الدوحة- بوابة الشرق

الحلقة السابعة عشرة

إن مظاهر التكريم للإنسان في الاسلام الذي نزل قبل أكثر من أربعة عشر قرناً كثيرة منها ما يأتي:

أولاً — أن الله تعالى خلق هذا الانسان بيده منذ الخليقة عند خلق آدم (عليه السلام) وهذا تشريف وتكريم ما بعده من تكريم حيث يقول الله تعالى: (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ). ثانياً — أن الله تعالى خلق هذا الانسان في أحسن تقويم حيث يقول: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)، ويقول أيضاً: (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ). ثالثاً — أن الله تعالى كرّم هذا الإنسان من خلال أمره تعالى الملائكة كلهم بالسجود لآدم أبي الانسانية فقال تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ).

رابعاً — أن الله تعالى أكرم هذا الانسان بالعقل والتفكير، وبالسمع والبصر وبقية الحواس حيث يقول تعالى: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).

خامساً — ان الله تعالى نفخ في هذا الانسان نفخة من روحه وبذلك تحقق له السمو الروحي، والروح العلوي، فقال تعالى: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) وهذا أعظم تكريم للإنسان، وهذا يفرض على كل إنسان أن يحترم أي إنسان مهما كان، احتراماً لما تحمله من هذه النفخة المباركة، فكيف يتسنى للإنسان أن يعتدي على من فيه نفخة من روح الله تعالى؟!!.

سادساً — جعله الله تعالى خليفة في الأرض دون الملائكة، والجنّ أجمعين فقال تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ) وهذا شرف عظيم لم تنله الملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم وأنهم مستغرقون في الذكر، والتسبيح، والتبجيل لله تعالى.

سابعاً — أن الله تعالى سخرّ لهذا الانسان كل ما في هذا الكون بسمواته وأرضه، وما فيهما وما بينهما من شموس وأقمار ونجوم وكواكب ومجرات فقال تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).

ثامناً — أن الله تعالى حرر هذا الانسان، أي البشرية من كل عبودية لأي مخلوق مهما كان فضله وعظمته، وفي ذلك قمة التحرر، حيث نقل من عبودية البشر والخضوع لهم إلى عبودية الله تعالى.

فقد بعث الرسول صلى الله عليه وسلم في عصر ساد فيه الشرك العالم كله وضربت الوثنية أطنابها بين الناس، سواء كانت بين العرب أم غيرهم، فكان الناس يعبدون ويخضعون لأنواع من المخلوقات من الأصنام والبشر، حتى بلغ الشرك بعض منتسبي الأديان السماوية ويعتقدون أن سيدنا عيسى هو ثالث ثلاثة (الله، مريم، عيسى) وإن كانون يقولون في عبارة غير مفهومة وهي (ثلاثة في واحد، وواحد في ثلاثة )، فأنقذ الله تعالى البشرية من هذا الخضوع والعبودية لغير الله تعالى، ودعا إلى توحيد الله وحده في ربوبيته وألوهيته، واستحقاقه للعبودية والطاعة المطلقة له وحده دون سواه، فرفع شعار (لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له) وهذه خلاصة رسالة الإسلام حيث عبر عنها ربعي بن عامر عندما خاطب عظماء الفرس فقال: (إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الأديان ).

وهذا هو الجديد الذي الذي أتى به الاسلام في العصر الذي سادت فيه الوثنية والشرك، ولهذا التوحيد آثار عظيمة على نفسية الموحد، وسلوكياته وتصرفاته، حيث لا يسجد ولا يركع، ولا يخضع إلاّ لله تعالى وحده.

تاسعاً — رفض الواسطة بين العبد وربه، فقد ابتدع معظم أهل الأديان السماوية ناهيك عن غيرها وسائط بين الانسان وربه حتى ولو كان الإيمان بالله تعالى في الظاهر، أو بوحدانية الله تعالى موجوداً، وظهر أثر ذلك في تصرفات القسيسيين مع أتباعهم في اعترافهم بذنوبهم أمام هؤلاء القسيسيين، ثم إعطاؤهم صكوك الغفران، وفي بعض الأحيان كانت تعطى صكوك الغفران للاستغلال والاستعمار والاحتلال كما في الحروب الصليبية، فقال تعالى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) يقول الفرنسي ايتين دينيه الذي سمى نفسه بعد إسلامه (نصر الدين) في كتابه (محمد رسول الله) وهو يتحدث عن ميزات الرسالة وعالميتها ودورها الممكن في المستقبل إذ يقول: (وهناك شيء مهم وهو انتفاء الواسطة بين العبد وربه، وهذا هو الذي وجده أهل العقول العملية في الاسلام، لخلوه من الأسرار وعبادة القديسين، ولا حاجة به إلى الهياكل والمعابد، لأن الأرض كلها مسجد لله، وفوق ذلك قد يجد بعض أهل مذهب الاعتقاد بالله دون غيره من التطلع… قد يجدون في الاسلام المذهب النقي للاعتقاد بالله فيجدون فيه أبدع وأسمى أعمال العبادة).

عاشراً — تحرير الانسان من الخوف من المستقبل والقلق واليأس والكآبة، من خلال الإيمان بالقضاء والقدر مع الأخذ بكل الأسباب المادية.

فهذا الايمان بالقضاء والقدر يجعل الانسان المؤمن في حالة من الأمن والأمان وفي حالة العزة والاحساس بالكرامة، وعدم الهم والحزن والأسى على ما فاته ما دام لم يقصر في الأخذ بالأسباب، لأنه من عند الله تعالى فقال تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ).

فهذا الايمان يجعل صاحبه في توازن نفسي واستقرار حقيقي، واطمئنان كبير، حيث لا تؤثر فيه المصائب ولا تجعله هلعاً، كما أنا لتعم والمسرات لا تجعله مغروراً بطراً.