الدوحة – بوابة الشرق

الحلقة : السادسة عشر

المواطنة في عالمنا الإسلامي المعاصر

كان المسلمون يعيشون في ظل دولة واحدة في معظم الأحيان بدءاً بالخلافة الراشدة إلى الحرب العالمية الأولى واتفاقية سايكس بيكو التي مزقت المسلمين على أساس القوميات، ومع ذلك لم تتعامل معها إلاّ بمعيار مصالح المستعمرين المحتلين..

ولكن الإشكال الأكبر هو أن روح الفرقة والبغضاء قد انتشرت بين معظم المسلمين فوقعت الصراعات والحروب بين القوميات التي كان من المفروض أن يجمعها الإسلام، وأن تتعامل مع بعضها بروح الحب والولاء والعدل والانصاف بدل الحرب والظلم والاعتساف.

والأدهى من ذلك أن القومية الواحدة لم تجمع أفرادها بل إن العداء بين جناحي حزبي البعث القومي العربي الاشتراكي في سوريا والعراق كاد أن يكون أشد من العداء للصهاينة. كما أن حقوق المواطنة انحصرت داخل دولة الاقليم دون النظر إلى القومية الموجودة خارجها.

وباختصار شديد فإن معظم العالم الإسلامي، وبخاصة العالم العربي قد فقد توازنه الشرعي والحضاري في ظل عدم وجود مرجعية حقيقية له، فلا هو طبّق الإسلام كما ينبغي، كما أنه لم يطبق مقتضيات المواطنة كما هو الحال في الغرب، والله المستعان.

المبحث الثاني: فقه التعامل مع الآخر عند الاساءة إلى المقدسات، ويتضمن ستة مطالب، هي:

المطلب الأول: الاساءة إلى المقدسات في ظل حق الإنسان في حرية التعبير( كرامة الانسان):

تمهيد في التعريف بالإساءة إلى المقدسات الإسلامية:

المقصود بالاساءة إليها: تعمّد توجيه ما يؤذي قولاً أو فعلاً أو إشارة إلى الرموز والثوابت الإسلامية سواء كانت بالوسائل التقليدية، أو الحديثة من الأفلام، والمسرحيات، والتمثيليات، والرسوم الكاريكاتورية المسيئة التي يُفهم منها الاستهزاء الواضح والازدراء.

بين الاساءة والاستهزاء والازدراء، وبين النقد البنّاء:

لا شك أن هناك فروقاً جوهرية بين النقد البنّاء الذي يريد صاحبه التعبير عن رأيه حول عقيدة، أو فكرة للمناقشة والتحاور للوصول إلى الحق، فهذا مسموح به وداخل ضمن حق حرية التعبير عن الرأي، وبين القيام بالاستهزاء أو الاحتقار والازدراء، أو الاساءة المتعمدة نحو دين من الأديان، أو شخص من الأشخاص.

فإن مما لا شك فيه — كما سبق — أن الاساءة والازدراء، والاستهزاء ممنوعة (حتى في المواثيق الدولية والدساتير) أن توجه نحو الأشخاص الأحياء، فلم لا تكون ممنوعة للرموز الدينية والمقدسات الإسلامية فنحن لا نريد أكثر من منع الازدراء والاحتقار، والاستهزاء والاساءة نحو تلك المقدسات، وتبقى دائرة الحرية في النقد البنّاء حتى ولو كان هذا النقد مخالفاً للإسلام، فقد سجّل القرآن الكريم كل ما وجه إلى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والأنبياء عليهم السلام، بل إلى ذات الله العليّة من أقوال المعاندين والمستكبرين، وردّ عليهم رداً جميلاً.

حقوق الإنسان (كرامة الإنسان) في الإسلام:

دون الخوض في المعاني اللغوية لكلمة “حقوق الإنسان” التي اشتهرت في الدساتير، والوثائق الدولية، والتي تعني تمتع الإنسان بجميع حقوقه الدينية والفكرية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، فإن الإسلام قد سبق ذلك من خلال ما سماه “كرامة الإنسان”، التي هي أشمل من حقوق الإنسان لأن المقصود بها هنا: هو تكريم الله تعالى للانسان خَلقاً وشكلاً حيث خلقه الله تعالى على أحسن تقويم، وقدرة وإرادة واختياراً وحرية، حيث منحه الله تعالى العقل، والارادة والاختيار في حدود ما رسم له، حيث تجمع ذلك في قوله تعالى: (ولقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) ونلاحظ أن الله تعالى منح هذا التكريم لكل إنسان مهما كان دينه، حيث قال (لَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)، ولم يقل (ولقد كرمنا المؤمنين) فقط، وأما إذا آمن به واستمع إليه وأطاعه فإن له تكريماً أكثر على إيمانه وعمله الصالح فقال تعالى: (فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) وقال تعالى: (أولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) وقال تعالى: (أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ . فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ).

مظاهر هذا التكريم الرباني للإنسان:

وقبل أن أتحدث عن مظاهر التكريم في الاسلام أود أن أوضح أن الإنسان وبخاصة الفقير والمستضعف فرداً وشعباً لم يكن له اعتبار واحترام لدى معظم الحضارات السابقة، بل عانى الكثير والكثير من ويلات الإذلال والكبت والتعذيب، وهدر كرامته وعدم احترام عقله وفكره وحريته وإرادته، حتى صرح بذلك ميثاق هيئة الأمم المتحدة التي نشأت عام 1945 بعد الحرب العالمية الأولى والثانية، حيث جاء في ديباجته: (نحن شعوب الأمم المتحدة وقد آلينا على أنفسنا أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحروب التي في خلال جيل واحد قد جلبت على الانسانية مرتين أحزاناً يعجز عنها الوصف، وأن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان، وبكرامة الفرد وقدره…)، ثم أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة الاعلان العالمي لحقوق الإنسان في العاشر من شهر كانون الأول عام 1948 حيث ذكرت المادة الأولى منه خلاصة ما قاله عمر رضي الله عنه قبل عدة قرون: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً) فنصت المادة الأولى منه على أنه: (يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة وفي الحقوق، وقد وهبوا عقلاً وضميراً، وعليهم أن يعاملوا بعضهم بروح الإخاء) ثم ذكر الاعلان في بقية مواده الثلاثين حقوق الانسان الأساسية من الحرية الشخصية، وحرية الفكر والرأي، ومنع التعذيب والاعتداء، وحرية الملكية الخاصة، وحرية الخصوصية في الحياة، والمنزل، وعدم التمييز بين المواطنين بسبب العنصر، أو اللون، أو الدين أو غير ذلك، وحقوق الزواج، والأمومة، والطفولة، وحق العمل، ومجانية التعليم، والعيش المناسب…الخ.