الدوحة – جريدة الشرق
أفتى فضيلة الشيخ أ.د. علي محيي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين نائب رئيس المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث بأن إجراء الحوالات النقدية بنفس العملة: جائزة شرعاً، سواء تم ذلك بمقابل “يكيف على أساس الوكالة بأجر” أو بدونه، فهي وكالة بأجر، وقال فضيلته: إن من الشروط الواجب تطبيقها في التعامل بالعملات أن يتحقق عند البيع والشراء التقابض الفوري “أي قبض البدلين عند العقد أو القيد المصرفي”.. جاء ذلك في أحدث فتاوى فضيلته حول هذا الموضوع.. وجاء السؤال كما يأتي:
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد
فمن بين الأسئلة والاستفسارات التي لا زالت تشغل الكثيرين حول حكم تحويل الأموال من بلد إلى بلد آخر بعملات مختلفة، فمثلاُ تدفع عملة محلية بالريـال القطري للصراف في دولة قطر، ويستلمها المستفيد بعملة بلده في السعودية بالريال السعودي، أو أي بلد آخر؟
وللإجابة عن ذلك نقول:
أولاً – إجراء الحوالات بنفس العملة: جائزة شرعاً، سواء تم ذلك بمقابل ( يكيف على أساس الوكالة بأجر) أو بدونه، فهي وكالة بأجر، ومحلات الصرافة والبنوك تقوم بتنفيذ عمليات تحويل الأموال لعامة الناس، فهم ضامنون لحالات التعدي والتقصير ومخالفة الشروط، وفي هذا صدرت فتاوى جماعية، وقرارات مجمعية.
ثانياً- من الشروط الواجب تطبيقها في التعامل بالعملات أن يتحقق عند البيع والشراء التقابض الفوري (أي قبض البدلين عند العقد أو القيد المصرفي) والمساواة بين العملتين إذا كانا من جنس واحد مثل بيع العملة القطرية بالعملة القطرية، أما عند اختلاف الجنسين من العملتين فحينئذ يجب التقابض عند العقد ولا يشترط التماثل.
إجراء الحوالات بنفس العملة جائز شرعاً سواء تم ذلك بمقابل أو بدونه فهي وكالة بأجر
وقد اشترط الفقهاء قبض البدلين في مجلس العقد استنادا إلى أحاديث نبوية صحيحة، منها حديث أبي سعيد الخدري وحديث عبادة وغيرهما حيث تدل هذه الأحاديث على وجوب القبض في المجلس. ولكن الفقهاء المعاصرين وسعوا دائرة القبض حتى في بيع العملات فاعتبروا تسجيل العملة في الحساب البنكي أو ما يسمى بالقيد المصرفي بمثابة القبض المعتبر شرعا وبذلك صدرت الفتاوى الجماعية من المجامع الفقهية والندوات العلمية منها قرارات لمجمع الفقه الإسلامي في جدة والمجمع الفقهي في مكة المكرمة .
ثالثاً- فإن تحويل المبالغ عن طريق البنوك أو محلات الصرافة جائز شرعاً، وإن كان بعملة غير العملة التي سلّمها المرسل، حيث تسمى هذه الحالة بالحوالة والصرف، فهي صرف لأن المرسل مثلا دفع الريالات القطرية وطلب أن تتحول إلى دولارات في بلد المستفيد من الحوالة، وهي حوالة أيضا؛ لأن البنك / الصرافة يقوم بتحويل هذا المبلغ. وقد اتفقت المجامع الفقهية على أن القبض المطلوب شرعاً قد تحقق من خلال القيد المصرفي، أي تسجيل المبلغ في حساب العميل، وحينئذ لا يشترط القبض اليدوي.
التكييف الفقهي
وحسب التكييف الفقهي المعاصر في مسألة القبض عن طريق الحوالات، وحكمها، أنها من قبيل السفتجة وهي مستند المستقرض للمقرض إلى وكيل المقرض في بلد آخر ليعطيه ما أقرضه، وهي جائزة عند جماعة من الفقهاء والراجح أن التحويلات المصرفية اليوم أو البريدية عملية مركبة من معاملتين أو أكثر، بل هو عقد حديث بمعنى أنه لم يجر العمل به على هذا الوجه المركب في العهود السابقة، ولم يدل دليل على منعه، فهو صحيح جائز شرعاً من حيث أصله. ويعتبر إجراء الحوالة قبضاً حكمياً بمبلغ العملة التي تمثل الحوالة وذلك لأن كيفية القبض عند المحققين تعود إلى العرف ما عدا المنصوص عليه، وقد سبق أن القيد المصرفي بمثابة القبض، بالإضافة إلى أن هذه العملية ليس فيها منفعة مشروطة، أو زيادة للمقرض، وإذا وجدت فهي للطرفين معاً. يراجع في تفصيل موضوع السفتجة: السنن الكبرى للبيهقي (5/352) والمغني لابن قدامة (4/354) وتهذيب الأسماء للنووي (2/49) حيث قال فيه : ( السفتجة هي كتاب يكتبه المستقرض للمقرض إلى نائبه ببلد آخر لعطيه ما اقترضه).
رابعاً- فيما يتعلق بالحكم الشرعي للقبض، والقيد المصرفي، فقد صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي الدولي برقم 53(6/4) بشأن صور القبض، وبخاصة المستجدة منها وأحكامها، نص على ما يأتي:
أولاً : قبض الأموال كما يكون حسّياً في حالة الأخذ باليد، أو الكيل أو الوزن في الطعام، أو النقل والتحويل إلى حوزة القابض، يتحقق اعتباراً وحكماً بالتخلية مع التمكين من التصرف ولو لم يوجد القبض حسّاً. وتختلف كيفية قبض الأشياء بحسب حالها واختلاف الأعراف فيما يكون قبضاً لها.
ثانياً: إن من صورة القبض الحكمي المعتبرة شرعاً وعرفاً:
1- القيد المصرفي لمبلغ من المال في حساب العميل في الحالات التالية:
أ- إذا أودع في حساب العميل مبلغ من المال مباشرة أو بحوالة مصرفية.
ب- إذا عقد العميل عقد صرف ناجز بينه وبين المصرف في حال شراء عملة بعملة أخرى لحساب العميل.
ج- إذا اقتطع المصرف – بأمر العميل – مبلغا من حساب له إلى حساب آخر بعملة أخرى، في المصرف نفسه أو غيره، لصالح العميل أو لمستفيد آخر، وعلى المصارف مراعاة قواعد عقد الصرف في الشريعة الإسلامية.
ويغتفر تأخير القيد المصرفي بالصورة التي يتمكن المستفيد بها من التسلم الفعلي، للمدد المتعارف عليها في أسواق التعامل، على أنه لا يجوز للمستفيد أن يتصرف في العملة خلال المدة المغتفرة إلاّ بعد أن يحصل أثر القيد المصرفي بإمكان التسلم الفعلي.
2- تسلّم الشيك إذا كان له رصيد قابل للسحب بالعملة المكتوب بها عند استيفائه وحجزه المصرف.
هذا والله تعالى أعلم بالصواب، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.