الدوحة – العرب

أدان فضيلة الشيخ د. علي محي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، حجج دول الحصار ومزاعمها بأن هذه الحصار فيه خير لقطر وأهلها، وتساءل: أي خير يكمن في قطع أواصر المحبة ووشائج النسب، وعلاقات الإخوة وروابط الأسرة والعشيرة والقبيلة؟ أي خير في هتك حقوق الإنسان وإهدار كرامته؟ وأين الخير في سلب الناس أموالهم وتجاراتهم؟ وأين الخير في طرد الأنعام التي لا تعقل.

قال فضيلته في خطبة الجمعة أمس، بجامع السيدة عائشة رضي الله عنها بفريج كليب، إن ما قامت به دول الحصار لا صلة بينه وبين الخيرية أبداً، ولا يُنتج إلا السوء والأذى والضرر، ولم تحاصر قطر إلا حسداً من عند أنفسها، لما تنعم به قطر وأهلها من خيرات الله ونعمه، وحسداً لما وصلت إليه قطر من المكانة المرموقة بين دول العالم، وحسداً لما ينعم به هذا البلد العزيز «قطر» من نعمة الأمن والاستقرار، فزين لهم الشيطان وسولت لهم أنفسهم أمراً، ولكن الله تعالى ردهم على أعقابهم خائبين، وحفظ على قطر وأهلها أمنها واستقرارها في ظل قيادتها الحكيمة الرشيدة.

وأضاف فضيلته أن أحوال أمتنا الإسلامية في غاية من السوء على كافة المستويات، حيث تفرقت الأمة وأصاب جسدها الهزال، ودبت فيها معظم الأمراض التي أهلكت الأمم من قبلنا، وبخاصة في الأمة العربية، ودعا إلى ضرورة أن نستعين بالله تعالى على علاجها، وأن نسعى لاستئصال شأفتها، موضحاً أن هذا الأمر واجب العلماء الذين وصفهم الله تعالى بأنهم يقولون الحق ولا يخافون فيه لومة لائم {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا}، وقال: (مع الأسف الشديد بعض الدول العربية والإسلامية لا ترعى للعالم حرمة، ولا تحفظ له مكانة، بل يتطاولون عليه لمجرد دعاء ابتهل به إلى ربه، كما أنه يسجن إذا اعتزل الفتنة، ولم يصب الزيت على النار، من مبدأ «مَنْ لم يكن معي فهو عدوي»، فاعتُقل بعض العلماء ولا جريرة لهم إلا ترك الفتنة وعدم الخوض فيها).

وتطرق فضيلته في خطبته إلى سجن عشرات العلماء في المملكة العربية السعودية الأيام الماضية بقوله: إن سجن العلماء شر مستطير، وإن غضب الله لآت، وبخاصة إذا اعتُقل العالم لأنه قال الحق، وإننا لمشفقون على تلك الدول من غضب الله تعالى وسخطه، وطالب المسلمين بألا ينسوا الروهينجا بقوله: «يجب ألا ننسى إخواننا في ميانمار، حيث شغلنا الحسد فيما بيننا عن القيام بواجبنا تجاههم، وأفنى الحسد روح التعاون بيننا وبينهم، ومنعت الدول المانحة والقادرة على العطاء عن إخوانهم في آسيا وأفريقيا بسبب الحسد».

وأكد فضيلته أن الله تعالى أراد لهذه الأمة أن تكون خير أمة أخرجت للناس، ولذلك أولى بها العناية القصوى ووجه رسوله صلى الله عليه وسلم إلى تربيتها التربية التي تؤهلها لتحظى بهذه المرتبة، فرباها صلى الله عليه وسلم على الخصال الحميدة والشمائل المجيدة، وبوأ الأمة المنزلة السامية التي من أجلها اخرجت التشريعات التي حرصت على تربية القلوب وتزكيتها وتصفيتها حتى يغدو القلب سليماً، وإن الله تعالى حصر النجاة والفلاح في الدنيا والآخرة على سلامة القلوب {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ *إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}.

محذراً من خطورة الأمراض التي تصيب القلوب، وهي المادية المعروفة في عالم الطب التي تصيب القلب فتهلكه وتفسده، والمعنوية التي إذا استقرت في القلب أهلكته وأبعدته عن الله تعالى، وتربص به الشيطان وقعد له كل مرصد.

 

أشد الأمراض فتكاً

 

تحدث القرة داغي عن الحسد وهو أشد هذه الأمراض فتكاً، وأخطرها على القلب وأشدها نكالاً به، وأعظمها سبباً في إبعاد الإنسان عن رحمة الله، موضحاً أن الحسد نوعين: الأول بمعنى تمني زوال النعم عن الآخرين، وهذا حرام وشر مستطير على الفرد والمجتمع، والثاني: حسد الغبطة، وهو أن تتنمى أن يكون لك من النعم مثل ما للآخرين، دون تمني زوالها عنهم، وهذا جائز شرعاً، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: {لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها}، لافتاً إلى أن الحسد أصل كل بلاء، ومصدر كل شر، وموقظ كل فتنة، ولو بحثنا عن أي مصيبة في الأرض على أي صعيد كان لوجدنا أن الحسد هو المسعر لها، وأن الحسد هو الذي أوقد نارها، ولقد ذكر الله تعالى لنا في كتابه من قصص الحاسدين ما فيه عبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، ولمن كان يريد الآخرة وسلامة القلب ليفوز بما عند الله تعالى من نعيم مقيم.;