الدوحة –  الراية : حذّر فضيلة د.علي محيي الدين القره داغي، الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، من الغرور وقال إنه من المصائب التي يبتلى بها الأفراد والأمم، مؤكداً أن من اغترّ بالدنيا وزينتها، وبالقوة وجاهها، وبالأموال وأنواعها، وبقوته الفكرية والعقلية كان مصيره مصير إبليس إلا إذا تاب توبة نصوحاً.

وقال د.القره داغي في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس بجامع السيدة عائشة رضي الله عنها بفريق كليب إن غرور صاحب السلطة أشد من غرور المرء الذي لا سلطة لديه، ومن يتولى منصباً إذا أصيب بمرض الغرور أورد قومه موارد الهلاك والضلال، كما رأى أنه لا يجوز للمسلم أن يتصف بالغرور في حياته وأعماله وتصرفاته وسلوكه.

ولفت إلى أن الغرور الذي أصاب بعضنا في العالم الإسلامي هو أحد الأسباب الأساسية لمصائب هذه الأمة، خاصة اغترار بعضنا بأعدائنا، وإن تظاهر العدو بالصداقة.

التعامل مع العدو

وقال إنه يجب على الأمة الإسلامية أن تتعامل مع العدو على أساس المصالح ضمن استراتيجيات تقوم عليها المصالح المشتركة وفق النظرية المكيافيلية التي يتقن العدو اللعب عليها.

وذكر أن هذه النظرية التي تقوم على أساس أنه ليس هناك عدو دائم ولا صديق دائم، وهي ذاتها التي انبثقت عنها النظرية اليهودية في مجال العمل «الغاية تبرر الوسيلة»، وقد مارسها العدو بإتقان حين أرادوا إسقاط الخلافة العثمانية، حيث بثوا في نفوس الأمة العربية غرور الأولى بالخلافة، وأنهم من نسل أمة نزل القرآن بلغتها، وزرعوا الكراهية تجاه القوميات الأخرى التي تشارك الأمة العربية الوطن، فسقطت الخلافة، وتنازعت الأمة العربية وفشلت، وتكالب عليها العدو من كل حدب وصوب.

وأضاف: نسيت الأمة العربية أن الإسلام نقي طاهر لا يفرّق بين عربي وأعجمي، إذ كل القوميات التي دانت بالإسلام خدمت الإسلام والأمة العربية، وحرصت على تقديم نضارة الإسلام ونقاوته إلى العالمين، في أبهى حلة، وأجمل منظر، مثل القومية العربية والتركية والكردية والأمازيغية وغيرها.

القضية الفلسطينية

وأشار د .القره داغي إلى فلسطين بقوله: حتى على مستوى القضية الفلسطينية لم يترك العدو أمام العرب خياراً سوى الصلح والسلام، وبعد مؤتمر أوسلو وبعد 25 سنة استولت إسرائيل على معظم أراضي فلسطين، ثم مُنِحت القدس عاصمة لها بجرّة قلم، والأمة العربية غرقى في الصراعات الداخلية فيما بينها. مؤكداً أن المسلم لا يغتر بالشيطان ولا بالعدو، لا بالجاه والسلطان والقوة، وإنما يعتمد على الله تعالى أولاً، وعلى إيمانه وعلى العقل الصحيح والقلب السليم، ويستفيد من عبر التاريخ ودروسه مستخدماً في سبيل ذلك إيمانه بالله تعالى والعقل المجرّد من التبعيّة لأي أحد.

كثرة الأموال

ولفت إلى أن الله حذر من الغرور والاغترار لأي سبب كان، سواء كان هذا الغرور بسبب كثرة الأموال والأولاد، أو بسبب زينة الحياة الدنيا وزخرفها، أو بسبب الجاه والقوة والسلطان، أو بسبب ما يملكه الإنسان من عقل مدبر وغيره من نعم الله تعالى التي وهبها الله تعالى للإنسان.

وقال إنه لا يجوز للمسلم أن يتصف بالغرور في حياته وأعماله وتصرفاته وسلوكه، وقد توجّه الله تعالى إلى الإنسان بسؤال استنكاري مستفسراً عن سبب الغرور الذي يصيبه فينأى به عن الطاعة وامتثال أوامره، (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ، الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ، فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ)، فهل حق الله تعالى بعد أن منحك كل هذه النعم أن يعصى؟

متاع الدنيا

وأضاف: إذا كان الإنسان الذي يشعر بشيء من الوفاء لا يرضى أن يعامل إنساناً آخر أحسن إليه بشيء من متاع الدنيا إلا بالإحسان والشكر، فكيف يصحّ هذا التصرف ويقبل من الإنسان الذي يتقلب في أفياء نعم الله تعالى التي أسداها إليه، والتي لا تعد ولا تحصى؟ إن كان سبب غرور الإنسان هو العقل المفكر والمدبر، فمن الذي أعطاه هذا العقل ليتدبّر به شؤون حياته، ويتفكر في مآلات أمره؟ وإن كان السبب الجاه والقوة والسلطان فما هي إلا أنواع ابتلاءات ابتلاه الله تعالى بها، عليه أن يحذر من التردي معها، وما ابتلاه الله تعالى بها حتى يختبر إيمانه، وينظر ما هو صانع فيها، فيقيم الحُجة عليه.