الدوحة – العرب
ذكر د.علي محيي الدين القره داغي، الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أن غرض الاتحاد من هذه الندوة، وإعادة الأهمية لقضيتنا الأولى دون تنقيص لجهود كل من أسهم في خدمة هذه القضية من الحكومات والشعوب.
وشدد على أنه ما دامت القدس أسيرة الاحتلال ومعرضة للتهويد، وفلسطينُ كلها تحت الاحتلال والحصار فلا يجوز أن تسبقها أي قضية، ولا أولوية إلا لها، فهي قضيتنا الأولى، وقضيتنا المصيرية، وقضية الوجود والعزة والكرامة، وقضية الصراع بين الحق والباطل إلى قيام الساعة.
وأشار إلى أن قضية القدس مؤشر صعودنا وهبوطنا، وقوتنا وضعفنا.
وفي كلمة ألقاها أمس في ندوة «القدس والأقصى .. بين المؤامرة والمواجهة» التي نظمها الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين، في الحي الثقافي « كتارا»أشار د.القرة داغي إلى حقيقتين في موضوع القدس: الحقيقة الأولى: أن تحرير القدس على مرّ التاريخ لم يتم بالشعارات وإنما كان بالتضحيات الشاملة للجهاد بجميع أنواعه بالمال والأنفس، والوحدة والعلم والإعلام، وبتسخير جميع طاقات الأمة السياسية والاقتصادية والعسكرية والإعلامية والقانونية ونحوها في خدمة القضية وهذا ما بينه القرآن الكريم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (سورة الصف، 10-13).
وأوضح أن التاريخ شاهد على ذلك فلم يستطع المؤمنون من قوم موسى عليه السلام ومعهم سيدنا موسى دخولها لأنهم لم يستعدوا لذلك، ولم يفتحها الخليفة الفاروق إلا بعد إعداد القوة التي قضت على قوة الرومان، ولم يحررها السلطان صلاح الدين إلا بعد بذل الغالي والنفيس بدءاً من السلطان محمود الزنكي، ونور الدين.
والحقيقة الثانية: أن الذي يُحرر القدس ليس قائداً واحداً محنّكاً فقط مهما كانت قوته وحنكته، وإنما تحرّرها الأمة عندما يتسلح رجالها بالإيمان، وتتغير أنفسها، وتستيقظ من رقادها، وتنبعث من مرقدها، وتصبح أمة عابدة لله تعالى وحده لا لغيره، وقوية في جميع مجالات الحياة، قال تعالى في سورة الإسراء بعد ربط المسجد الأقصى بالمسجد الحرام: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا} (سورة الإسراء -47).
وأشار إلى أن آية سورة الإسراء اشترطت 3 شروط أساسية للتحرير:
الشرط الأول: (عباداً لنا) وهذا يعني: الجمع الكبير، بل يعني الجيل الكامل ولذلك عبر بجمع الكثرة (عباداً) وليس بجمع القلة.
كما أنه يفهم منه بوضوح اشتراط العبودية الكاملة لله تعالى، وهذا يعني خلوص القلب لله تعالى وحده، وعدم بقاء حظوظ النفس، ويعني التوكل والاعتماد عليه فقط، وليس على الغرب أو الشرق، فالتحرير يتحقق بهذه الأنفس الزكية المرتبطة بالله تعالى، كما أنه يفهم منه التحرير من كل عبودية وخوف إلا من الله تعالى، وهذا يعني أن الأمة المستعبدة التي تحتاج هي إلى التحرير لن تكون قادرة على التحرير.
الشرط الثاني: هو توفير القوة بجميع أنواعها (القوة العسكرية، والاقتصادية، والعلمية، وقوة الوحدة، وقوة التقنيات)، ونحوها.
الشرط الثالث: السير على منهج القرآن الكريم ولذلك جاء بعد هذه الآيات قوله تعالى {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9]. فالآيات الكريمة تدل على أن القوم كلهم، أو الأمة كلها هم الذين حرروا وليس القائد مهما كانت قوته، وتلك حقيقة ناصعة في تاريخ القدس الشريف، فقد كان موسى عليه السلام (عليه السلام) نبياً ورسولا وكليم الله تعالى ومن أولي العزم ومعه هارون الذي كان رسولاً وحكيماً ومع ذلك لم يستطيعا تحرير القدس، لأن قومه لم يكونوا مهيئين بل عاشوا الذل والاستعباد في ظل فرعون، لذلك قالوا لموسى {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} (24: المائدة) رغم أنهم رأوا الآيات العظام، ورأوا كيف أهلك الله فرعون أمام أعينهم بمعجزة وهو لم يكن أقوى من القوم الجبارين.
وشدد القرة داغي على أن الأمة إذا أفسدت فطرتها بالظلم والاستبداد فأصبحت خائفة خاضعة بعيدة عن أجواء الحرية تصبح أمة ضعيفة مفعولاً بها لا فاعلة، بل وتصبح كما قال القرآن الكريم {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (76: النحل) فالأمة الذليلة التي منعت عن حريتها وعن التعبير عما تريد هي كالعبد الأبكم، فتصبح عالة على سيدها في الأكل والشرب فكيف تقارن هذه بالأمة القادرة على الإفصاح عما تريد والقادرة على محاسبة المخطئ، وعلى إقامة العدل والمساواة. ولفت إلى أن فتح عمر للقدس، وتحرير صلاح الدين لها كانا للأمة الصالحة العابدة أولي البأس الشديد في ظل القيادة الرشيدة.
وأشار الأمين العام لاتحاد العلماء إلى دور العلماء الربانيين في تربية هذه الأمة وبذل كل ما في وسعهم لتحقيق الأمة العابدة لله تعالى والمحررة عن كل عبودية أو ذل أو خضوع أو ركوع أو سجود لغير الله تعالى، وصاحبة القوة والبأس الشديد على الأعداء المعتدين، ومن خلال هذه التربية إعداد القيادة الربانية الراشدة.
وأوضح أن أحد الأدوار الأساسية للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن يكون كالقلب النابض بالدماء الزكية للرأس والأعضاء.
وطالب العلماء أن يقوموا بإعداد جيل صلاح الدين {عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ}، أن يقوموا بتربية الأمة على التضحيات وبث روح الجهاد وتوسيع دائرة المقاومة الفلسطينية لتشمل العرب بمن فيهم المسيحيون الصامدون في فلسطين، وغيرها، ثم المسلمين جميعاً، ثم التربية على أساس الاستفادة من البعد الإنساني، وبعد الحق والعدل الذي يتفق معنا جميع الشعوب المحبة للعدل والخير.
ووعد القرة داغي بتحقيق النصر إذا توافرت الشروط السابقة وذلك لأننا أمام وعد الله الحق {فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} (إبراهيم 47)، أما عن النصر القريب {وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا} (الإسراء: 51). وأكد أنه لا يمكن للباطل الصهيوني، والوعد الكاذب أن يصمد أمام الحق وظهوره مهما حاول الصهاينة تهويد القدس ومحاولة الهدم والتقسيم الزماني والمكاني للأقصى، وحصار غزة والضفة،
ذكر د.علي محيي الدين القره داغي، الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أن غرض الاتحاد من هذه الندوة، وإعادة الأهمية لقضيتنا الأولى دون تنقيص لجهود كل من أسهم في خدمة هذه القضية من الحكومات والشعوب.