاعوا أن يسقطوا الطائرات الروسية، الاتحاد السوفيتي في السابق.

هناك مواقف واضحة لبعض الدول الخليجية وكذلك بعض الدول الإسلامية والعربية، فجزاهم الله خيراً و لكن هذه المواقف تحتاج إلى دور أكبر لإنقاذ الشعب السوري .

فلذلك نطلب من إخواننا الحكام جزاهم الله خيراً، الصالحين الذين لم يقصروا عن القيام بإنقاذ هذا الشعب إنقاذاً حقيقياً  ليس مثل إنقاذ الإسبرين للمريض، بل علاج جذري؛ لأن القصد هو إخراج سوريا إخراج الشعب السوري على أقل تقدير بأكثر من ستين بالمائة من الشعب الأصيل من هذا الأرض. فقد وصلنا إلى النصف من التشريد والقتل وما أشبه ذلك والتدمير الممنهج لأكثر من حوالي ثلاثة ملايين شقة وبيت ومنزل وما يسمى بمكان الإيواء. فكم تبقى؟

فلذلك القضية خطيرة جداً والتضخية من كل إنسان بقدره، من شخص يملك درهمين فدرهمه أفضل من مائة ألف درهم لأنه يملك  درهمين ويتبرع بدرهم فكأنه تبرع بخمسين بالمائة، ومن شخص صاحب الجاه جاهه هو الأساس، ومن شخص صاحب القرار قراره هو المطلوب، ومن شخص صاحب الأسلحة الأسلحة هي المطلوبة، وأنا لا أقول تعطى لمن لايوثق به، بل  يعطى لأهل الثقة.

الخطبة الثانية

أيها الإخوة الكرام جروحنا كبيرة جداً في معظم العالم الإسلامي ولكن الجرح الكبير هو جرح فلسطين ولكن هذه الجراح اليوم كادت مع الأسف الشديد-  وهي مقصودة – أن تغطي على هذا الجرح الكبير في سوريا، وكذلك في مصر، المظالم الذي تقع والانتهكات التي تقع والظلم الذي يقع على عامة الناس من أخذ أموالهم والاعتداء على زوجاتهم واعتقالهم وكذلك عدم الاهتمام بكرامة الإنسان حين يكون في السجون، “ولا تركنوا إلى الذين ظلموا  فتمسكم النار”.

وإذا تجاوزنا إلى خارج عالمنا العربي فنجد أن الذي يحدث في بنغلاديش من جرائم ضد الإنسانية بكل ما تعني هذه الكلمة، قتل يومي واعتداءات في الشوارع، والحكم بالإعدامات بشكل كبير على أناس كانوا يخدمون هذا البلد، أمس صدر حكم بالإعدام على أحد العلماء الكبار، رئيس الجماعة الإسلامية، الذي كان وزيراً أساساً من وزراء الدولة قبل عدة سنوات واليوم اتهم بالإ  بادة.

انظر إلى العملية، وشر البلية ما يضحك؛ قبل خمس وأربعين سنة هؤلاء وقفوا مع وحدة بنغلاديش وباكستان فهذه هي جريمتهم أنه يريد وحدة إسلامية وهذه الوحدة مطلوبة وطنياً،  نعم قد يكون هناك اجتهاد خاطئ، والخطأ لا يرتقي إلى مرتبة الجريمة؟  خمس وأربعين سنة سكتوا عنها واليوم جاءت حكومة ظالمة مع الأسف الشديد مدعومة من الحكومة الهندوسية والحكومة الهندوسية هي ذاتها التي دمرت المسجد البابري للقضاء على كل من يدعو إلى الإسلام  هذا هو الحرب ضد من يدعو إلى الإسلام الآن ساكتين على من يصلي لكن سوف يأتي يوم لا يسكتون حتى على من يصلي كما قال القرآن الكريم في أول سورة أنزلت( أرأيت الذي ينهى عبداً) – إذا أقام الحكم أو كما يسمون بالإسلام السياسي – لا (إذا صلى )المعاداة للصلاة، لكن بالتدرج، كما قال زعيمهم في مؤتمر يجب أن يحصر الإسلام في دائرة تكون من أقل دائرة فاتيكان، إذ تقدر مساحة الفاتيكان بعدة كيلومترات، ولكنهم سيفشلون بإذن الله تعالى في تنفيذ مؤامراتهم هذه و علينا أن ننتبه وأن نحس بإخوتنا الإيمانية في كل مكان، وعلينا كذلك بالتضحية والفداء في سبيل هذا الدين .