الدوحة – جريدة الراية

أكّد فضيلة الشيخ د.علي محي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن فلسطين ونحن نمر بذكرى يوم الأرض لن تحرر إلا في ظل دعوة وراية إسلامية خفاقة وقال فضيلته نحن نعيش اليوم، يوم الأرض، الذي يخص أرضنا المباركة، يوم القدس وفلسطين كلها، من نهرها إلى بحرها، ومن كل ذرة من ذراتها، هذه الأرض العزيزة التي سماه الله بالأرض المباركة في أكثر من آية، وكان فيها مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذه الأرض المباركة مدنسة اليوم بهؤلاء المحتلين والصهاينة، ونحن مشغولون ببعض، وهم يريدون للأمة أن تنشغل عن قضيتها الأساسية، وفلسطين لم تحرر في السابق، ولن تتحرر إلا في ظل دعوة وراية إسلامية خفاقة، حررها عمر رضي الله عنه باسم الإسلام، وطهرها صلاح الدين الإيوبي الكردي تحت راية الإسلام فقط لا راية أخرى. هذه الأرض ضاعت تحت رايات قومية وبعثية وشيوعية واشتراكية، فكيف بهؤلاء المضيعين يردون لنا أرضنا ؟ هذا بعيد جدًا، إنما الذي يعيدها الأيادي المتوضئة والمباركة، الأيادي التي تريد وجه الله سبحانه وتعالى، وليس ذلك بعيدًا، فمن الأجدر بالأمة أن تقف مع قضاياها.. وقال إننا في الوقت نفسه لا ننسى ما الذي يحدث في الجزء الثاني من الأرض المباركة ، أرض الشام، في ظل هذا النظام البعثي، الذي لا يتقي الله، ولا يخاف الله، ويقوم بالتدمير للأرض وللإنسان ولكل القيم، وحتى للأخلاق من خلال الاغتصاب الممنهج الذي يندى له جبين الإنسانية.. جعل الله نهاياتهم قريبًا إن شاء الله.

وقال فضيلته: يبدو، بعد الربيع العربي، أن الثورة المضادة بدأت قوتها وشدتها الآن،لاسيما في مصر، التي نأمل كما تأملون أنه إذا عادت مصر إلى دورها فإن الأمة تكون بخير، وإن مصر لها ثقلها ولها قوتها، ولذلك يجب علينا جميعًا أن ندعو ونطلب من الحكام في منطقة الخليج وغيرها من الدول العربية والإسلامية أن يدعموا التوجه الصحيح بالحكمة والموعظة الحسنة، حتى لا تحدث ثورة مضادة أخرى تأكل الأخضر واليابس، حينئذ ندخل في ثورة ونخرج من ثورة، وهذا ما يريده أعداء الإسلام فيما يسمى بالفوضى الخلاقة.

حال العرب

وكان فضيلته قد بدأ خطبته أمس في جامع السيدة عائشة رضي الله عنها بفريق كليب قائلاً : إذا نظرنا إلى تاريخ هذه الأمة، نستطيع أن نقسمه إلى ثلاثة أقسام أساسية، قسم كانت به الأمة العربية وبقية الشعوب الأخرى في ظل الجاهلية وقبل الإسلام، متفرقة ممزقة لم يكن لها سلطات وسلطان ودولة، وكان العرب بالذات مقسمين بين إمبراطوريتين: الساسانية والرومانية، وهما تتعاملان معاملة السيد للمسود، وهكذا كانت معظم الأمم، وكانت مصر كذلك تحت هيمنة الرومان، الذين لم يكونوا يعطونهم حتى حق البيع والشراء، كما ثبت ذلك في تاريخ الغير قبل أن يثبته المسلمون.

وتابع: كنا في تفرق وتمزق، وكنا في جاهلية، وكنا في ضعف وهوان، ثم دار الزمن دورته التاريخية لصالح هذه الأمة، فتحولت الأمة العربية من التفرق الى الوحدة، ومن الضعف الى القوة، ومن الجهل الى العلم، ومن التخلف إلى الحضارة، ومن كونها تحت إمرة الآخرين إلى قادة العالم، وحققوا حضارة عظيمة بتعاون المسلمين جميعًا، ووصفت هذه الحضارة بأنها حضارة إسلامية بكل ما تعني هذه الكلمة، وأصبحت الصفة الأساسية هي الصفات التي تخص العلم والخدمة، وما تقدمه هذه الأمة للبشرية جمعاء من العلم والحضارة والتقدم والفنون.

امرأة تستنجد بالخليفة

وظلت هذه الحضارة برهة من الزمن وكانت الأمة الإسلامية سيدة العالم باعتراف الجميع، ولم تكن هناك أمة ولا دولة تطمع في أن تأخذ شيئاً لا من أرضها ولا من سيادتها ولا من قوتها، وكيف أن امرأة واحدة من عمورية والتي كانت تحت الإمبراطورية الرومانية أوذيت، فصاحت: وامعتصماه، فجيّش المعتصم جيشاً، وحرر الجيش هذه المرأة، كما حرر المدينة كلها وضمها إلى الرقعة الإسلامية، وهكذا كانت الأمور تسير، وإن كان قد أصاب هذه الأمة ضعف بسبب عدم اتخاذها سنن الله سبحانه وتعالى.

وأضاف قائلاً: جاء المحتلون، وهذه هي الدورة الثالثة، منذ أكثر من مئتي سنة، فقاموا بمحاولاتهم الشديدة والكبيرة للقضاء على هذه الأمة من حيث هويتها وسيادتها وانتمائها وثرواتها، فنهبوا الثروات، ومزقوا هذه الأمة، وما زلنا نحن نعاني من هذا التمزق في عالمنا العربي والإسلامي، وهو شاهد مُشاهد لا يحتاج الى دليل. .وكان المحتلون، وهذا هو ديدنهم وطبيعتهم، ونحن لا نذمهم على ذلك، لأنه هذا يخصهم، وإنما نذم أنفسنا حينما نتبع أهواء هؤلاء المحتلين، الذين لا يريدون لنا خيرًا، وكان شعارهم دائمًا: فرّق تسد، وأخذوا خيرات القارات الثلاث ليبنوا من خلالها حضاراتهم المادية التي تفوقت، ومن خلال ذلك استطاعوا أن يغيروا كثيرًا، فكانت الشريعة الإسلامية هي التي تطبق في عالمنا الإسلامي من يوم تمكن الرسول صلى الله عليه وسلم من دخول المدينة المنورة إلى أن جاء المحتلون المستعمرون، فأحلوا مكان الشريعة قوانينهم الوضعية وأنظمتهم الاقتصادية، وساندهم في ذلك المساندون لهؤلاء المحتلين، والعملاء لهؤلاء المستعمرين، وحينما حاولت الشعوب العربية والإسلامية التحرر من هؤلاء المحتلين، تحررت بعض الدول ظاهريًا، ولم تتحرر حقيقة من حيث الهوية والقوانين والأنظمة، بل ظلت أنظمتهم وقوانينهم هي التي تتحكم، وظلت مواصلاتهم إلى فترة قصيرة هي التي كانت تتحكم فينا فكنتَ إذا أردت أن تذهب الى المغرب العربي أو إلى تونس أو الى ليبيا، لابد أن تمر على إحدى العواصم الغربية ثم من هنالك تنتقل إلى إحدى العواصم العربية أو الإسلامية.

هجمات على الصحوة

ورأى أنه عبر التاريخ ربطونا بأنفسهم من الجانب السلبي وليس من الجانب الإيجابي، بل إن هؤلاء المستعمرين تركوا بلادنا وهي في أفقر حالة، وهذه هي الجزائر بقيت فيها فرنسا أكثر من 170 سنة، وتركوها بدون علم ولا حضارة، بل تركوا فيها مسوخًا في اللغة والعقيدة والأخلاق والقيم، وهكذا فعل بقية المستعمرين من الإنكليز والهولنديين والإيطاليين وغيرهم.. ومع كل ذلك حينما تأتي الصحوة الإسلامية وتنادي بعودة هذه الأمة الى مرجعيتها، إلى أصالتها والى قوتها والى حضارتها وتقدمها والى عصورها الزاهية، حينئذ تواجه بسيل من هذه الهجمات الشرسة ليست على مستوى الخارج، وهذا يخصهم، ولا يجوز أن نجعلها شماعة نعلق عليها مشاكلنا، وإنما الهجمة على مستوى بعض العرب والمسلمين، وكيف يحادون ويعارضون عودة الأمة إلى شريعتها، كان بإمكان هؤلاء الذين يعارضون، أو ربما لديهم تحفظات على بعض الجماعات، فهذا من حقهم، ولكن لابد أن لا تكون المعركة اليوم معركة بين الإسلام وبعض المسلمين، معركة بين تطبيق الشريعة ودستور ينص على مصدرية الشريعة وبين كراهيتهم لبعض الجماعات أو لأفكارهم، فهذا أمر كان المفروض فيه على العقلاء أن يبعدوا هذه المواجهة عن تطبيق عقيدتنا وقيمنا وشريعتنا، بل إن عقلاء المسيحيين في السابق ومنهم أحد أساتذتي كانوا يدافعون عن الشريعة بدافع أن هذا الفقه الإسلامي من العرب – وهذا بنظره – ومن الشرق، فكيف يفضل وهو قبطي بأن يطبق على دولته فقه المحتل أو فقه من خارج بيئته.

معركة الشريعة

ودعا إلى أن يشملنا هذا الفقه الحضاري، وهذه المرجعية رحمة للعالمين، ولكن نرى أن البعض من المسلمين، وهذا البعض ليس ببسيط ، جيشوا الجيوش، واستقووا بالخارج وساندهم بعض الجهات الدينية في أن تكون المعركة بين الشريعة والإسلام من جانب وبينهم وهم يسمون أنفسهم بالمسلمين.

هذه المسألة خطيرة جدًا، ولو كانت لديهم الحكمة، ولو كان لديهم عقل لجعلوا قضية : أي فقه يطبقون؟ وأي منهج تريدون؟ وأي إسلام تريدون؟ هل الإسلام الذي فيه التشدد والأفكار المتشددة ؟ كلنا نرفض هذه الأفكار أم الإسلام المتمثل بهذه الرحمة التي بينها الله سبحانه وتعالى في كتابه (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) وقال تعالى (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ ۚ قَالُوا خَيْرًا)، ووصف الله الرسول بأنه يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم، فأي عاقل يرفض تحليل الطيبات وتحريم الخبائث وإزالة التشدد والأغلال التي كانت موجودة في الأديان السابقة.

انتقاد للعلمانيين

وقال فضيلته: إن الإنسان ليحتار كيف وصل هؤلاء الى هذا المستوى ؟ وكيف لهذه المؤامرة أن تصل الى هذا المستوى؟ وقد سمعنا أن إحدى الدول الكبرى وهي أمريكا أنفقت مئات الملايين، وخصصت مئات الملايين ليس لدعم الديمقراطية في مصر، وإنما لإعطاء الرشوة، كما ثبت ذلك، ولم نسمع في أي عصر من العصور أن القضاء المصري بهذا المستوى من الذل والإذلال أن يقبل تحت ضغوط، ويخرج هؤلاء المدانون بجرائم الرشوة وجرائم التدخل في شؤون الغير والجاسوسية وغير ذلك، أن يوضعوا كلهم في طائرة خاصة مكرمين معززين ويترك الشعب المصري ليعاني من ويلاتهم والمصائب التي تركها هؤلاء. .فأقول لهؤلاء العلمانيين لماذا لا تدافعون عن سيادة بلدكم بدل أن تواجه الشريعة في مصر، ولماذا لم يواجهوا إذلال وخضوع القضاء بضغوط من العسكر وغيرهم رغم أن العسكر كان لهم موقف مشرف في السابق ولكن الضغوط الأمريكية والأموال كان لها تأثيرها، والله أعلم.

حسم القضية

وبشّر بأن القضية من الجانب المبدئي محسومة بالنسبة للمسلم، قال: يمكن لأي دولة أن تعطي تأويلاً أنها لا تستطيع تطبيق الحكم الفلاني، لاسيما في مجال الحدود ،وهذا حتى من الناحية الشرعية والفقهية أمر عظيم، أصّلها سيدنا عمر رضي الله عنه حينما لم يطبق حد السرقة في عام المجاعة، وهذا يسمى فقه التنزيل، والشريعة كلها جاءت لمصلحة العباد، فإذا كانت الدولة لا تستطيع أن تحقق الأمن الاقتصادي والتكافل الاجتماعي فحينئذ تستطيع أن تؤجل تطبيق بعض الأحكام لا سيما في مجال العقوبات، أما أننا نقابل ونواجه الشريعة الإسلامية فهذه هي الكارثة الكبرى، أين العودة الى أصالتنا، أين العودة الى التخلص من آثار الاستعمار وآثار المحتلين؟ وهل الشريعة على مر تاريخها أضرت بهذه الأمة أم رفعت شأن الأمة؟ كيف كنا في الإسلام، وأين قوتنا الآن بعد إسقاط الشريعة رغم كل هذه الإمكانيات المالية لا نستطيع أن نفعل شيئاً لا في سوريا ولا في أي مكان وليس لنا وجود مؤثر حتى في الأمم المتحدة الى يومنا هذا، لأننا مفرقون، وفي ظل الشريعة كانت هذه الأمة قوية، وكانت صاحبة حضارة، وكانت متقدمة بدل أن تكون متخلفة، فهذا التأريخ، وهذه التجارب: تجربتنا قبل الإسلام وفي ظل الإسلام وفي ظل الاحتلال والأفكار الاشتراكية والقومية والبعثية والشيوعية التي طبقت علينا ولم تأت هذه الأفكار إلا بمزيد من الإذلال، ومزيد من الفقر والبطالة والتضخم، وما هذه الثورات إلا رد فعل لهذا الفشل الذي تحقق على أيدي هؤلاء خلال مئتي سنة من حكمهم للبلاد والعباد، وقد فشلوا تمامًا في تحقيق أي نصر على إسرائيل، بل خسر العالم الإسلامي القدس والضفة وغزة والجولان وكذلك سيناء وكثيرًا من الأراضي العربية، ولم يحققوا أيضا الرفاهية ولم يحققوا الحرية وعاشوا مع شعوبهم كأنهم أخطر من المحتلين.

الله أكبر

وقال إن الثورات العربية جاءت في ظل شعار الله أكبر، وبقوة الإسلام، وباندفاع الإسلام، ولذلك أعطى الشعب المصري أصواته إلى من يمثل الإسلام في نظرهم.